سياسة «السلطة المافياوية»..الدعم مقابل الذل!

ازمة البنزين و رفع الدعم
لا ينطبق المثل القائل بأن "زيادة الضغط يولد الانفجار" على الشعب اللبناني، فإختبارات الضغط والذل التي يعيشها للحصول على صفيحة بنزين أو علبة دواء أو مستلزم طبي لإجراء عملية جراحية، ستجعله يقبل برفع الدعم التدريجي عن القطاعات الاساسية أي المحروقات والدواء من دون أن يحرك ساكنا، وسيمر الموضوع بسلاسة كما مرّ رفع الدعم عن السلة الغذائية. أما البطاقة التمويلية التي يحضرها النواب فهي "طبخة بحص" لن تنضج، بل مجرد "إبرة بنج" حتى تمر الانتخابات النيابية بسلام.

لم يكن تصريح وزير الطاقة والمياه في الحكومة المستقيلة ريمون غجر عن رفع الدعم عن البنزين أمس مجرد “زلة لسان”، كما حاول تصويرها اليوم بعد ردة فعل الناس على كلامه على مواقع التواصل الاجتماعي، بل هي حقيقة واضحة ينقاد اليها فقراء لبنان، لأسباب عدة مهما حاول المعنيون إخفاء معالمها القاتمة بألوان وأشكال عدة، مثل الخفض التدريجي للدعم ( على دولار 3900 بدلا من 1500) أو التلويح بالبطاقة التمويلية التي يعمل النواب على إنجازها، والجميع يعلم أنها “طبخة بحص”، لأنه ببساطة لا تمويل حقيقي لها.

إقرأ أيضاً: مارديني يحذر عبر «جنوبية» من استخدام «الكابيتال كونترول» لحماية المصارف من الملاحقة!

ما الحل؟

ما الحل إذا، والقوى السياسية تشّمر عن ساعديها منذ بداية العام الحالي تحضيرا للإنتخابات النيابية المقبلة، وتعد جمهورها بأنها لن تتركهم لغول الغلاء كي ينهش رواتبهم الزهيدة؟ الجواب ببساطة يكمن في إتباع سياسة الضغط والقرف التي تدفع المواطن للإستسلام، لأي حل يجنبه أشكال الذل التي يلاقيها لتعبئة صفيحة بنزين أو للحصول على دواء أو أي مستلزم طبي لإجراء عملية جراحية، حتى ولو كان هذا الحل هو رفع الدعم عن المحروقات والدواء على غرار ما حصل مع السلة الغذائية في المرحلة الماضية من دون أن يحرك المواطنون ساكنا، كما أنهم لم يتفاعلوا مع إضراب الامس بالرغم من الضغوط المعيشية التي تطحنهم يوميا.

هذا الافتراض ليس من فراغ بل هناك شواهد كثيرة عليه، أبرزها كلام ممثل عضو نقابة اصحاب المحطات في لبنان جورج براكس الذي “أثنى اليوم على إعلان غجر بالامس عن استعداد مصرف لبنان لفتح الاعتمادات المطلوبة لاستيراد المحروقات على اساس سعر صرف 3900 ليرة لبنانية لحين إقرار البطاقة التمويلية التي تمثل المدخل الالزامي لبداية رفع الدعم عن مادة البنزين”، معتبرا أنها “خطوة ايجابية نحو حلحلة مؤقتة لموضوع شح المادة في الاسواق وعملية انقاذ للموسم السياحي الذي نعول عليه لانعاش الاقتصاد الوطني بعد ركود دام اكثر من سنة ونصف. والعبرة تبقى بالتنفيذ”.

ضحك على الدقون!!

يوافق الخبير الإقتصادي البروفسور جاسم عجاقة على فرضية أن “السلطة تمارس الضغوط على المواطن كي يقبل برفع الدعم عن المحروقات مقابل تخليصه من ذل الانتظار امام المحطات، و يشرح ل”جنوبية” أن “الجميع يعلم أن هناك ثلاث قطاعات مدعومة تعاني من الشح بسبب التهريب، وهي المحروقات والسلة الغذائية والادوية والمستلزمات الطبية، بينما لا مشكلة في قطاعات مدعومة أخرى لا يمكن تهريبها مثل قطاع الخلوي والانترنت”، لافتا إلى أن”هذا يعني أن المشاكل موجودة بسبب التهريب وبالتالي كلما إستمر الدعم كلما إستمر التهريب، والتقارير تظهر أنه يجري على قدم وساق في القطاعات التي ذكرناها وتحت أعين المسؤولين و القوى الامنية”.

