العودة إلى المدارس.. يوم لا ينفع العلم «لا من قريب ولا من بعيد»!

العودة الى المدارس طلاب التعليم
شهر يفصل التلامذة عن بداية عام دراسي"غير محسومة"، لن يكون بعيداً عن التجاذبات بين وزارة التربية والقطاع التعليمي، عقب قرار وزير التربية في حكومة تصريف الأعمال طارق المجذوب، الذي فتح باب السجال حول مدى جهوزية المدارس وكادرها، لعودة لم تتهيأ لها الظروف الملائمة لانطلاقة سليمة، في ظل وضع صعب بفرض سطوته على كل فئات المجتمع.

من “كوكب آخر”، هبط قرار وزير التربية والتعليم في حكومة تصريف الأعمال طارق المجذوب، كصاعقة على رؤوس الأساتذة و التلامذة، ليكون ترجمة حقيقية للفجوة التي تفصل المسؤولين، عن واقع الشعب المأساوي في لبنان.

وفيما الأزمة الاقتصادية العميقة تُلقي بثقلها على النظام التعليمي في لبنان، وتؤثِّر بشكلٍ مباشرٍ على قدرة الأسر على الاستثمار في تعليم أبنائها وبناتها، في ظل ارتفاع أسعار المحروقات، وتدهور الوضع الاقتصادي، واستمرار الواقع الوبائي، اتُّخذ القرار بأن العام الدراسي المقبل سيكون حضورياً في المدارس الرسمية في 27 أيلول، فيما للمدارس الخاصة “الحرية” بتحديد تاريخ العودة بين أيلول و تشرين الأول.

إقرأ أيضاً: المجذوب يُصرّ على اعادة الطلاب الى المدارس.. وحلّ غير عملي لأزمة النقل!

لم يمر القرار من دون سخرية وتساؤلات عن مدى استعدادات الكادر التعليمي للمهمة بغياب المتطلبات، فيما الصدمة طالت القطاع من خطوة ناقصة “غير مدروسة”، تفتقر لإجراءات تساعد المنضويين فيه على تأدية دورهم، مع تفاقم المتطلبات المعيشية، التي تخنقهم، كما الأهالي المتخمين بالمتطلبات الحياتية، التي تحول دون دفعهم لفاتورة نقل أولادهم ومتطلباتهم المدرسية، بعد سنتين من التعليم عن بُعد، شابته الكثير من المعوقات التعليمية اللوجستية، فيما التلامذة تائهين بين حضوري وأونلاين ومدمج، والدوّامة مستمرة.

5 ألف طالب انتقلوا من المدارس الخاصة إلى المدارس الرسمية في العام المنصرم

أرقام صادمة.. وصورة قاتمة

أسابيع معدودة عن بداية العام الدراسي الجديد، والصورة تبدو قاتمة حول قدرة مليون طالب من العودة إلى مقاعد الدراسة بعد سنتين، عانى خلالهما القطاع التربوي من تداعيات الانهيار الاقتصادي وجائحة كورونا، وفق مرصد الأزمة في الجامعة الأميركية في بيروت، الذي لحظ أن “70 % من الأسر اللبنانية كانت تعتمد على المدرسة الخاصة، وقُدِّرت حصة قطاع التعليم الخاص في لبنان قبل الأزمة بنحو 1,3 مليار دولار، كانت تدفعها الأسر لـ”الأقساط” من خلال مداخيلها التي تبخَّرت بفعل الأزمة ، ما جعل الانتقال إلى المدرسة الرسمية، الملاذ الطبيعيَّ مع وقوع أكثر من نصف اللبنانيين في الفقر.

