حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: عندما تغلي حرب تموز في «الكوز»..الإيراني!

حسن فحص
يخص الصحافي المتخصص في الشؤون الإيرانية والعراقية حسن فحص "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

لم تكن جلسة التفاوض، التي جرت بين كبير المفاوضين الايرانيين امين المجلس الاعلى للامن القومي علي لاريجاني، ومسؤول السياسات الخارجية في الاتحاد الاوروبي خافيير سولانا، في بروكسل العاشر من تموز 2006 بعد تأجليها اسبوعا، لم تكن جلسة عابرة كغيرها من جلسات التفاوض الشاقة والمتشعبة، التي جرت بين الطرفين، خصوصا وان سولانا كان حينها يتولى التفاوض، نيابة عن طرفين اساسيين شكلا الاعضاء الرئيسيين في عرف لاحقا بمجموعة 5+1، اي الترويكا الاوروبية (فرنسا والمانيا وبريطانيا) والولايات المتحدة الامريكية بشكل غير مباشر، ولم تكن روسيا والصين غائبتين عن هذا الاجتماع والاجتماعات التي سبقته. 

فجلسة تموز التفاوضية كانت تحمل مؤشرات ايرانية، لامكانية التعامل الايجابي مع رزمة الحوافز التي سبق ان حملها سولانا الى طهران، نيابة عن الترويكا الاوروبية، والتي تضمت الكثير من مجالات التعاون الثنائي الاقتصادي والتكنولوجي والاهم الاقليمي، مقابل عودة طهران الى اتفاق اكتوبر 2004، الذي وافقت فيه على تعليق تخصيب اليورانيوم في منشآتها، حتى التوصل الى تفاهمات مع عواصم الترويكا الاوروبية، وضمانات تقدمها طهران بعدم تطوير برنامجها النووي لاهداف عسكرية، وهي مفاوضات قادها في تلك المرحلة (2004)، الرئيس المنتهية ولايته حسن روحاني، عندما كان في موقع امين المجلس الاعلى للامن القومي، قبل انتقاله الى لاريجاني بعد انتخابات عام 2005، والتي جاءت بمحمود احمدي نجاد الى رئاسة الجمهورية.  

الجانب الايراني سمع كلاما اميركا حازما ومباشرا عن امكانية قصف اميركا للمنشآت الايرانية

لاريجاني الذي كان يقود التفاوض، غادر طهران حينها حاملا في جعبته مشروعا للحل يرضي الطرفين، خصوصا وان الجانب الايراني سبق ان سمع كلاما حازما ومباشرا، يحمل تهديدا بامكانية قيام الولايات المتحدة، بتوجيه ضربة عسكرية للمنشآت الايرانية، ووضع حد للطموحات النووية الايرانية، خصوصا وان واشنطن كانت تمتلك عديدا كبيرا من القوات العسكرية، يبلغ نحو 300 الف عسكري في محيط ايران، موزعة في الشرق على الاراضي الافغانية والجنوب والغرب في العراق. 

يقول احد اعضاء الوفد الايراني المرافق للاريجاني، ان الجلسة مع سولانا كانت تسير بالاتجاه المطلوب، وان سولانا كان متفائلا خلال الاجتماع، بالايجابية التي تتعامل بها ايران مع رزمة الحوافز، التي سبق ان حملها الى طهران، واعلنها في مؤتمر صحفي في مقر اقامة السفير الالماني في طهران، بعد جولة مفاوضات معقدة اجراها مع المسؤولين الايرانيين. الا ان دخول احد مساعدي سولانا الجلسة وخروجهما (سولانا ومساعده) لعدة دقائق، قلبت المسار التفاؤلي السائد لتوتر واضح، خصوصا بعد ان طرح سولانا سؤالا مباشرا على لاريجاني، حول جدية الطرح الذي قدمه حول النوايا الايرانية في الحل والتعاون. بعد ان قدم له خلاصة المواقف التي اعلنها رئيسه احمدي نجاد، في خطاب شعبوي القاه في العاصمة طهران، ورفض فيه تقديم اي تنازل ولو بمقدار “قيد انملة” في البرنامج النووي، واصفا قرارات مجلس الامن بانها “مجرد اوراق مهلمة”، مشبها البرنامج النووي بالقطار، الذي لا يملك كوابح ويسير بسرعة نحو الهدف المرسوم له. 

