فريحة لـ«جنوبية»: عام دراسي جدي مسؤولية السلطة التنفيذية لا وزير التربية منفردا

العودة الى المدارس طلاب التعليم
أحد أبرز المؤشرات على الانهيار التام، في أي بلد هو توقف العملية التعليمية، أي إقفال المدارس والجامعات، وهذا ما لم يحصل مثلا في بلدان أكلتها الازمات السياسية والمعيشية، مثل العراق وسوريا وأفعانستان حيث بقيت قطاعاتها التعليمية صامدة. في لبنان هناك جدل كبير هو قرار الوزير طارق المجذوب، لبدء العام الدراسي في 27 أيلول الحالي، لأن كل المقومات التي تتطلبها العملية التعليمية مفقودة، من دون أن يحرك المسؤولون في السلطة التنفيذية ساكنا، أو أن تتم الدعوة إلى إنعقاد مجلس أعلى للدفاع لمناقشة مستقبل أجيال لبنان وتدارك ضياع العام الدراسي. كل ذلك يعني أن الانهيار وصل إلى أقصى مراحله، وينذر بتدمير الأجيال الصاعدة.

لم تهدأ بعد عاصفة الانتقادات التي طالت وزير التربية في الحكومة المستقيلة طارق المجذوب، منذ إعلانه في 21 شهر آب الماضي، بدء العام الدراسي في المدارس الرسمية في 27 أيلول الحالي، تاركا للمدارس الخاصة تحديد موعد بدء الدراسة ، وفقا لظروفها وإستعداداتها.

سبب هذه العاصفة هو تراكم الازمات، التي يعانيها اللبنانيون من إنقطاع للكهرباء والانترنت، والصفوف الطويلة أمام محطات البنزين وإنقطاع مادة المازوت، وهذه كلها وسائل أساسية، تدخل في صلب يوميات المدارس حين يكون التعليم حضوريا. 

والهجوم على قرار الوزير لم يقتصر على أرض الواقع، بين الاهالي والاساتذة والقيمين على المدارس، بل تعداه إلى مواقع التواصل الاجتماعي حيث تصدر إسم الوزير المجذوب ترند تويتر على مدى أيام، بين مؤيد ومعارض، علما أن جميع من أدلى بدلوه حول هذا القرار لم يتنبه، إلى أن تأمين عام دراسي متوازن هو مسؤولية السلطة التنفيذية بكل وزاراتها المعنية ( طاقة/ إتصالات/ تربية)، وتستحق أن يُعقد لأجلها مجلس الدفاع الاعلى، على غرار ما يحصل لمناقشة موضوع الكهرباء أو المحروقات أو الدواء  مثلا، لكن الواقع على الارض مختلف تماما، ما يدفع إلى البحث مع أهالي الاختصاص، عما إذا كان كان قرار المجذوب صائبا في هذه المرحلة، وما هي سلبياته و إيجابياته، في ظل الانهيار على كافة الصعد.

تأمين القطاع التربوي وعام دراسي جدي ليس مسؤولية وزير التربية وحده بل مسؤولية السلطة التنفيذية ككل

يجيب رئيس المركز التربوي السابق للبحوث والانماء الدكتور نمر فريحة “جنوبية” على هذا السؤال، بالتأكيد أن “مسؤولية تأمين القطاع التربوي وعام دراسي جدي وبمستوى تعليمي جيد، ليس مسؤولية وزير التربية، وحده بل مسؤولية السلطة التنفيذية ككل، لأن الاعباء التي ستقع على الاهالي لتأمين تعليم أولادهم، تدخل أيضا في نطاق صلاحيات وزارة الطاقة ( الكهرباء والمازوت والبنزين )  والاتصالات (الانترنت)”، مشددا على أن”أبرز دليل على أنه ليس من إهتمام بالقطاع التعليمي في لبنان، هو الميزانية المرصودة للجامعة اللبنانية مثلا، والتي لا تتجاوز العشرين مليون دولار في السنة، في حين أن كلفة دعم المحروقات والادوية، التي يستفيد منها  المهربون تخطى 8 مليار دولار خلال عام واحد”.

ويضيف:”هذا دليل على إنتفاء الضمير والوعي والحرص على الاجيال الصاعدة، من قبل المسؤولين السياسيين، ولا يمكن الرهان على سلطة لا تهتم بالمواطن، ولا تفهم دور التربية في بناء الاوطان، أن تعمد إلى دعم القطاع التربوي في هذا الظرف الدقيق الذي يعيشه لبنان، علما أن أداءهم منذ سنوات، أدى إلى تراجع مستوى القطاع التربوي، وكل الاجراءات المتخذة كانت  للحفاظ على المفسدين والمهربين على حساب الفقراء والاجيال الصاعدة “.

