القطاع الصحي «يحتضر».. والمرضى مشاريع «شهداء»!

مستشفى قلب يسوع
القطاع الصحي في لبنان يلفظ أنفاسه الاخيرة ولا أمل بالحلول الترقيعية، فسياسة المماطلة لدعم الادوية والمستلزمات الطبية تحوّل المرضى في المستشفيات إلى مشاريع "شهداء". أما الحل الجذري فهو في مكان آخر أي في تشكيل حكومة حتى تقبل الهيئات الدولية مساعدة لبنان فهل هذا ممكن؟

إستفاق اللبنانيون اليوم على أخبار إنهيار القطاع الطبي في لبنان، بدءا من إضراب الأطباء إحتجاجا على نقص الادوية والمستلزمات الضرورية لإجراء الفحوصات والعمليات الجراحية، مرورا بقرار صيدليات  الشويفات – عرمون الاقفال لمدة ثلاثة أيام إحتجاجا على نقص الادوية، بالاضافة إلى قرار العديد من المختبرات والمستشفيات عدم القبول ببطاقات التأمين وحصر اجراء الفحوصات المخبرية بالدفع CASH، مرورا بإعلان نقيب الشركات المستوردة ان “مصرف لبنان قد توقف عن منح الموافقات على الطلبات الجديدة للدعم المقدمة من المستوردين، وان عمليات الدعم قد توقفت عمليا بالرغم من تأكيد وزير الصحة حمد حسن ورئيس لجنة الصحة النيابية عاصم عراجي، في ضوء اجتماعاتهم مع المسؤولين في مصرف لبنان ان دعم الدواء باق”.

اقرأ أيضاً: تعميم 158.. دولار تشرين 2019 ليس كما قبله!

 والخبر الاخر هو تأكيد نقابة المستشفيات في لبنان أن “المستشفيات عامة تعاني من نقص حاد، في الكواشف والمستلزمات الضرورية لإجراء الفحوصات المخبرية وتشخيص الأمراض، مما جعل العديد منها يتوقف عن إجراء تلك الفحوص للمرضى”، لافتةً الى “أن العديد منها اضطر الى تقليص عدد حالات دخول المرضى الى المستشفيات بسبب هذا النقص ” كما لفتت النقابة الى أن “المستشفيات أصبحت تعاني من نقص حاد في مستلزمات غسل الكلى، مما يهدد بتوقف هذه الخدمة اعتباراً من الأسبوع المقبل،  في حال عدم تسليم المستلزمات للمستشفيات خلال الأسبوع الحالي”.

القطاع في حالة غيبوبة

إذا كل هذه الاخبار تشي بأن القطاع الصحي في لبنان دخل في حالة غيبوبة، وأن كل المرضى في المستشفيات هم مشاريع “شهداء” بسبب النقص الحاد في الادوية والمستلزمات الطبية، وأن القطاع الطبي لن يتمكن من الخروج من أزمته بحلول ترقيعية من خلال الافراج عن القليل من أموال الدعم للصيدليات أو للمستلزمات الطبية أو دفع مستحقات الاطباء، بل يحتاج إلى حل جذري ورافعة دعم دولية دائمة حتى يستعيد صحته مجددا ، فهل هذا ممكن؟

غسان الامين
غسان الامين

بحسب المعطيات الموجودة على أرض الواقع، فإن التخبط  وتقاذف المسؤوليات بين المعنيين بالقطاع هو السائد، وليس هناك محاولات حقيقية للحل، فمماطلة مصرف لبنان في الموافقة على لوائح الادوية والادوات الطبية المستوردة، تحتاج إلى تواصل مباشر بين رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، للبت بالموضوع بشكل نهائي وهذا الامر لا يحصل، أما طلب الدعم من الهيئات الدولية فيحتاج إلى تشكيل حكومة وهذا أمر متعذر أيضا، بل أن محاولة الخروج من الازمة تقتصر على طلب مصرف لبنان من وزير الصحة، بتحديد الاولويات في هذه اللوائح (الادوية والمستلزمات) حتى يعمد المركزي إلى صرف الاموال اللازمة لها، هذا ما يؤكد عليه نقيب الصيادلة في لبنان الدكتور غسان الامين الذي يشرح لـ”جنوبية” أن “المماطلة التي يقوم بها مصرف لبنان لإبداء موافقته على دعم فواتير الادوية التي يقدمها  المستوردون يطرح عملية إستفهام كبيرة، خصوصا أن  مصرف لبنان يشترط الموافقة المسبقة على الادوية قبل إستيرادها وهذا الامر يدفع شركات الادوية، إلى التوقف عن الاستيراد لأنه غير متأكدة من حصولها على الموافقة مصرف لبنان”.

الامين لـ”جنوبية”: سوء إدارة الازمة من قبل المسؤولين السياسيين أدى إلى تفاقم مشكلة القطاع الصحي

يضيف:”هذا الموضوع يجب عدم التعاطي معه بإستخفاف، والمفروض أن يحصل إجتماع بين الرئيس دياب وحاكم مصرف، لبنان لأن الامن الصحي هو في صلب تصريف الاعمال، ويجب أن يتوصلا إلى حل جذري بناءا على لائحة الادوية الملحة التي نحتاجها، وأن ننتهي من نغمة المماطلة و التهديد بعدم الدعم، لأن هذا الامر أدى إلى تفاقم المشكلة نتيجة سوء إدارة الازمة من قبل المسؤولين السياسيين”.

