«حزب الله» يُودّع الدولة ويستقبل «الدويلة»!

في معرض انهيار "الدولة اللبنانية المسطحة" امام "دويلة حزب الله العميقة" هذه المرة، تكر "بكرة" شريط الأحداث بنفسها "عن بكرة أبيها، لتسترجع محطات مفصلية تسللت اليها وتحكمت بها، و أوصلت الأمور الى الفصل الأخير من نهايات وطن و شعب. وتدور الدوائر والمشاهد على مسلسل عسكري امني سياسي مذهبي، تلعب فيه ايران دور "البطولة الأولى"، أما الأدوار الرئيسية الثانية فهي موكولة لذراعها في لبنان "حزب الله". ولعل في الإستعادة إفادة.. وإستدراك لم يفت أوانه!

الاصلاح بمعناه السياسي والاقتصادي ورسم سياسات تنموية، وفتح آفاق الانتاج والاستثمار، وترسيخ قيم الحرية وتعزيز الديمقراطية، لم يكن يوما أولوية في برامج وسياسة “حزب الله” في لبنان، ولا في امتداداته على مستوى محور المقاومة والممانعة، لقد اختصر البعد الأمني والعسكري بمظلته الايديولوجية مسار هذا الحزب منذ نشأته وحتى هذا اليوم.

إقرأ أيضاً: علي الأمين: الإنتخابات الرئاسية في «قبضة المرشد»..وطهران نحو تنازلات مؤلمة في الملف النووي!

ويمكن ملاحظة ان غياب البعد الاصلاحي، ولو في سبيل تقديم النموذج لـ”الاسلام السياسي الشيعي” للادارة والحكم، لم يكن محل اهتمام، واختصر البعد الديني في الشأن السياسي، على نزعة الالغاء للآخر بادعاء امتلاك الحقيقة الالهية على هذه الأرض، وهو في جوهره ادعاء يرتبط بجذر التكفير، الذي اعتمدته معظم الحركات الاسلامية في مقاربتها للاجتماع السياسي الوطني، وفي الدائرة القومية او الانسانية.

الحصة الايرانية لا يستهان بها، بل هي حاضرة بقوة في المسرح العراقي

وبالنظر الى مسار التجربة العراقية، التي اتاحت فرصا لصوغ البديل عن نظام القمع البعثي العلماني، من قبل القوى التي تنتمي الى المحور الايراني، كشف الواقع عن هزال النموذج البديل، واذا كان للاحتلال الاميركي شراكة في هذا البديل البائس، فان الحصة الايرانية لا يستهان بها، بل هي حاضرة بقوة في المسرح العراقي، الى الحد الذي نجحت في تقليص دور واشنطن، من دون ان تملأ الفراغ بغير بؤس اضافي، جعل من العراق في اعلى سلم الفشل والفساد وسوء الادارة وضعف الدولة.

هذه الأخيرة اي الدولة هي المعضلة التي تواجه محور ايران، وتجعل من سؤالها الوجودي لمعظم مناطق النفوذ الايراني، تحديا مستمرا واشكالية تفتقد لاجابة منطقية وموضوعية، الى الحد الذي صار الجهاد اوالمقاومة او الممانعة في اي بلد، عناوين تعني عمليا اضعاف الدولة ومؤسساتها، لكأن مفهوم المقاومة في مدرسة محور ايران، هو مفهوم يعني اسقاط الدولة في الجوهر والمحافظة عليها في الشكل.

تأسس “حزب الله” و قام و”قاوم” وكل ما حققه على المستوى الجهادي والقتالي كان يستثمره في اضعاف الدولة

على هذا الهدي تأسس “حزب الله” و قام و “قاوم”، وكل ما حققه على المستوى الجهادي والقتالي، كان يستثمره في اضعاف الدولة، قد لا يكون ذلك نتاج موقف ايديولوجي او مبدئي، انما هو في اضعف الايمان، يعكس غياب الرؤية تجاه ضرورة الدولة و وظيفتها فضلا عن تعريفها، واختلال في النظرة الى المجتمع اوالشعب والمواطنة، والمؤسسات الدستورية والانتظام العام، اختلال تأتى من منشئ الفرقة الناجية من جهة ومن بذور التأسيس الأمني والعسكري والايديولوجي، الذي يرذل الانتماء للوطن والولاء للدولة غير الاسلامية، وغير المرتبطة بسلطة ولي الفقيه.

لا يجب التقليل من شأن محاولة “حزب الله” الالتفاف على هذه النظرة المرفوضة من معظم اللبنانيين، لا سيما بعد اتفاق الطائف ودخوله البرلمان، وبعد دخوله الى الحكومة في عام ٢٠٠٥، وبدت في كثير من الأحيان نظرة تلفيقية لا تحل معضلة الانتماء للدولة والولاء لها، بل تستثمر بعض الشكليات الوطنية للتسلط والتحكم.

في هذا السياق يمكن ملاحظة ان اغراء العصب الطائفي والمذهبي، واغواء السلطة الأمنية والعسكرية من خارج الدولة باختلاق ما يسمى الدويلة، واستثمار العدوان الاسرائيلي لحماية ثنائية الدولة والدويلة، وصولا الى التمدد نحو الجغرافيا العربية باسم محاربة التكفير والارهاب وصولا الى الوهابية.

العلاقة الجدلية بين الدولة والدويلة كان “حزب الله” يدفع بشراسة نحو ترسيخ مقولة ضعف الدولة يتطلب ما يسميه المقاومة

اغراءات تستدرج مسارات غالبا ما تشترط ضعف الدولة، كما جذب المحازبين والمناصرين يقوم على ان الدولة عنوان الفشل والضعف والهوان، بخلاف الدويلة التي تجلب العزّة والكرامة، وهذه العلاقة الجدلية بين الدولة والدويلة كان “حزب الله” يدفع بشراسة نحو ترسيخ مقولة ضعف الدولة يتطلب الدويلة او ما يسميه المقاومة.

بناء الدولة او قيامتها او لجم الانهيارات في كل قطاعاتها اليوم، هي في جانب رئيسي منها تعبير عن عدم ايمان “حزب الله” بقيامتها، من دون ان التقليل من شأن الأدوار السيئة لبقية اطراف السلطة الآخرين، الا ان مسؤولية الحزب تنطلق من انه لم يعر الدولة اهتماما، تجاوزا لفكرة العداء لها، و لم يعر السياسات الاقتصادية والمالية اي انكباب جدي لمناقشتها وصوغها، بقدر ما كان يعنيه الولاء سواء كان بالفساد او الافساد، وهو اليوم امام معضلة لن يستطيع الاجابة عليها، معضلة لجم الانهيار وحماية الدولة من شعب ومؤسسات، هو عاجز عن الحل بسبب كلفته على مشروع الدويلة هذا من جهة، ومن جهة ثانية هو امام اغراء استخدام فائض قوته، الذي لم يعد امامه الا تحرير فلسطين من البحر الى النهر، طالما ظلّ معاديا او هاربا من استحقاق الدولة سواء كانت دينية او مدنية. ويبقى السؤال.. ماذا تبقى من شعار “حزب الله هم الغالبون”؟!

السابق
زهران يكشف عن «سيناريوهات» ما بعد إعتذار الحريري.. وفرصة أخيرة خلال أيام معدودة!
التالي
على وقع الإرتفاع الجنوني بالدولار.. الشارع يشتعل وهذه هي الطرقات المقطوعة!