مقابل هذا الواقع المتخبط، لا بد من السؤال هل قرار وزير التربية صائب لجهة التعليم الحضوري في المدارس؟ يشدد فريحة أنه “لو كان مكان الوزير مجذوب لإتخذ قرار بشأن العام الدراسي، إذ لا يمكن أن نصل إلى بداية العام الدراسي من دون أخذ قرار في هذا الموضوع”، مشيرا إلى أنه “من الممكن مناقشة القرار لناحية سلبياته وإيجابياته، ولكن كان عليه إتخاذ قرار إما بتعليم حضوري أو تعليم مدمج أي  حضوري و  ON LINEأو تعليم عن بعد”، و يلفت إلى أن “لكل من هذه الحالات إيجابياتها وسلبياتها، على عملية التعليم بشكل عام في ظل جائحة كورونا، وفي ظل الظروف الاقتصادية والمعيشية الخانقة التي يمر بها لبنان”.

في حالة لبنان التعليم الحضوري ممكن في المرحلة الحالية، ولكن ثمة صعوبات يمكن أن تؤدي إلى توقفه

يضيف:”التعليم الحضوري له إيجابيات  أكبر من التعليم عن بعد، كنتائج معرفية لدى الطالب ولبناء شخصيته، ولذلك هو الافضل، أما التعليم المدمج بين حضوري و ON LINEله أسبابه التي تقررها المدرسة أو الجامعة و تنظم له الاساليب التعليمية الضرورية، لتنفيذه لجهة تقسيم الحضور والامتحانات”، مشيرا إلى أنه “في حالة لبنان التعليم الحضوري ممكن في المرحلة الحالية، ولكن ثمة صعوبات يمكن أن تؤدي إلى توقفه، بمعنى أنه في آخر شهر أيلول سينتهي الدعم عن المحروقات، ولا أحد يعرف كم ستبلغ سعر صفيحة البنزين أو المازوت وهل ستكون متوفرة”.

ويسأل فريحة:” مَن من الاهل سيتمكن من إيصال أولاده إلى المدرسة، او سيتمكن من دفع تكلفة النقل لهم؟ وهذا يعني أننا سنكون أمام أزمة جديدة ستنعكس على الاهل والمعلمين، ولا سيما المعلمين المتعاقدين في المدرسة الرسمية، الذين يتقاضون رواتب رمزية، لا تغطي كلفة تنقلاتهم إلى المدرسة وفقا للأسعار الجديدة للمحروقات، ولذلك على المعنيين أن يكونوا واقعيين أمام هذه المعضلة”.

ويرى أن “المشكلة الاخرى التي ستواجه التعليم الحضوري، هي تأمين التدفئة في فصل الشتاء، وهذا أمر شبه مستحيل في ظل غياب مادة المازوت بشكل شبه كامل، وبالتالي كيف سيتم تأمين هذه المادة للمدارس الرسمية؟ وفي المدارس الخاصة كم سيتكلف الاهالي لتأمين هذه المادة إضافة إلى الاقساط، وهذا يعني أن التعليم الحضوري أمامه إشكالات متعددة، ناهيك عن إمكانية إنتشار كورونا من جديد لكن لا يمكن إنكار أن التعليم الحضوري هو أفضل أنواع التعليم” .

المستوى التعليمي تراجع بشكل كبير خلال السنتين التي تم فيها التعليم عن بُعد

في المقابل يوضح فريحة أن “التعليم عن بعد يعني إعفاء كل الطلاب والاساتذة، من تكبد كلفة التنقل ويوفر على المدرسة كلفة التدفئة في الشتاء، لكن من يضمن تأمين الكهرباء خلال فترة التعليم، وأيضا الانترنت لمتابعته”، مشددا على أن “كل الاهالي الذين يعرفهم،  يبدون عدم إرتياحهم لعملية التعليم عن بُعد، بعد المعاناة التي مرّوا فيها خلال السنوات الماضية وهذا الامر ينطبق على الطلاب أيضا”.

ويلفت إلى أن “المستوى التعليمي تراجع بشكل كبير خلال السنتين التي تم فيها التعليم عن بُعد، ولم يتم إتخاذ أي خطوة خلال هذا العام لتدارك الاخطاء أو الهفوات، التي تمنع من هذا التراجع، وهذا يعني أن المستوى التعليمي في لبنان سيستمر في التراجع”.

السابق
وفد وزاري لبناني الى سوريا غدا؟!
التالي
إثر سكتة قلبية مُفاجئة.. وفاة المرجع السيد محمد سعيد الحكيم