حيث لا تنفع.. الفيدرالية!

الفيدرالية
يُروج في الأوساط المسيحية، طرح الفيدرالية كحل. ذلك يحدث دائماً عندما يصبح لبنان الكيان والدولة والشعب في حالة خطر وجودي. البعض يطرحها عن حسن نية والبعض الآخر عن سوء نية، أو عن جهل أو قلة خبرة سياسية أو من خلال وجهة نظر أكاديمية.

لماذا الفيدرالية ليست الحل؟

  • طرحها كما طرح أي تغيير في النظام في هذا التوقيت بالذات، لا يخدم سوى “حزب الله”، لأنه يحرف الأنظار عن الأحتلال الإيراني الذي يجسده الحزب، وعن الطبقة السياسية المارقة الفاسدة القاتلة بكافة مكوناتها، التي تتحرك تحت سطوته وتشكل له الدرع الواقي. ولن ينفع قول البعض أن طرح الفيدرالية لن يستقيم، إلا بعد حل مسألة السلاح غير الشرعي وإستعادة السيادة، لأن المطلوب عدم التداول بمسألة تغيير النظام بأي إتجاه كان، جزئي كان أو كلي، قبل إستعادة السيادة الكاملة، وفي أجواء من الوئام الوطني والإستعداد لحوار هادئ خارج ضغط موازين القوى.
  • لأن أي تغيير في النظام، في ظل الأجواء المتشنجة، و ميزان القوى الحاضر، لن يكون إلا لصالح الأقوى، علماً أن المكون الرئيسي لأي ميزان قوى هو المكون العسكري-الأمني، فضلاً عن أن “حزب الله” يُمسك بكافة مفاصل السلطة.
  • لأن في أي نظام فيدرالي، تكون السياسة الخارجية كما السياسة الدفاعية والنقد، من صلاحيات السلطة الإتحادية المركزية وبالتالي لن تحل مشكلة الإحتلال الإيراني.
  • لأن إيران تطرح نفسها حامية للأقليات المسيحية، تماماً كما النظام الأسدي في سوريا، وذلك بهدف إستيعابها وتحويلها إلى قوى حليفة دونية.
  • لأن طرح الفيدرالية هو طرح ماضوي، إنطلق بظروف بدايات الحروب المتداخلة في لبنان في عام 1975، وأن الظروف اليوم قد إختلفت تماماً. وقد تطور هذا الطرح في الثمانينات بحيث ربطت الفيدرالية بالحياد. أما اليوم، الحياد الإيجابي والناشط الذي طرحه غبطة البطريرك بشارة الراعي، مرتبط بتنفيذ الدستور وإتفاق الطائف اللذين لن يطبقا حتى يومنا هذا.
  • لأن أي إحتلال يمارس تسلطه على البلد المحتل، أي يكن نظامه السياسي، لأن سلطة التعيين والقرار هما بيده مباشرة أو مداورة.
  • لأن مقاطعات “حزب الله” في أي نظام فيدرالي، سوف تفرض سلطانها على أي مقاطعات أخرى، وإذا حاولت هذه الأخيرة التمرد تخضعها بالقوة.
  • لأن الصراع داخل كل مقاطعة، بإستثناء مقاطعات “حزب الله”، سوف يسمح له باللعب على تناقضات الأطراف السياسية فيها، كما أن تناقضات القوى الحزبية التقليدية سوف تستعر إلى حدود قد تصبح فيها عنيفة، مما يخلق إصطفافات تهمش قوى التغيير، وتجبرها على الدوران في فلك هذا الطرف أو ذاك.
  • أما ما هو أهم من الأسباب الثمانية المذكورة أعلاه، فيكمن بالآتي:

بالرغم من بعض مظاهر الحداثة التي يتحلى بها الفرد اللبناني، فان المجتمع اللبناني يعاني من آفات تجعله مشابهاً  لأكثر المجتمعات تخلفاً في العالم.

إقرأ أيضاً: حرمان الجنوبيين من البنزين يُنعش تجارة الغالونات..وفقراء البقاع بلا رغيف!

