«حروب صغيرة» فوق الهشيم اللبناني..و«نداءات الإستغاثة» تتعالى!

الجيش والمحطات

وحَصَلَ الارتطامُ المخيف. عبارةٌ تختصر واقعَ الحال في الوطن الذي لم يَبْدُ ولا شعبه «خائفاً» على ما هو هذه الأيام في ظلّ تَكاتُف الأزمة الحكومية – السياسية المستحكمة منذ عام ونيف مع الانهيار الشامل الذي بدأ عَصْفُه المدمّر مع قرار مصرف لبنان المركزي رفْع الدعم عن استيراد المحروقات «الذي عَلِم به الجميع في السلطة وتَنَصَّل منه… الجميع».

ومنذ إصدار «المركزي» هذا القرار ليل الأربعاء، في أعقاب اجتماع «المجلس الأعلى للدفاع» برئاسة رئيس الجمهورية ميشال عون، بدا أن لبنان دشّن أخطر مرحلةً في رحلةِ التدحْرج في قلب الهاوية السحيقة، يُخشى معها أن يكون «فات القطارُ» مرة جديدة على إمكان تَفادي «المصير المميت»، في ظلّ معلومات من مصادر عليمة بأن عملية تأليف الحكومة ما زالت في «محطة الانتظار»، كما الاقتناع الذي يسود بأن وتيرة السقوط الحرّ باتت أسرع من أن تفرْملها تشكيلةٌ وزارية، ولو وُلدتْ، فهي ستكون أمام مهمة «إدارة الخراب» بعدما كان مقدَّراً لها أن تدير الانهيار حتى موعد الانتخابات النيابية المقبلة (مايو 2022).

حاكم «المركزي» لن يتراجع عن قرار رفْع الدعم عن المحروقات «الكل كان يعلم»

ولليوم الثالث على التوالي، بقي لبنان في «فوهة» قرارٍ أعلن حاكم «المركزي» رياض سلامة أن لا رجوعَ عنه وسرعان ما تحوّل «حلبة مصارعة» مزدوجة: جولتها الأولى دارت بين كل من عون وفريقه (التيار الوطني الحر) ومعه رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب وبين سلامة، ولم تغب عنها اعتبارات «سحب اليد» من خطوةٍ أملاها نضوب الدولارات القابلة للاستخدام من الاحتياطي الالزامي وعدم صدور قانون يغطي أي استعمال لهذه التوظيفات بعدما بلغ استخدامها «الخط الأحمر»، وفق ما أكد الحاكم الذي شدد على أن «جميع المعنيين كانوا يعلمون بالقرار، أي الحكومة ورئاسة الجمهورية ومجلس النواب، وبالتالي القرار ليس كما يُصور له ولم أتخذه منفرداً في وقت هناك مجلس مركزي يقرر السياسات وأنا ملزم الالتزام بها (…) وأعطونا التشريع لنؤمن الأموال والأمر لا ينجح بالبهورة، وأنا حاكم المركزي ولكن رئيس التيار الحر جبران باسيل حاكم البلد ولا أريد أن آخذ مكانه».

أما الجولة الثانية فتحولت عِراكاً بين عون وبين دياب بعد تفرُّد رئيس الجمهورية في الدعوة الى انعقاد مجلس الوزراء بصورة استثنائية وفق المادة 53 من الدستور لبحث قرار سلامة و «تداعياته الخطيرة بما في ذلك الأمنية» وموحياً بأن الدعوة تمت بالاتفاق مع رئيس حكومة تصريف الأعمال بحسب الفقرة 12 من المادة نفسها، قبل أن يفجر دياب قنبلة بتأكيد رفضه الدعوة لجلسة يعتبر أنها تخرج عن نطاق تصريف الأعمال بالمعنى الضيق «وأتمسك بموقفي المبدئي بعدم خرق الدستور».

إقرأ ايضاً: بالفيديو: مجزرة في عكار..إنفجار خزان بنزين مُصادر يوقع 20 ضحية و7 جرحى في حصيلة اولية!

