حارث سليمان يكتب لـ«جنوبية»: لا لحكومة ميقاتي قبل ولادتها

حارث سليمان
يخص الناشط السياسي والأكاديمي الدكتور حارث سليمان "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

كشف رئيس الجمهورية الاسلامية الايرانية الشيخ ابراهيم رئيسي، بمحادثة يخاطب فيها رئيس  فرنسا ايمانويل ماكرون، عن موقف طهران المؤيد لتشكيل حكومة قوية في لبنان، هذا أمر يمكن فهمه واعتباره أمرا عاديا، بعد بلوغ الأزمة اللبنانية مستويات بالغة من التعقيد والخطورة، ما هو غير اعتيادي هو تسميته الأطراف التي ستشارك بتشيكل الحكومة في لبنان، وهو قد حددها بايران وفرنسا وحزب الله، لا ذكر لأي دولة عربية ولا دور لها؛ سواء كانت مصرُ أم الاماراتُ ام السعوديةُ او سورية او العراق، انها شراكة ايرانية فرنسية مقفلة، هذا على المستوى الخارجي، أمَّا على المستوى اللبناني الداخلي فالطرفُ الحازم والوحيدُ في تشكيل الحكومة، هو حزب الله، لا دور لرئيس الوزراء المكلّف ولا دور لرئيس الجمهورية، الا ترجمة التوافق الايراني الفرنسي يوم يتم انجازه، واما حزب الله فهو متعهد التنفيذ.

لا حاجة بعد تصريح الاصيل الايراني، لان يلجأ الوكيل اللبناني الى ان يتعب نفسه، برد الاتهامات المتكررة حول هيمنة حزب الله ودويلته، على الدولة اللبنانية ومفاتيح القرار السياسي فيها، لا حاجة بتاتا لأيِّ نَفْيٍ مُحْتَمَلٍ مستقبلي، من أنَّ الحكومة العتيدة ليست حكومةً لحزب الله ومن يرض بالعمل لديه؟!

حسنا فعل رئيس الجمهورية الاسلامية، ليكشف لنا زيف عشرين شهرا، من التمويه والمناورات والخداع البصري، الذي أجبروننا على مشاهدته بملل ودهشة!..

لم يكن إدّعاءُ الدفاع عن دور رئاسة الجمهورية الاَّ لعبا في الوقت الضائع وتقطيعا لمراحل الانتظار

 كل المطالب التي رفعها الجنرال ميشال عون باسم حقوق المسيحيين كانت ذرائع واهية ، ولم يكن إدّعاءُ الدفاع عن دور رئاسة الجمهورية، وصلاحياتها والحفاظ على مهابتها، الاَّ لعبا في الوقت الضائع وتقطيعا لمراحل الانتظار… انتظار انتظام علاقة ايران بالغرب وقيام فرنسا بما هو مطلوب منها!..

والمطلوب منها اليوم على حد قول الرئيس الايراني نفسه؛ المساعدة على فك الحصار الاميركي عن ايران ونظام الأسد، أو على الأقل العمل على تخفيفه..

وبإنتظار أنْ ينجح الفرنسي بتأمين الفدية، وتسليمها لمحور ايران الأسد، لا بأس بجولات الوسطاء ومكوكيات اللواء إبراهيم وهندساته..

 وأمَّا حكومة الإختصاصيين غير الحزبيين، والذين يأتون بسبب إستقلاليتهم وكفاءاتهم، والتي أَطلَقَت فكرتَها المبادرةُ الفرنسية، على لسان ماكرون نفسه، والتي تبناها وقاتل من أجلها السفير مصطفى أديب، ثم اعتذر لعدم قبول المنظومة السياسية بها، كما حاول الالتزام بها مُحوّرةً ومُعدّلَةً بعضَ الشيء، الرئيس سعد الحريري، والتي كانت تحاول محاكاة واسترضاء غضب ثوار ١٧ تشرين، ومطالبتهم بعزل المنظومة السياسية، لصالح حكومة لا تنبثق عنها  ولا تأتمر بأوامرها، ولا تسعى لمرضاتها، فقد تعاملت رموز المنظومة السياسية، مع ضرورة قيامها، ومعهم الرئيس نجيب ميقاتي، كمهدئات ظرفية لغضب اللبنانيين، من فساد المنظومة وازلامها، وحين انخفضت صيحات الغضب، تم الاستغناء عن المهدئات وعن ادعاء الحاجة اليها..

