حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: عبداللهيان والرهان.. على «العودة النووية»!

حسن فحص
يخص الصحافي المتخصص في الشؤون الإيرانية والعراقية حسن فحص "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

من دون مفاجأت حقيقية، نالت الحكومة التي قدمها الرئيس الايراني ابراهيم رئيسي ثقة البرلمان، باستثناء مرشحه لتولي وزارة التعليم والتربية. وكما كان متوقعا حصل مرشح وزارة الخارجية حسين امير عبداللهيان، على ثاني اعلى نسبة اصوات في اقتراع النواب على الثقة به، بواقع 270 صوتا مؤيدا و10 معارضين و6 ممتنعين. وقد تكون هذه المرة الاولى، التي يحصل فيها مرشح لوزارة الخارجية، على هذا العدد من الاصوات المؤيدة.

اقرا ايضا: حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: ايران والرقص على «حافة الهاوية»!

قد يكون الموقع الذي شغله قبل اختياره من قبل رئيسي لهذا المنصب، كمستشار خاص لرئيس البرلمان للشؤون الدولية، قد سهل ومهد الطريق امامه، بالاضافة الى كونه من التيار الذي يمثل ثنائية الدبلوماسية والميدان، انطلاقا من كونه منسجما مع توجهات المؤسسة العسكرية، ومتبنيا لساسيات النظام الاستراتيجية، في تعزيز قدرات المحور الذي تقوده ايران في المنطقة “الممانعة او المقاومة”. الى جانب خبرته التراكمية التي اكتسبها، من المواقع التي شغلها في وزارة الخارجية، متنقلا بين دوائر منطقة غرب آسيا، وسفيرا في بعضها (البحرين)، ومسؤولا عن الملف العراقي، ومفاوضا الى جانب امين المجلس الاعلى للامن القومي الاسبق سعيد جليل للامريكيين في بغداد، فضلا عن كونه من الفريق الاول، الذي شارك في المفاوضات السرية التي استضافتها سلطنة عمان عام 2013 بين الايرانيين والامريكيين، ومهدت الطريق للمفاوضات المباشرة التي قادها الوزير السابق محمد جواد ظريف، وانتهت بتوقيع الاتفاق النووي في 15 تموز 2015 مع السداسية الدولية. 

يتولى عبداللهيان قيادة الدبلوماسية الايرانية في مرحلة دقيقة من حيث الملفات خصوصا في ما يتعلق بملف المفاوضات النووية

يتولى عبداللهيان قيادة الدبلوماسية الايرانية، في مرحلة دقيقة من حيث الملفات التي ورثها عن سلفه، خصوصا في ما يتعلق بملف المفاوضات النووية واعادة احياء الاتفاق النووي، والذي يحمله مسؤولية كبيرة بين استنئاف المفاوضات من حيث انتهت، او الدفع بها نحو التعقيد والانهيار. 

يدرك عبدالليهان ان السلطة التنفيذية بقيادة رئيسي ومعها الجهاز الدبلوماسي لا يملكان حق التقرير في هذا الملف والملفات الاقليمية الدولية الاخرى

يدرك عبدالليهان ان السلطة التنفيذية بقيادة رئيسي، ومعها الجهاز الدبلوماسي، لا يملكان حق التقرير في هذا الملف، والملفات الاقليمية الدولية الاخرى، وان دورهما ينحصر في ادارة الموقف، الذي يتم اتخاذه في المستويات العليا للنظام، سواء من قبل المرشد الاعلى او من المجلس الاعلى للامن القومي، بعد اشارة واستمزاج رأي وموقف المرشد، فمن المتوقع ان يلتزم عبداللهيان بالموقف الاستراتيجي للنظام، الذي اعلن تمسكه بالمسار التفاوضي مع الخماسية الدولية، بالاضافة الى الولايات المتحدة بشكل غير مباشر. وان ما يعلن عن امكانية اعتماد خطاب اكثر تشددا، من خطاب لا يخرج عن الاطار الذي سبق ان رسمه المرشد الاعلى، عندما اعطى الضوء الاخضر بالعودة الى طاولة التفاوض، اي عدم تحويل المفاوضات الى استنزاف للوقت، وفي الوقت نفسه التمسك بالمطالب الايرانية الواضحة، التي تشترط تراجع الادارة الامريكية التام، عن كل العقوبات التي فرضتها ادارة الرئيس السابق دونالد ترمب، بكل المستويات المتعلقة بالبرنامج النووي او حقوق الانسان ودعم الارهاب، مقابل ان تتراجع ايران عن كل الخطوات، التي قامت بها بتقليص التزاماتها بالاتفاق النووي، ورفع مستوى التخصيب والحد من حرية عمل مفتشي الوكالة الدولية، واعادة تفعيل العمل ببروتوكول التفتيش المباغت، الذي يسمح للوكالة الدولية للطاقة الذرية بهامش مراقبة اوسع، مما تسمح بها معاهدة الحد من انتشار اسلحة الدمار الشامل. 

