رسالة إلى أهل ضحايا تفجير المرفأ

اهالي شهداء مرفأ بيروت

ناشدتكم مرارا وتكرارا أن لا تأملوا من جلّاديكم أن يمنحوكم العدالة. إنّ أقصى ما يمكن أن يمنحه هؤلاء لكم، هو التعويض المادي لمحاولة إسكاتكم، وشراء صمتكم. ولو كانت الأموال متوافرة لتمّ ذلك فعلا. 

قلت لكم مرارا وتكرارا، لا عدالة في لبنان في ظل هذا الواقع القائم. فمهما تكن إرادة القضاة النزهاء طيبة لإحقاق العدالة، فهم لا يملكون الأداة للتحقق أولا من المعطيات، ولا يملكون الصلاحية للقفز فوق مفهوم الحصانات، ولا يملكون القدرة على تأليب الرأي العام الدولي لمصلحة الحقيقة والعدالة. وأخيرا كيف سيكون لهم القدرة على تنفيذ أي حكم ينطقون به؟ ومن الذي سيدفع التعويضات اللازمة لكم، وللوطن لكل هذه الخسائر الكبيرة التي حلّت بنا؟ وبكل الأحوال سيبقى المجرم محليّا وسيهرب من جرمه كما فعل سابقا، وتذوب الحكاية مع مرور الزمن.

إقرأ أيضاً: «بلطجة شبيحة».. قبيل «جلسة العار»!

طالبتكم منذ الأيام الأولى للجريمة أن تلجأوا إلى القضاء الدولي المعني، أي المحكمة الجنائية الدوليّة، وقضاء الدول التي تمنح محاكمها صلاحيات فوق إقليمية، لملاحقة مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب والإرهاب، ومنعهم من الإفلات من العقاب. صدّقتم محامين لا يفقهون في القانون الدولي المعاصر، لأنهم قالوا لكم نحن لسنا طرفا في المحكمة الجنائية الدولية. 

قلت لكم أن من أعدّ لهذه المحكمة وأنا منهم، كان يدرك كم من أمثال نبيه بري يحكمون الدول النامية في هذا العالم، ولذلك كانوا يدركون أنّ دولا مثل لبنان، ورغم تاريخه الحافل في الدفاع عن حقوق الإنسان،  لن يسمح له حكامه المجرمون، أن يكون طرفا في محكمة هدفها ملاحقتهم والإقتصاص منهم. إستمعتم لصوت جلاديكم تأتيكم من أفواه محامين إما هم من أتباعهم، أو أنهم يجهلون القانون، وتغلبهم العجرفة لقبول هذه الحقيقة، ولم تصدقوني.

مسيرتكم إلى الأونيسكو، وموقف أحزاب السلطة بشان جلسة المجلس في الأونيسكو، مظاهر لن تأت بالعدالة ولن تقمع العدالة. ما يحقق العدالة بسيط جدا. أحملوا ملفاتكم وشهاداتكم وكل المعطيات، إلى مدعي عام المحكمة الجنائية الدوليّة وإلى محاكم الدول التي تفتح لكم ابوابها. هذه محاكم السويد تلاحق السيد الرئيسي الذي انتخب رئيسا لإيران بجرم إرتكاب جرائم ضد الإنسانية. 

لستم وحدكم من يحتاج إلى العدالة. لبنان كله يحتاج إلى العدالة. وقد قرأت مؤخرا أنّ الجيش اللبناني وشعبة المعلومات، وضعا تقريرا يفيد انهم لم يجدوا، آثار أسلحة أو آثار صاروخ قيل أنه قصف المرفأ. وقال الخبر أن المحقق العدلي سيعلن ذلك في قراره الإتهامي. أنا لا أعرف صحّة هذا الخبر، لكنني أحذّر من أن هذا الموقف يعني تبرئة لإسرائيل وحزب إيران من التفجير ونتائجه. وهذا يعني أنّ لبنان واللبنانيين، سيحملون وزر الجريمة بنتائجها المادية والمعنوية. فمن ناحية هذا يعني أنّ على المواطن في لبنان أن يتحمّل عبء إعادة إعمار، ما تم تدميره والبالغ عدة مليارات من الدولارات. كما يعني أن إسم لبنان سيتلطخ ويلعن عبر القرون القادمة، لبشاعة ما ارتكبه ضد الكرامة الإنسانية في العالم، خاصة وأنّه ارتكب هذا الجرم على أرض وطنه وضد أهله. لقد شارك لبنانيون بهذا الفعل الإجرامي، لكنهم شاركوا فيه كمرتزقة يخدمون محورا، حوّل لبنان واللبنانيين إلى دروع بشرية في حروبه العبثية مع العالم. ويجب فضح هذا الرابط الحقيقي لا التورية عليه. التورية على الفاعل الحقيقي ستدمر ذكرى الملايين من اللبنانيين، الذين زرعوا العالم شهادات عن لبنان السلام والإيمان بالإنسان.

قد لا يكون الجيش مخطئا لكننا نسأله متى قام بمهمته؟ كلنا نذكر كيف اندفعت البارجات الحربية الفرنسية والأميركية بعد التفجير إلى لبنان ودخلت إلى المرفا. من منّا يجهل أنّهم فعلوا ذلك لمسح جريمة الصاروخ الذي أعلن نتنياهو بنفسه، أنّه أطلقه ضد المرفأ. هم لم يقدّموا الحماية لإسرائيل فحسب، بل لحزب إيران بطمس حقيقة الأسلحة التي كان يختزنها المرفأ. نحن علينا أن نصدق أنّ حزب إيران يعرف عن مرفأ حيفا كما قال أمينه العام، أكثر مما يعرفه عن مرفأ بيروت. وأن السلاح لا يصله عبر المرفأ. نحن يجب أن ننسى أنه حين دخلت باخرة المتفجرات إلى المرفأ، كانت البوارج الدولية غائبة، وهي التي يفترض، وفقا لقرار مجلس الأمن 1701، أن تمنع دخول مثل هذه المتفجرات إلى لبنان. فإذا دخلت باخرة متفجرات أمام أعين القوّات الدوليّة إلى لبنان، ألا تدخل بواخر محملة بالأسلحة لمصلحة حزب إيران؟ بئس هذا الشعب الذي يصدق كل ما قاله أمين عام حزب إيران. 

مرّة أخرى أناشدكم يا غبطة البطريرك، ويا سماحة العلّامة الأمين، ويا سماحة الشيخ الطفيلي، ويا رجال الدين والإنسان الأحرار في لبنان، لا تسمحوا بطمس الحقيقة. فالقضاء الوطني ليس عنوان كرامة وطنية، إذا لم يكن مستقلا وقادرا على تحقيق العدالة. القضاء الوطني عنوان دمار إذا جيّرته السلطات لمصلحتها. الكرامة الوطنية تقوم قبل كل شيء على منع إلصاق صورة القاتل بإنساننا والحفاظ على صورة الإنسان لشعبنا، والمطالبة بالعدالة والحقيقة مهما تكن مرّة. 

السابق
وجيه قانصو يكتب لـ«جنوبية»: حزب الله.. الغلبة كخيار بديل عن الشرعية
التالي
أشقاء الجريمة في محور المذلة