وبين «الحروب الصغيرة» في السياسة، بقي اللبنانيون يتلقون «الحِراب» في صراع البقاء اليومي الذي اتخذ منحى أكثر شراسة مع الإرباك والفوضى اللذين طبعا أداء السلطة مع ملف يطول مختلف وجوه حياتهم، بدءًا من الضوء في منازلهم المحرومة «كهرباء الدولة» والتي تعوضها مولدات الأحياء التي تحتاج إلى مازوت لا بد منه أيضاً لمجمل الحركة الاقتصادية وللمستشفيات والمطاحن والأفران ومصانع الأدوية والسوبرماركت و… في حين أن البنزين يشكل عصب التنقل للمواطنين إلى أشغالهم أولاً في ظل غياب وسائل النقل المشترك.

وجاء انقطاع البنزين والمازوت بفعل رفض الشركات المستوردة تسليم المخزون الموجود لديها لبيعه بالسعر القديم قبل أن يضمن مصرف لبنان أن يوفر دولارات لهم على سعر صرف 3900 ليرة (وليس نحو 20 ألفاً وهو سعر السوق)، كما ارتعاد المواطنين من الأسعار الجديدة التي ستسرع انسحاق الغالبية الساحقة تحت خط الفقر، ليتسبّب بـ «هجمة» على المحطات منذ يوم الجمعة رغم امتناع القسم الأكبر منها عن البيع، من دون أن يهدئ «العاصفة» تبلُّغ الشركات من «المركزي» أمس أنه «يمكنها تسليم كامل المخزون الموجود لديها على سعر صرف 3900 ليرة للدولار».

طوابير بالكيلومترات أمام محطات البنزين وعمليات دهم للجيش وأخرى «شعبية» لضمان عدم التخزين

وطبع لبنان أمس مشهد الطرق التي تغرق بطوابير السيارات المصطفة أمام المحطات وبعضها امتد لكيلومترات وسط تسجيل إشكالات عدة، فيما بدت الشوارع في بيروت وغالبية المناطق وكأنها «ميتة» مع قفل المحلات التجارية أبوابها لعدم قدرتها على التزود بالمازوت وسط إعلان كبرى المولات التوقف القسري عن العمل في الويك اند وتقصير سوبرماركت كبيرة فترة العمل وقفل عدد من المطاعم، في موازاة صراخات النجدة من المستشفيات وآخرها «الأميركية» التي حذرت من أنها مهدَّدة بالتوقف الإجباري غداً ما لم تحصل على إمداد عاجل بالمازوت «و40 مريضاً و 15 طفلاً يعيشون على أجهزة التنفس الاصطناعي سيموتون فوراً»، معلنة «180 شخصاً يعانون الفشل الكلوي سيموتون بالتسمم بعد أيام قليلة من دون غسيل الكلى».

ورغم الانفراج الموضعي الذي حمله تسليم مخزون شركات النفط وسط مواكبة من الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي لضمان عدم تلكؤ محطات عن البيع وتخزين كميات لما بعد سريان رفع الدعم – في موازاة عمليات «دهْم شعبية»- أدت لضبط عشرات آلاف الليترات وتوزيعها على المناطق المعنية، فإن هذا بدا مجرد مسكّن لأن الكميات المتوافرة على السعر القديم تكفي لأيام لا تتجاور أربعة أو خمسة ولأن توزيع المازوت سيراعي أولوياتٍ تم وضعها، في حين أن الضبابية تلف ما بعد نفاد هذه الكميات، في ضوء عدم اتضاح أفق المعركة مع سلامة من فريق عون وهل سيعمد مثلاً لتعليق قرار «المركزي» عبر مفوضية الحكومة لدى مصرف لبنان وهي من حصة التيار الحر وتاليا مراجعة وزير المال، وهو ما ينذر بكباش فوق أشلاء الواقع الذي يقف على مشارف انفجار كبير عبّرت عنه عمليات قطع الطرق التي قطعت أوصال لبنان وعمت مختلف المناطق.

وفي موازاة ذلك، لم يتأخر هذا الملف بالدخول في صلب المأزق الحكومي وذلك من خلف التطمينات بأن «مسار تشكيل الحكومة العتيدة سالك وآمل أن يخرج الدخان الأبيض قريباً» وفق ما أكد الرئيس عون أمس قبل استقباله الرئيس نجيب ميقاتي في لقاء مفاجئ لم يُعلن عنه لاستكمال البحث في موضوع الأسماء وآلية اختيارهم والتي تكمن فيها شياطين كثيرة.