 55 ألف طالب انتقلوا من المدارس الخاصة، إلى المدارس الرسمية غير المهيَّأة للعام الدراسي المقبل بسبب 5 عقبات، أولها توزُّع المدارس الرسمية الجغرافي،  الذي لا يتطابق مع الواقع السكاني، حيث تسكن الكتلة السكانية الكبرى في بيروت وجبل لبنان، وتشكّل هذه الكتلة نحو نصف سكَّان لبنان، ففي جبل لبنان يوجد مدرسة رسمية لكل 14,236 نسمة، مقارنةً بمدرسة رسمية لكلِّ 4,921 نسمة في النبطية، ومدرسة رسمية لكلِّ 3,189 نسمة في عكار، ما سيضع الأُسَر أمام خيارات صعبة، كالانتقال إلى أماكن أخرى أو تكبُّد كلفة نقل أولادهم إلى مدارس بعيدة عن أماكن سكنهم.

تكمن العقبة الثانية في تدنِّي قيمة رواتب المعلمين بشكلٍ كبيرٍ مع التضخُّم الحاصل، فقد هبطت قيمة الرواتب إلى مستويات منخفضة لتتراوح بين 120 و150 دولارًا شهريًّا، ما سيجعل المعلمين غير قادرين على تأمين معيشتهم وتغطية انتقالهم إلى العمل، خصوصًا مع ارتفاع سعر البنزين.كما سُجّلت عقبة ثالثة وهي هجرة مئات المعلمين والمعلمات، التي ارتفعت بشكلٍ ملحوظٍ خلال العام الحالي، جراء تردِّي الأوضاع الحياتية.

كما شكلت كلفة التدفئة الباهظة التي تتكبَّدها المدارس في المناطق الجبلية والبقاعية العقبة الرابعة، هذا إن وُجِدَت، خلال فصل الشتاء، إذ ستتكلَّف المدرسة الرسمية ذات الحجم المتوسط على التدفئة فقط ما يقارب 275 مليون ليرة، وهو مبلغ لن تتمكَّن وزارة التربية تأمينه.

هجرة مئات المعلمين والمعلمات ارتفعت تردِّي الأوضاع الحياتية وتدنِّي قيمة الرواتب

أما العقبة الخامسة، فتتمثّل بكلفة احتياجات الطلاب الكبيرة من الكتب والقرطاسية، التي تبلغ كلفتها لكل طالب بحدِّها الأدنى بنحو 479,500 ليرة لبنانية لكل طالب، أي 71 % من الحدِّ الأدنى للأجور.

خطوات انقاذية..وإلا

يُجمع المعنيون وفق المرصد، على ضرورة القيام بخطوات عملية وسريعة تنقذ المدارس الرسمية، وتجعلها أكثر جاهزية ، إن بإنشاء “صندوق” دعم لكل مدرسة رسمية  أو توأمة مع مدارس في دول غنية لتغطية المحروقات والكتب والقرطاسية وكلفة النقل، وحوافز للمعلمين.

التلاميذ في المدارس خلال جائحة كورونا

ومن الخطوات، الإسراع في تنفيذ الاتفاقية الموقَّعة مع “البنك الدولي”، لمشروع شبكات الأمان الاجتماعي، واستخدام جزء من المساعدات المُعلن عنها في “مؤتمر دعم لبنان” للاستثمار في المدارس المهنية والتقنية التي تشكِّل 23% فقط من مدارس لبنان، انطلاقاً من أن توجيه الطلاب نحو التخصُّصات المهنية والتقنية، وربط ذلك بحاجات سوق العمل الحالية والمستقبلية.

كلفة احتياجات الطلاب كبيرة والقرطاسية تُقدَّر بنحو 479,500 ليرة لبنانية لكل طالب

بين التلامذة وذويهم..دعوة للنزول من “لالالاند”

كالصاعقة وقع نبأ العودة الى المدارس على رؤؤس الأهالي الذين بالكاد يؤمنون القوت لأولالدهم، فحال هيثم حسين “المحتار” في كيفية تأمين مستلزمات ولديه، يشبه حال الكثيرين من الأهالي ، فالحسابات على الورقة والقلم، تفوق بأرقامها قدرته على تأمين المأكل والملبس فكيف متطلبات المدرسة، فيما هدى منصور،ةأم لثلاثة أطفال، تتساءل عن مغزى هكذا قرار في ظل انعدام سبل العيش الطبيعية في البلد، “شو رح نوصل عالمريخ هالسنة، ما قادرين نتنفس منين منجيب مصاري”؟

