دفاعاً عن العدالة لا عن القاضي البيطار!

علي الأمين مشاركاً في مؤتمر اللقاء الوطني
تنفضح يوماً بعد يوم، النوايا الخبيثة وراء الهجمة الشرسة على القضاء عموما، أو على أي قاض نزيه شجاع، من طينة المحقق العدلي في جريمة تفجير المرفأ القاضي طارق البيطار، الذي آثر أن يسلك طريق الحق وان "قلّ سالكها".. وهذا ليس دفاعا عنه إنما عن تطبيق العدالة، و دعما لثقافة عدم الإفلات من العقاب. فالسلطة المرتبكة و المرتكِبة، بأشكال مختلفة وأقلها الإهمال أوالسكوت قبل التورط المباشر، لن تعاقب نفسها.. وتفسح في المجال أمام القاضي البيطار لإحقاق العدالة لأرواح الشهداء وذويهم وكل اللبنانيين، فيؤثرون "رجمه" بحجارة التشكيك والإتهامات الباطلة، على الرغم من ان "بيوتهم من زجاج"!

لا أعرف القاضي طارق البيطار شخصيا، ولم اسمع باسمه قبل تعيينه محققا عدليا في قضية تفجير مرفأ بيروت، بعد “إقصاء مشبوه” للقاضي فادي صوان عن التحقيق في هذه الجريمة، التي نتجت عن أضخم تفجير غير نووي في التاريخ.

إقرأ أيضاً: «خاص جنوبية»: «الأمانة العامة» تتمنع عن تبليغ النواب «المدعى عليهم»!

ما سمعناه ولم ينفه أحد، أن البيطار لديه سمعة قضائية محترمة، لم يرد اي خبر أو تعليق يشير إلى خلاف الثابت، عن استقامته وأحكامه القضائية، لم يتحدث أحد عن تورطه في شبهة فساد، أو ارتباطه بزعيم أو مرجعية سياسية أو دينية، طيلة قيامه بواجباته في السلطة القضائية.الهجمة الشرسة على هذا القاضي، من قبل أطراف منظومة السلطة بذرائع شتى، “جوهرها” يقوم على عدم صلاحيته في اتهام أو استدعاء الوزراء والنواب والرؤساء، باعتبار أن المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، هو الجهة المولجة بهذه القضية.

عدم الصلاحية ليست حقيقة حاسمة، بل هي عرضة للتقويض بنظر آخرين، ولهذا الرأي منطقه الدستوري والقانوني، وهو ما يجد له مؤيدين، خاصة نقابة المحامين وغيرها بطبيعة الحال.

يذكر الجميع كيف خرج نصرالله بعد انفجار المرفأ ليبرئ إسرائيل من لائحة المتهمين على غير عادته

ما يجعلني منحازا إلى القاضي البيطار، اقتناعي بأن من يتناوله أو يهدده أو يشكك باجراءاته، هم من لا يثق معظم اللبنانيين بنزاهتهم، باعتبارهم من عناصر المنظومة الحاكمة، التي افسدت وخرّبت وشاركت في صناعة الأزمة، والأهم انها لم تبادر إلى القيام بما يظهر اهتمامها بالوصول إلى الحقيقة، يكفي ان المتهجمين على المحقق العدلي، لم يبادروا بعد أكثر من عام على التفجير، إلى انشاء مجلس محاكمة الرؤساء والوزراء في مجلس النواب، انما تعاملوا مع التفجير بذهنية انها جريمة، ستمر بدون أن يصدر اي حكم قضائي فيها.

حجم الجريمة واستهدافاتها، التي طالت عصب الاقتصاد اللبناني في المرفأ، وسببت سقوط آلاف الضحايا من قتلى وجرحى، ودمرت آلاف البيوت وتضررت عشرات الالاف من المباني في المدينة وضواحيها، كل ذلك لم يحرك “همم” المسؤولين تجاه كشف الجريمة أو مسببيها ومرتكبها، يذكر الجميع كيف خرج امين عام “حزب الله” ليبرئ إسرائيل من لائحة المتهمين، على غير عادته اثر كل اغتيال أو تفجير يطال لبنان، حين كان يدرج إسرائيل في أول قائمة المتهمين، كما هو الحال بعد اغتيال رفيق الحريري وصولا إلى جريمة اغتيال لقمان سليم.

ننحاز إلى القاضي البيطار لأن أطراف منظومة السلطة يتكاتفون من أجل “اقتلاعه”

لم يبادر أحد من أجل الدفع باتجاه تحقيق العدالة، كل ما فعلته “المنظومة” هو الرهان على يأس اللبنانيين، واهالي الضحايا من كشف الحقيقة.

ننحاز إلى القاضي البيطار، لأن أطراف منظومة السلطة يتكاتفون من أجل “اقتلاعه”، ومن أجل التعتيم على المرتكب والمسؤول المقصر أو المتواطئ، ننحاز إلى المحقق العدلي، لأننا نعرف من مآسي لبنان، أن من يحكمون هذا البلد، لا يعيرون للقانون اي اهتمام أو حرص، بل يتفننون في تقويضه والالتفاف عليه.يكفي ان ننظر إلى خطاب هذه المنظومة وسلوكها، اذ يكرر اقطابها مهاجمة الفساد ويتغنون بالاصلاح، فيما هم يتقاسمون الدولة ومواردها، وكأنها أملاك عائلية وحزبية وليست ملك الشعب.

“الإستشراس” على القاضي بيطار يكشف عمق المصالح المتشابكة بين أطراف المنظومة

ليس في سيرهم ما يجعل اللبنانيين يتعاطفون مع مواقفهم من القاضي بيطار، بل كلما تهدد هذا القاضي يشعر كل اللبنانيين الشرفاء، أن من يتهدد هو العدل والحقيقة وأن من يهدد هو المجرم.

لا نستبق التحقيق السري، ولا أحكام لم تصدر من المحكمة، ولا ما سيصل اليه المحقق من قناعة تجاه هذه الجريمة الكبرى، لكن لا بد من القول، أن المحقق قطع المسافة المطلوبة، للوصول إلى الحقيقة قبل أن ينطق بقراره، هذا “الإستشراس” عليه، يكشف عمق المصالح المتشابكة بين أطراف المنظومة، فسقوط واحد منها سيودي بالآخرين، ذلك أن الجريمة في المرفأ هي جريمة منظمة، كشفها التفجير أو الانفجار لا فرق.

إرفعوا أيديكم عن القضاء، على قاعدة القضاء بخير.. لبنان بخير.

السابق
وفاة طفل جنوباً يُحرك الجيش.. هذا ما اعلن عنه
التالي
حالتها حرجة.. مواطنة ضحية جديدة للرصاص الطائش