قطْع طرق واسع قطّع أوصال لبنان والمخاوف مما بعد نفاد الكميات المدعومة بعد 4 أيام

ولم يكن عابراً المناخ الذي شاع أمس وحاول ربط ميقاتي ومعه رئيس البرلمان نبيه بري والرئيس سعد الحريري بقرار سلامة وتصويره على أنه في مواجهة رئيس الجمهورية وفريقه، فيما كانت تلوح مؤشرات تصعيد على جبهة عون – الرئيس نبيه بري وعون – الرئيس سعد الحريري، ناهيك عن معركة الإطاحة بسلامة والمطالبة بـ «رأسه» التي أطلقها رئيس التيار الحر جبران باسيل والتي تطل على «أولويات» الحكومة الجديدة التي يبدو أن فريق عون يريد ترسيمها على الساخن بحال تم الإفراج عن الحكومة.

وإذ كان النائب في كتلة بري محمد خواجة يشن هجوماً صاعقاً على باسيل، سائلاً «مَن هو الرئيس الفعلي للعهد الذي جلب الخراب للبلاد، ومَن مدد لرياض سلامة ويعطّل تشكيل الحكومة التي يريدها على قياس حلمه المرَضي بالرئاسة… حلم ابليس بالجنة وهذا غيض من فيض عهدكم المشؤوم»، لم يقلّ دلالة هجوم تيار «المستقبل» (برئاسة الحريري) على عون من باب الدعوة لجلسة مجلس الوزراء والحملة على قرار سلامة، حيث رأى أن «اللبنانيين شهدوا في اليومين الماضيين، على واحد من أسوأ العروض السياسية والشعبوية للعهد القوي وتياره السياسي، وهو العرض الذي انتهى في الساعات الماضية الى توريط رئيس الجمهورية شخصياً في منزلقات التطاول على الدستور ومخالفة ألف باء الاصول التي تحكم العلاقة بين أطراف السلطة التنفيذية… ومن المؤسف أن يوافق رئيس الجمهورية على كذبة، رغم تبلغه مباشرة من رئيس الحكومة حسان دياب خلال اتصالهما الهاتفي رفضه الدعوة وتمسكه بعدم تجاوز الدستور ومخالفته.

لقد بات القاصي والداني في البلاد يعلم، ان محركات جبران باسيل هي القائمة على تسيير شؤون الرئاسة في بعبدا، وأن الرئيس ينفذ الاجندة السياسية التي يطلبها صهره». وأكد أنه «لن يقف مكتوفاً وسيواجه هذه التعديات في نطاق الأصول والقوانين وموجبات الدستور».

وفي موازاة ذلك، كان باسيل واصل حملته العنيفة على سلامة فكتب على «تويتر»: «للحاكم ولكل يلي عم يغطّوه سياسياً بقراره وهم كتار ومكشوفين: اوقفوا الانفجار! رفع الدعم بيصير تدريجياً.

الحكومة الجديدة لازم تطلع بسرعة، والانقلاب عليها وعلى الرئيس لازم يفشل»، وهو ما أكمله لاحقاً بيان «التيار الحر» بحديثه عن «مؤامرة مكشوفة المعالم، ترمي الى تفكيك الدولة ونشر الفوضى وتوليد أزمات معيشية حادة.

ومن المؤسف أن ينخرط في المؤامرة لبنانيون هم في موقع المسؤولية، يحمون منفذها، حاكم مصرف لبنان، ويغطون قراراته».

ميقاتي في زيارة مفاجئة لعون… والإيجابيات الحكومية على محكّ الترجمات

وبعد رد سلامة على باسيل معلناً «هناك من يريد رأسي ولا أريد تسمية أحد ولكن ضميري مرتاح ويتم استعمالي ككبش محرقة في العديد من الأماكن»، غرد رئيس «التيار الحر» قائلاً «لو صحيح انا حاكم لبنان، ما كنت تركتك من زمان»، فيما كان يتفاعل دفاع قوى سياسية عن قرار رفع الدعم بوصفه يوقف التهريب الى سورية وتمويل نظام الرئيس السورية بشار الأسد، وفق «الحزب التقدمي الاشتراكي» بزعامة وليد جنبلاط.

السابق
عون يَجهد لـ«غَسل» فضيحة رفع الدعم..و« حزب الله» يَستنجد بالجيش للخروج من مآزقه!
التالي
صدمة رفع الدعم..تصويب طريقة إدارة الأزمة الاقتصادية في لبنان؟