اختيار عبداللهيان لقيادة الدبلوماسية الايرانية في هذه المرحلة، وامكانية ان تستمر وزارة الخارجية في قيادة المفاوضات النووية، يعني ان الموقف الايراني سيكون متشددا في التمسك بمبدأ الفصل، بين المسار النووي وما تطالبه به واشنطن وعواصم الترويكا الاوروبية (فرنسا والمانيا وبريطانيا)، بربطه بمسار التفاوض حول البرنامج الصاروخي والنفوذ الاقليمي. فالوزير الجديد يعتبر من اكثر الدبلوماسيين تمثيلا لمحور الممانعة، الذي تقوده طهران في المنطقة، من العراق وسوريا ولبنان وفلسطين واليمن. هذا المحور الذي رحب بتوليه قيادة الدبلوماسية الايرانية ووصفه بوزير المحور. 

الوزير الجديد يعتبر من اكثر الدبلوماسيين تمثيلا لمحور الممانعة الذي تقوده طهران في المنطقة

وسيحاول الوزير الجديد ترجمة موقف النظام، وتوظيف المتغير الافغاني بعد التطورات الاخيرة والانسحاب الامريكي من هذا البلد، وعودة حركة طالبان لتسيطر على المشهد السياسي والعسكري على طاولة التفاوض.  فالقراءة الايرانية للمستجد الافغاني تنطلق من اعتبار وتوصيف الانسحاب الامريكي هزيمة مدوية و”مذلة” للقوات الامريكية، ما يعني امكانية رفع مستوى التشدد بوجه المفاوض الامريكي والغربي، انطلاقا من ان الاتفاق بات ضرورة لهذه الاطراف، اكثر منه حاجة ايرانية ملحة لاعادة ترميم الاقتصاد، وعودة الاستثمارات واستعادة الاموال المجمدة من عائدات النفط. 

سيحاول الوزير الجديد ترجمة موقف النظام، وتوظيف المتغير الافغاني على طاولة التفاوض

ان اخطر مؤشرات هذه السياسة الايرانية، ان تضع الانتكاسة الامريكية في افغانستان في خانة انتصاراتها، وعدم الاكتفاء بذلك، بل بالعمل على توسيع دائرة هذه الانتكاسات، او ما تسميه الهزائم على ساحات اخرى، على الساحة العراقية وتغيير لهجتها، من القبول بالخطوة التي تم الاتفاق عليها بين واشنطن والحكومة العراقية، بانسحاب القوات القتالية مع الابقاء على مدربين ومستشارين، الى لهجة ترفض بقاء اي من هذه القوات بشكل مطلق، بالاضافة الى توسيع الدائرة للمطالبة مباشرة بالانسحاب الامريكي من سوريا، لما يشكله من عائق امام تفعيل عملية الحل السياسي وانهاء الازمة، بالاضافة الى المطالبة برفع العقوبات بما فيها قانون قيصر. وهي سياسة اذا ما لجأت لها طهران فانها قد تشكل مغامرة ومقامرة في الوقت نفسه، عن انتصارات تسجلها وهزيمة تلحقها بالخصم، لانها ستضع واشنطن امام واحد من خيارين، اما القبول بما يحاول النظام الايراني تحقيقه والاعتراف بالهزيمة، او قلب الطاولة، والتي تعني تفجير كل ما تعتبره طهران انجازات استطاعت تحقيقها. 

السابق
أبو الغيط يستجيب لمناشدة ميقاتي: مستمرون في التضامن مع لبنان وشعبه
التالي
عمرو أديب يسخر من دكتوراة محمد رمضان الفخرية