وفي صفوف التلامذة، أثار القرار جدلاً وسخرية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث اعتبر كثيرون، أن الوزير يعيش في المدينة الفاضلة “لا لا لاند” متسائلين:” كيف سيصل التلاميذ والأساتذة إلى المدارس في ظل انقطاع المحروقات؟، وأجمعوا على ضرورة أن”  يخبره أحداً أنه”ما في بنزين للتنقل للأساتذة والطلاب، وما في مصاري وما في شغل والناس جاعت، وين عايشين حضراتكم؟”.

وطالبت سيلفا مداح ” من الوزير النزول من لالالاند إلى أرض لبنان”، أما بنين رباح فأكدت أنه يعيش في بلد تاني”، أما زهراء سعد:فسألت:””كيف يعني عودة حضوريا للمدارس بدون أدنى مقومات العيش؟”.

لاعودة..القرار محسوم

يشكل الاساتذة المتعاقدون والمستعان بهم 70% من الكادر التربوي في المدارس الرسمية، سيكونون أيضاً ضحية جريمة تدعى بدء عام دراسي “غير مدروس”، فيما كان لـ”رابطة التعليم الثانوي” جوابها المباشر على القرار بعدم العودة إلى الثانويات، مع بداية العام الدراسي المقبل بجميع مسمياتها، قبل أن تتحقق المطالب براتب مصحح، وطبابة، واستشفاء، وبدل نقل يوازي ارتفاع أسعار المحروقات.

كلفة التدفئة باهظة وتبلغ في المدرسة الرسمية ذات الحجم  المتوسط تقارب 275 مليون ليرة

العودة الى المدارس

هذا الموقف أكّدته أمينة اعلام الرابطة ملوك محرز التي أوضحت لـ”جنوبية” أن “هناك الكثير من العقد تمنع تنفيذه، في ظل إنخفاض ما يقارب 85% من القدرة الشرائية لرواتب الأساتذة ما يجعلهم غير قادرين للإلتحاق بالمدرسة .وفي موضوع الكلفة المادية التي سوف يتكبدها الأهل، فأوضحت أن “كلفة الباصات أصبحت مرتفعة ، وكذلك لمصروف يومي،أما في الشق الصحي ،فإن الخطة التي تم عرضها، أغفلت وجود الكورونا ، ومبادرة تأمين اللقاحات جيدة، ولكن كم لدينا من الوقت لتأمينها؟”.

محرز:التعليم عن بعد فاشل وغير مجدٍ والمتابعة به ستجعل من العام الدراسي أعرجاً

وقالت:” المدارس والثانويات الرسمية والخاصة بحاجة لمصاريف تشغيلية، ورفع رسوم التسجيل لن يحل المشكلة، فالأهل غير قادرين على دفع الرسوم القديمة، والصناديق خالية”، كما أن “غياب العدالة الإجتماعية وأزمة الكهرباء والمولدات وسرعة الانترنت وكلفته المادية، جعل من التعليم عن بعد فاشل وغير مجدٍ”.

وأوضحت أن” المتعاقدين هم الفئة الأكثر ظلماً و تضرراً، وحتى اللحظة لا حل لقضيتهم، علماً أنهم الأكثر عطاءاً ولكنهم الأقل دخلاً والأقل انصافاً من حيث الرواتب”.

التعليم عن بعد

واعتبرت “أن التعليم عن بعد هو وسيلة مساعدة وليست وسيلة بديلة، و اخترنا وسيلة غير عادلة وغير مجدية خلال السنتين الماضيتين، واعتمدت لتجنيب التلامذة الفراغ، ولكن لم يعد لدينا مقومات لنستمر، لذلك فالمتابعة بهذه الطريقة ستجعل من العام الدراسي أعرجاً، ومن المستحسن وضع خطة واضحة تأخد بعين الإعتبار عناصر اساسية لعام دراسي جيد بطريقة فعلية وواقعية وليس من خلال قرارات تبقى حبراً على ورق”.