الصراع الذي شهدناه على الصلاحيات والحصص، بين موقعي رئاستي الجمهورية والحكومة لم يكن الاَّ مناكفاتٍ قبل بدء الفيلم الحقيقي، وهو فيلم صفقة ايران _ الغرب حول الملف النووي

في لحظة فوز شركة توتال الفرنسية، بعقد سخي قيمته ١٠ مليار $ اميركي في العراق، بعد عقد مؤتمر اقليمي في بغداد، حضرته فرنسا الى جانب الدول العربية الفاعلة، وايران وتركيا، وبتغييب وتجاهل للجنرال عون و لبشار الاسد، في اللحظة هذه ظهر لكل مراقب، أنَّ الصراع الذي شهدناه على الصلاحيات والحصص، بين موقعي رئاستي الجمهورية والحكومة،  وطيلة عشرين شهرا، لم يكن الاَّ مناكفاتٍ، تشبه الصور المتحركة، التي نراها في افلام كرتون توم اند جيري، بين رؤساء وزارة ورئيس الجمهورية، وأنَّ عروضَ الكرتون هذه كانت تسلية للجمهور، قبل بدء الفيلم الحقيقي، وهو فيلم صفقة ايران _ الغرب حول الملف النووي..

التجديد اللبناني لمسلسل الكرتون قد لحظ تناوب فأرين اثنين يضطهدان ثلاثة هررة

 ورغم ان أفلامَ توم اند جيري ممتعة ومسلية ومعروفة النتائج سلفا! حيث يتعرض الهر   (Tom) لشتى انواع الضرب والمهانة والاضطهاد، من فأر ذكي وشرير (Jerry) لا يهادن ولا يساوم، الا أنَّ التجديد اللبناني لمسلسل الكرتون هذا، قد لحظ تناوب فأرين اثنين يضطهدان ثلاثة هررة، يتعاقبان الأدوار وينوءان بالتجربة المُرَّة.

ما هو مُهينٌ ومُذِلٌّ، أنّهُ خلال عشرين شهرا من عرض أفلام الكرتون هذه، سقط اللبنانيون جميعا في لجة الفقر والمرض والهجرة والجوع والذل..

تقول منظمة الإسكوا (ESCWA) ان ٧٠% من اللبنانيين يعيشون تحت خط الفقر البسيط، واذا ما حسبنا نواحي الفقر المتعدد الأبعاد، فان نسبة العيش تحت خط الفقر تصل الى ٨٢% من السكان، وتضيف الاسكوا ان ٣٠% من أطفال لبنان يبيتون لياليهم دون عشاء..

رغم ذلك لا داعي للعجلة التي تؤدي للتسرع والذلل، ولا بأس لتمديد مهلة الانتظار، لتمكين فرنسا من تأمين الفدية وتسليمها..

الحكومة الجديدة حكومة محاصصة فاجرة سافرة، تجري بين ايران وفرنسا وتنفذ صفقة السماح للبنان، بتلقي اغاثات عربية ودولية تمنعه من الموت

 ولأنَّ اللبنانيين لم يعودوا قادرين، على احتمال المزيد من الأَلَمِ والحُزْنِ والبكاء، فلا بأس  بقليل من الهَزْلِ، فشَرُّ البلية ما يُضحِك؛ يقول الكوميدي العربي الأول، عادل إمام في أحد أفلامه : أُسلمك ع نضيف، تسلمني ع نضيف!! تلك هي ملهاتنا ومأساتنا! فما هي الحكومة المنتظرة وماهي وظيفتها وطبيعتها:

هي حكومة محاصصة فاجرة سافرة، تجري بين ايران وفرنسا، وتنفذ صفقة السماح للبنان، بتلقي اغاثات عربية ودولية تمنعه من الموت، كما تمنعه من محاولة التعافي والنهوض، حكومة تضعه في غرفة الانعاش، لا لكي يشفى ويتعافى بل لكي يبقى عليلا سقيما، ينازعه مرض عضال وسقم مستدام.

حكومة تحقق مصالح رعاتها، لا مصالح شعب تعرض الى افدح كوارث التاريخ، ترضي مصالح دول محور ممانع، وتغضب دول الخليج العربي، حكومة تبتز الغرب وتستجر دعمه من منطلقات انسانية،وتخضع لابتزاز من استهوى ممارسة البلطجة، وخرق القانون الدولي وبسط النفوذ والهيمنة على دول الجوار.

اسماء الوزراء في الحكومة العتيدة، لم تعد تحظى باهتمام أحد، طالما ان إختيارهم يأتي ضمن منطق الاستتباع والمحاصصة، الخبرة والعلم والسيرةالحسنة صفات جيدة ومطلوبة، لكنها تصبح لاغية لا قيمة لها، ما لم تكن مقرونة بالاستقلالية التامة وحرية الخيار، ورفض التبعية السياسية لاي طرف من اطراف المنظومة، ليعذرنا بعض الاصدقاء الواردة اسماءهم في التشكيلات المتداولة… حتى الآن لم يصدر عن أي منهم توضيحا يعلن انه غير تابع لاحد، وفي غياب هذا الوضوح الصارخ والضروري لا لحكومة ميقاتي قبل ولادتها. 

السابق
عون عن «الثلث المعطّل»: يتذرعون به لتحميلي مسؤولية التعطيل
التالي
الفيول العراقي تابع.. الشحنة الأولى لن تصل لبنان مباشرةً!؟