12 تموز كان الموعد المقرر لحصول واشنطن على الرد الايراني حول العرض الاوروبي في الملف النووي

لاريجاني الذي اسقط في يده ولم يجد جوابا على تساؤل سولانا، ولم يعد الرد الذي يحمله على الحوافز الغربية، والذي من المفترض ان يبلغ لواشنطن في يوم الثاني عشر من تموز، اي في اليوم التالي للاجتماع مع سولانا حسب المهلة التي سبق ان حددها البيت الابيض للرد الايراني، لم يعد الى العاصمة طهران مباشرة، اذ حطت طائرته يوم الحادي عشر من تموز في مطار العاصمة السورية دمشق، ليبدأ سلسلة من الاجتماعات واللقاءات المكثفة مع القيادة السورية من جهة، مع الفصائل الفلسطينية من جهة اخرى، وكان اللقاء الابرز والمصيري مع امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله. وهي اجتماعات لم يرشح عنها اي معلومات اعلامية، الا ان ترجمتها العملية جاءت في اليوم التالي، وعلى الجبهة الجنوبية للبنان. 

ففي صبيحة الثاني عشر من تموز، الموعد المقرر الذي كان من المفترض ان تحصل واشنطن على الرد الايراني حول العرض الاوروبي، اعلن في بيروت عن وضع احدى الخطط العسكرية قيد التنفيذ، اذ قامت مجموعة من مقاتلي حزب الله، باختراق الشريط الشائك بالقرب من بلدة عيثا الشعب في منطقة خلة وردة، واستهدفت دورية اسرائيلية كانت تقوم بعملية استطلاع روتينية، وادت العملية الى مقتل ثمانية عناصر من الجيش الاسرائيلي واسر عنصرين اخرين. 

إقرأ ايضاً: حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: هكذا «احتوت» طهران حركة طالبان!

هذه العملية العسكرية، وبهذا النوع والحجم، لا بد انها لم تأت في لحظتها، فهي من ضمن الخطط العسكرية التي يعمل عليها الحزب بانتظار اللحظة المناسبة سياسية وعسكريا. وهو ما يشكل المدخل للربط، بين ما حصل في بروكسيل بين لاريجاني وسولانا، وما تملكه طهران من معلومات حول امكانية تعرضها لعملية عسكرية مباشرة. ما يعزز الاعتقاد بان التوقيت لم يكن لبنانيا، او في اطار قرار مستقل من حزب الله، بل جاء بالتنسيق مع القيادة الايرانية حمل لاريجاني ساعة الصفر نيابة عنها الى دمشق. 

لم يتردد احد المسؤولين المقربين من الخارجية الايرانية بالقول حينها، ان الحرب التي اشتعلت في جنوب لبنان بين حزب الله واسرائيل، قد ابعدت الضربة العسكرية عن ايران ومنشآتها الحيوية، خصوصا وان المعلومات لدى القيادة الايرانية، كانت تشير الى استعدادات امريكية واسعة لشن ضربة جوية تستهدف، اكثر من 2500 هدف استراتيجي نووي واقتصادي وحتى سياسي. وقد عزز هذه الرؤية ان طهران والقيادة العسكرية في حرس الثورة، كانت تتابع مجريات المعركة على الارض بالتفاصيل، وشكلت غرفة عمليات خلفية للغرفة العسكرية التي شكلها الحزب، بمشاركة الجنرال قاسم سليماني قائد قوة القدس في بيروت، خصوصا وان سليماني انتقل الى لبنان عبر دمشق في الساعات الاولى للمعركة، برفقة عدد من مقاتلي النخبة في حرس الثورة.

مسؤول ايراني: حرب تموز 2006 قد ابعدت الضربة العسكرية عن ايران ومنشآتها الحيوية!

وعلى الرغم من الاثمان السياسية والاقتصادية التي دفعتها طهران في حرب تموز، من مجلس الامن الدولي الذي اصدر خلال مدة هذه الحرب القرار رقم 1696 بتاريخ 31 تموز 2006 ضدها ، فرض بموجبه عقوبات اقتصادية وسياسية بعضها تحت البند السابع، ثم توالت القرارات الدولية التي حملت ارقام 1737(ديسمبر2006)، والقرار رقم 1747 لسنة 2007 والقرار 1803 لسنة 2008 والقرار رقم 1835 للسنة نفسها (2008) والقرار 1929 لسنة 2010؛ الا ان الثمن الذي حققته من هذه الحرب كان كبيرا، اذ استطاعت ابعاد شبح الحرب عنها، وكرست في الوقت نفسه وجودها العسكري والسياسي، او بتعبير ادق نفوذها الاقليمي وسيطرتها على قرار الحرب والسلم في منطقة الشرق الاوسط، وان اي اعتداء ضدها سيكون الرد عليه باستهداف الامن الاسرائيلي، من خلال ما تمتلكه من نفوذ على حلفائها وترسانة عسكرية وصاروخية، جاهزة لتكون الجبهة المتقدمة في الدفاع عن مصالحها، في حال تعرضت لاي تهديد او اعتداء. 

السابق
نيران الحرب مستمرة بين محمد رمضان وأحمد الفيشاوي وهذا جديدها
التالي
ملكة التناقضات.. حلا شيحة مدحت تامر حسني ثم تبرأت من فيلمهما