عجاقة لـ”جنوبية”:خيار رفع الدعم عن المحروقات والادوية أُتخذ ضمنيا.. ونحن في المرحلة الانتقالية

يضيف:”لذلك أمام مصرف لبنان أما إستمرار الدعم على حساب الاحتياطي الالزامي مع إستمرار التهريب أو وقف الدعم، أعتقد أن الخيار الثاني قد أُتخذ ضمنيا وما يتم حاليا هو تأمين المرحلة الانتقالية تمهيدا لوقفه نهائيا”.
 يرى عجاقة أن “البطاقة التمويلية هي ضحك على الذقون لأنه لا يمكن تأمين الأموال لها من الاحتياطي الالزامي، و مصرف لبنان يكمل الدعم حاليا من الفائض من هذا الاحتياط  وهو في أدنى مستوياته حاليا و خلال ثلاثة أشهر من المتوقع أن يرفع الدعم نهائيا عن كل قطاعات”، لافتا إلى أنه  “بحسب المعطيات الواردة في بيان مصرف لبنان فإنه سيستمر في دعم الطحين والأدوية و المستلزمات الطبية بسقف معين، وبناءا على لائحة مقدمة من وزارة الصحة، أما المحروقات فالقرار أتخذ بوقف الدعم نهائيا عن البنزين  وكلام الوزير ريمون غجر هو مؤشر على أن القرار قد أتخذ”.

ويلفت إلى أن “المازوت فلم يؤخذ القرار بعد  وهناك سيناريوهان الاول هو رفع الدعم عنه نهائيا على غرار البنزين، و السيناريو الثاني هو إستمرار الدعم لمولدات الكهرباء تحت رقابة الامن العام وهذا الخيار صعب ضبطه، لأن هذا لن يمنع التهريب مجددا، بالتالي ملف دعم المازوت هو من الملفات الشائكة، التي لم يتخذ القرار فيها بعد أما السلة الغذائية فرُفع عنها الدعم نهائيا”.

يوضح عجاقة إلى أن “السياسيين سيعمدون إلى إنجاز البطاقة التمويلية، و تقديمها إلى مصرف لبنان لتأمين التمويل لها وهم يعرفون حقيقة أنه لا أموال لتمويلها، و بذلك يحفظون ماء وجههم أمام ناخبيهم، بأنهم أنجزوا ما عليهم و أن المشكلة هي في مصرف لبنان الذي لا يريد التمويل”.

ويختم:”إذا كان لا بد من تمويل البطاقة من أموال الناس، برأيي يجب إعادة الودائع إلى أصحابها، فهم أولى بإسترجاعها بدل أن تذهب إلى محاسيب و أزلام السياسيين”. 

ماذا عن منصة صيرفة إلى أي مدى ستساهم في إطالة أمد الدعم و محاصرة جنون الدولار في السوق السوداء؟ يجيب عجاقة:” المنصة تساعد التجار الاوادم وليس التجار الذين يهربون البضائع، لأنها ستتيح للجنة الرقابة على المصارف ووزارة الاقتصاد  أن يعرفوا مسار هذه الاموال، وإذا تم ّ تهريب هذه البضائع إلى الخارج ، ومن يريد التهريب ليس من مصلحته شراء الدولار من المنصة لأنه ملزم بتقديم هذه المعلومات ولذلك سيعمد إلى السوق السوداء”.

الخبير والمحلل الاقتصادي البروفسور جاسم عجاقة
الخبير والمحلل الاقتصادي البروفسور جاسم عجاقة

 رفع الدعم أصبح واقعا 

يوافق الخبير الاقتصادي الدكتور لويس حبيقة على أن البطاقة التمويلية مجرد إقتراح حل لن يتحقق لأسباب عدة يشرحها لـ”جنوبية” بالقول:”لا أعتقد أن البطاقة التمويلية جاهزة كبديل عن رفع الدعم، وما سيحصل هو رفع دعم تدريجي بإنتظار أن يضعوا البدائل”، لافتا إلى أننا” وصلنا إلى حد لم يعد بإمكان مصرف لبنان دعم البنزين والادوية والمستلزمات الطبية، إلا من خلال الاحتياطي الالزامي، ولا خيار أمام الحكومة والمصرف إلا رفعه مقابل العمل على تأمين التمويل لاحقا”.

حبيقة لـ”جنوبية”: البطاقة التمويلية غير جاهزة.. وما يحصل هو رفعه تدريجيا بإنتظار البدائل

يضيف:”الرفع التدريجي هو رفع الدعم من 1500 إلى 3900 ليرة وهذا يعني ان صفيحة البنزين ستبلغ 70 ألفا”، مشيرا إلى أن “منصة صيرفة لا علاقة لها بضبط سعر الدولار في السوق الموازي أو السوداء لأنها المؤشر الاساسي لسعر الدولار”.

ويختم: “كان يمكن أن تكون مفيدة لضبط السوق إذا كان مصرف لبنان بمقدوره ضخ دولار في السوق السوداء، لكن لبنان يعاني من شح في الدولار ومن الصعب ضبط السعر بعد بدء عمل المنصة” .

لويس حبيقة
لويس حبيقة
السابق
بيان عن نقابة المحامين.. هل عُلّق الإضراب!
التالي
عدّاد الوفيات والإصابات بكورونا.. كم بلغ؟