والمشكلة تكمن في بنيته الاجتماعية-السياسية، وهي مزيج  هجين من الإقطاع الآري والقبلية السامية، كما يوصفها اوهانيس باشا كويومجيان آخر متصرف للبنان، وهي تتمظهر بما يمكن تسميته بالبيوتات السياسية الكبيرة والصغيرة، القديمة والمستحدثة، التي تفرض سيادتها على الحياة السياسية والاجتماعية العامة والخاصة بكل مفاصلها.

التنظيمات التي صنفت نفسها تغييرية لم تتمكن من تكملة مسيرة التغيير

وفي واقع الحال، أن هذه البنية متجذرة  بأيديولوجيتها، وأنماط العلاقات الملازمة لها في الاجتماع والسياسة، بحيث لا تكمن المشكلة فقط في كينونة وتصرفات “زعامات” هذه البيوتات، إنما أيضاً في خضوع الشعب المطواع لها، وهو الذي يرتضيها موالية له، فتحقق له مصالحه خارج المسالك القانونية والنظامية، وتحميه من ملاحقة الدولة المركزية، أياً تكن السلطة التي تتولاها، مقابل الولاء الأعمى واستزلامه البخس لها. فلبنان، بإستثناء “حزب الله”، عبارة عن مجموعة قبائل متناحرة متنافسة فيما بينها، تتشكل من البيوتات السياسية، تسعى كل منها الى اقتطاع أكبر حصة ممكنة من سلطة الدولة المركزية، لحساب زعامة رئيس قبيلتها ومن أجل تقوية نفسها مقابل القبائل الأخرى. فهي بذلك تشبه المافيات التي تتوقف قوة رئيس كل منها، ليس على عدد الذين هم على إستعداد للموت من أجله، بل على عدد الذين هم على إستعداد للقتل بأمر منه. فالساحة السياسية اللبنانية، يسودها ما يمكن توصيفه بتوازن الرعب في ما بين هذه المافيات. هذا ما يفسر المحاصصة والزبائنية السياسية والفساد و على “مايسترو” ان ينظم تنافسها.

وواقع الأمر أن التنظيمات التي صنفت نفسها تغييرية، لم تتمكن من تكملة مسيرة التغيير، وهي تحولت من جماعات سياسية، تلتف حول مشاريع سياسية وطنية وتغييرية، إلى مجموعة أزلام تدين بالولاء البدائي والعددي والأعمى لزعيم بيت سياسي مستجد، يختصر “القضية” بشخصه ويشكل نموذجاً مسخاً عن تلك الزعامات التي طرح نفسه أصلاً بديلاً عنها. هذه حالة الغالبية العظمى للأحزاب اللبنانية: الرئيس هو أبدي سرمدي لا ًيرثهً إلا أقرب الناس إليه بالدم أو بالزواج. فنظام حكم البيوتات السياسية، لا يرتضي وجود أي جسم سياسي غريب عنه، إلا إذا حوله إلى مثيله، أي إلى بيت سياسي مستجد.

لذا، الفيدرالية لا تشكل حلاً،  للتخلص من سيادة البيوتات السياسية،  على الحياة السياسية التي تفسدها، و تنتج الممارسات الطائفية الشاذة.

منظومة البيوتات السياسية التي تتحكم منذ عصور بلبنان وهي سبب بلائه الأساسي

فلا علاقة عضوية بين مركزية النظام السياسي أو لا مركزيته، و منظومة البيوتات السياسية التي تتحكم منذ عصور بلبنان، وهي سبب بلائه الأساسي وبغض النظر عن وجود نظام طائفي أو عدم وجوده. لماذا؟ ذلك بسبب نوعية أدائها السياسي المرتبط بطبيعتها الأنانية، وعدم اكتراثها بالمصلحة العامة، ومحاولتها الاستئثار بقرار الطائفة والمذهب وجشعها السياسي.

إن ثورة 17 تشرين كسرت شوكة هذه البيوتات السياسية، وفتحت الطريق لتنفيذ الدستور، الذي يحتوي على ما يكفي من المواد لتطوير النظام، بحيث يتلاءم مع تنوع المجتمع اللبناني وبما يحقق الدولة المدنية، شرط أن يتم التخلص من منظومة البيوتات السياسية، وتطهير الدولة العميقة من إمساكها الكامل لها.

السابق
حرمان الجنوبيين من البنزين يُنعش تجارة الغالونات..وفقراء البقاع بلا رغيف!
التالي
التغيير بعد سقوط «الإصلاح»!