أمينة اعلام الرابطة ملوك محرز

بين التفاعل وعدمه..يغيب الإنضباط

لا يمكن فصل الآثار النفسيّة للتعليم من بعد عن الآثار التربويّة، إذ لا ينحصر دور المدرسة فقط في عمليّة التعليم، فهي تؤدي دوراً أساسيّاً غي عملية النموّ النفسيّ عند المتعلّم، من خلال تفعيل عملية التواصل، التي تعدّ من الركائز الضروريّة لبناء الوعي عند الفرد.ووفق ما أوضحته أخصائية نفسانيّة عياديّة سيلفا علي بلّوط لـ”جنوبية”، فأهميّة المدرسة تكمن في كونها تكمل دور الأسرة التربويّ، و التي بدورها تتفاعل مع المدرسة، والأونلاين فرضته جائحة كورونا ،لذلك يعدّ حلاً  بديلاً عن عملية التعلم الحضوريّ”.

وعن آثار عملية التعلم من بعد على المعلّم، فلفتت بلوط إلى “أنه لا يمكن اختزال حضور المعلّم في شاشة أو صورة، باعتبار أن الحضور الفعليّ في الصف يعدّ محرّكاً لديناميّة التواصل، والتفاعل يفقد صلابته، كما أن المتعلّم يرى المعلم، بينما المعلّم لا يرى المتعلّم، والمعلّم غير معدّ جيداً للتعليم من بعد ،مّا يشكّل ذلك بالنسبة إليه إرباكاً في عملية التعليم نوعاً ما”.

وشددت على “أن كل ذلك لا ينفي وجود إيجابية للتعليم من بعد، وهو أن تحضير المعلّم للدروس يكون أكثر وافياً، باعتبار ان عمله عرضة للمراقبة أكثر”.وعن تأثيرات العودة إلى التعليم بعد سنتين من التعلّم من بعد، لفتت إلى “أنها تظهر على المعلّم الذي اكتسب خلال هذه الفترة ثقافة جديدة باستخدام لغة الكمبيوتر، لكن  تراجع مستوى تفاعل المعلّم مع المتعلّم  وفي مستوى إنضباطه في نظام المدرسة بمعنى الإنضباط المهنيّ نظراً لاعتياده على حصص أقلّ أو على دوام أقصر، أما بالنسبة إلى المتعلّم، فيتجسّد الأثر السلبيّ في ضعف تواصل المتعلّمين وتفاعلهم بين بعضهم البعض”.

التعليم عن بعد

و رأت انه “سيترتّب عليه العودة إلى الإنضباط. ولا يُخفى أن العودة إلى الإنضباط تتطلّب الشعور بالخوف من العقاب من المعلّم والإدارة، الذي تحرّر منه المتعلّم بسبب التعليم من بعد، والذي بدوره أضعف سلطة المعلم والإدارة، وهنا لابدّ من إعادة النظر في صورة المعلّم”.

بلوط: التعليم عن بعد وسيلة مساعدة.. وأضعف انضباط التلامذة وسلطة المعلم والإدارة 

وختمت بالتأكيد على “أنه لابد من العودة إلى المدرسة بصرف النظر عن الصعوبات الاقتصادية و المعيشية التي تعصف بوطننا”.

التعليم عن بعد

بين “لالالاند وأرض لبنان ..التلامذة تائهون والأهالي يتساءلون عن أدنى مقومات العيش؟

أخصائية نفسانيّة عياديّة سيلفا علي بلّوط
السابق
دعوة أممية لسياسيي لبنان: لتشكيل حكومة فاعلة!
التالي
دولار السوق السوداء.. كيف اقفل بعد زيارة ميقاتي لبعبدا؟