يشير الامين إلى أن “وزير الصحة يحاول جهده وقد أرسل لائحة بالاولويات التي تطلبها الصيدليات لكن للأسف لا حياة لمن تنادي حتى الان”، لافتا إلى أنه “قانونيا لا يحق للصيادلة الاضراب والامتناع عن إعطاء الدواء للمواطن، ولكن ما يحصل هو إقفال قسري للصيدليات، هناك صيدليات أقفلت بشكل دائم وهناك أخرى ستقفل في المرحلة المقبلة”.

ويؤكد أن “ما سيحصل يوم غد الخميس هو توجيه صرخة إلى المسؤولين السياسيين، أن الصيدليات لم تعد لديها القدرة على التحمل ولا توجد أدوية التي تطلبها الناس، لأن شركات الادوية لم تسلم الادوية للصيدليات، وغالبا ما تحصل مواجهة مع المرضى الذين يريدون تأمين أدويتهم”.

ويختم:”صرختنا هي مع المواطن  للقول للمسؤولين إلى أين سنصل في هذا الموضوع وعليهم التحرك لحل ملف الدواء”.

سليمان هارون
سليمان هارون

لا حل من دون مساعدات خارجية

على ضفة نقابة المستشفيات يقول النقيب الدكتور سليمان هارون ل”جنوبية” أن “المستشفيات وُعدت بدفع مستحقاتها من قبل المصرف المركزي أكثر من مرة، ولكن دائما تبرز عراقيل في اللحظة الاخيرة  ولم تسدد إلى الآن مستحقات المستشفيات بالطريقة اللازمة”، مشيرا إلى أن “مستوردي الأدوات الطبية لا يقبلون بيعنا هذه الادوات بالسعر المدعوم بل بسعر السوق السوداء، وهذا ما يؤدي إلى مشاكل كثيرة، فمثلا كواشف المختبر يريدون بيعها بدولار السوق السوداء والعديد من المستلزمات الاخر”.

يؤكد هارون “أننا  كمستشفيات سنستمر على قدر ما نستطيع، لكن في حال لم يسلمنا مستوردي الاجهزة الطبية كواشف المختبر سيؤدي ذلك إلى إلغاء توقف فحوصات المختبر في المستشفيات”، مشيرا إلى أن “المستشفيات في الوقت الحالي تقوم بعمل الفحوصات لمرضاها داخل المستشفى فقط وليس للمرضى الخارجيين، كما أن هناك العديد من المستلزمات الطبية التي ترفض الشركات المستوردة تسليمنا إياها، إلا على سعر السوق السوداء والمريض لا يمكنه في الوقت الحالي دفع الفروقات بين سعر الدولار الرسمي ودولار السوق السوداء، وبالتالي نحن في ورطة كبيرة”.

هارون “جنوبية” : لا حل من دون مساعدات خارجية ومن دونها لا يمكن للقطاع الطبي أن يستمر

يرى هارون أن “لا حل من دون مساعدات خارجية ومن دونها لا يمكن للقطاع الطبي أن يستمر، صحيح أننا نتواصل مع وزير الصحة بإستمرار لكن المشكلة ليست عنده بل عند الاطراف التي تتولى تأليف الحكومة”، مشيرا إلى أن “الجهات الدولية تضع شرطا لمساعدتنا وهو تأليف حكومة، وبالبدء بالاصلاحات وليس واردا أن تمد هذه الهيئات يد العون لمساعدتنا خارج هذا السياق”.

عاصم عراجي
عاصم عراجي

حلول ترقيعية

من جهته يعترف رئيس لجنة الصحة النيابية الدكتور عاصم عراجي، أن كل ما يحصل اليوم هو حلول ترقيعية، إذ يشرح ل”جنوبية” أنه “طالما أن سعر الدولار يرتفع ولا تأليف للحكومة، لن يكون هناك إنفراج في القطاع الصحي ولا في أي قطاع  لأن المجتمع الدولي لن يساعد لبنان إذا لم تتألف حكومة”، مشددا على أنه “لا يمكن إنقاذ أي قطاع  ولا خلاص لنا من الانهيار الحاصل إلا بمساندة الهيئات الدولية والدعم الدولي، والحل المؤقت للقطاع الطبي سيستمر إلى آخر الشهر الحالي على الاكثر ثم ستعاود الازمة إلى الظهور إذا لم تتشكل حكومة”.

عراجي لـ”جنوبية”: طالما أن سعر الدولار يرتفع ولا تأليف للحكومة لن يكون هناك إنفراج في القطاع الصحي

يضيف:”وعدنا مصرف لبنان أن يلبي أولويات الادوية بعد تحديدها من وزارة الصحة، وأتمنى أن يحصل هذا الامر، ولكن في هذه الفترة  يمكن أن يحصل بعض الإنفراج، لأن مصرف لبنان لم يعد قادرا على الاستمرار بالدعم كما كان يحصل سابقا”.

السابق
5 حالات وفاة بـ«كورونا».. ماذا عن الاصابات؟
التالي
«النقد الدولي» يشكّك بالـ «كابيتال كونترول».. لا حاجة له!