استراتيجية «حزب الله» لمواجهة العقوبات التي تستهدفه

أحبطت واشنطن وفيينا وبرلين كثيراً من التوقعات “الإيجابية” التي كان “حزب الله” يُمنّي النفس بها، على اعتبار أنّها انعكاس “طبيعي” للمفاوضات التي تجري لإعادة إحياء الاتفاق النووي مع إيران التي ترعاه رعاية كاملة، ولخطوط التواصل “المستجدة” بين الرياض التي لها تأثير كبير في لبنان من جهة وبين طهران من جهة أخرى. 

ولم تغيّر إدارة الرئيس جو بايدن، في موضوع “حزب الله”، مسار إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، بل عزّزته بعقوبات استهدفت “جمعية القرض الحسن” التي تعتبر أهم البيوت المالية التي يعتمدها الحزب، خصوصاً بعدما جرى إخراجه وجميع من يدور في فلكه، من النظام المصرفي قبل انهياره، وانضمّت النمسا إلى قائمة الدول التي تصنّفه، بجناحيه السياسي والعسكري، إرهابياً، وضيّقت ألمانيا الخناق عليه، من خلال استهداف “الواجهات” التي كان يتحرّك، بعد حظره، خلفها.

وعلى المستوى العربي عموماً والسعودي خصوصاً، تعمّقت النظرة السلبية إلى “حزب الله”، وجاءت المواقف المتصلّة بالأزمة التي أحدثها الهجوم “الصبياني” لوزير الخارجية اللبناني شربل وهبه على المملكة وشعبها، قبيل اضطراره إلى التنحّى عن تصريف الأعمال، لتقدّم ما يكفي من أدلّة على ذلك.

ولم ترجئ أيّ من هذه الدول اتّخاذ إجراءاتها المناهضة لـ”حزب الله” إلى ما بعد الحرب التي اندلعت، مجدداً، بين إسرائيل و”حركة حماس”، وسط شيوع أوهام عن إمكان انضمام “حزب الله” إلى هذه الحرب لدعم الفلسطينيين، نصرة للقدس، على اعتبارها “قضية الأمّة”، وفق أدبيات “محور الممانعة”.

وشكّل كلّ ذلك دليلاً على أنّ المجتمع الدولي لم يعد ينظر إلى “حزب الله” إلّا باعتباره مجرد “منفّذ” تعليمات عند طهران، وتالياً، فهو، مهما حصل معه، سواء كان لمصلحته أو ضدّها، محكوم بالإرادة الإيرانية.

وتبيّن هذه الإجراءات التي لن تتوقف عند هذا الحد، بل سوف تتصاعد، في الآتي من الأيّام، أن “حزب الله” لن يحصد أي نفع مباشر من أيّ تطور قد يحصل في منطقة الشرق الأوسط، بل سوف يزداد نبوذاً وعزلة، على قاعدة أنّه من أبرز عوامل ما يُسمّى “الدور الخبيث” لإيران الذي تقرّر أن يكون محور معالجة دولية يلي حسم الملف النووي.

اقرأ أيضاً: «المنار ليست للمتسلقين»: جمهور «حزب الله» ينقضّ على الإعلامية غدي فرنسيس.. بتحريض من جواد نصرالله!

على المستوى العربي عموماً والسعودي خصوصاً، تعمّقت النظرة السلبية إلى “حزب الله”

إلّا أنّ هذا الاستهداف لـ”حزب الله”، وإن كانت له ثمار على المستوى الاستراتيجي، لكنّه لا ينعكس إيجاباً على لبنان الذي يتحكّم “حزب الله” بكل مفاصله، بل العكس هو الصحيح.

وقد انتقل لبنان من وضعية الدولة إلى وضعية المزرعة قبل أن يستقر، حالياً، على وضعية الغابة، حيث يتحكّم الأقوى بالأضعف، وحيث جميع اللاعبين السياسيين يتعاطون مع بعضهم البعض على أنّهم مجرّد فرائس توفّر لـ”سعيد الحظ” استمراريته، في الهيمنة على شعب يعيش واحدة من أصعب المآسي وأخطرها.

وفي هذه الغابة، يتربّع “حزب الله” على “العرش”، حيث يحرص على ممارسة مهمّة واحدة: إنهاك جميع اللاعبين من دون استثناء، بكل الوسائل المتاحة، وبغض النظر عن كلفتها، حتى لا يعود لهؤلاء أيّ تأثير يُذكر.

إنّ هذه المهمة هي أبرز ما يمكن أن يفعله “حزب الله” لإحباط القرار الكبير القاضي بتهميشه، ذلك أنّه، ويوم يحتاج المجتمع الدولي إلى طرف فاعل يتحدّث معه في لبنان يجب ألّا يجد سوى “حزب الله”.

وقدّم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نموذجاً عن ذلك، فهو، عندما بادر في لبنان، سارع إلى استرضاء “حزب الله”، من خلال التسليم بدوره السياسي الكبير في البلاد، على الرغم من إقراره أنّ هذا الدور ناجم، في جزء أساسي منه، عن سياسة الترهيب التي يتّبعها الحزب.

وثمة من يجزم بأنّ أحد أهم أسباب فشل المبادرة الفرنسية يتجسّد في أنّ باريس حاولت، بفعل المعادلات الإقليمية والدولية، أن تفرض على “حزب الله” شركاء فعليين يتولّون هم إجراء المفاوضات الهادفة الى الحدّ من الانهيار.

و”حزب الله” الذي يتطلّع كثير من الدول العربية والغربية إلى إبعاده عن الواجهة اللبنانية، يجد في أيّ طرف لبناني يملك مؤهلات التواصل مع المجتمع الدولي، حتى وإن كان “حليفاً” له، خصماً لا بد من إنهاكه، وإفقاده مصداقيته.

وفي هذه المواجهة الصعبة، لا يقيم “حزب الله” أيّ اعتبار للواقع اللبناني الذي يتدحرج، يوماً بعد يوم، فهو، في ظل ما ألحقه من هزائم نفسية ساحقة، بجميع مناوئيه المحليّين، نجح في إقحامهم مع “حلفائه الظرفيين” في مواجهات قاسية، ممّا سمح له بأن ينأى بنفسه عن تحمّل مسؤولية الانهيار.

وهذا يعني أنّ لبنان، في ظل هذه المعادلة الداخلية، يعيش في خطر وجودي حقيقي، لأنّ الإنقاذ يتطلّب وجود مرجعيات وطنية يمنع “حزب الله” توافرها، فيما المجتمع الدولي، باستثناء فرنسا، أظهر، بما لا يقبل أدنى شك، أنّ همّ تقزيم “حزب الله” يتقدّم على همّ إنقاذ لبنان.

في ظل هذا النوع من الإشكاليات الخطرة، تتجّه الأنظار عادة إلى الشعب وقواه الحيّة. في الحالة اللبنانية، وفق واقع الحال الراهن، هذا رهان بعيد المنال.

السابق
دور مصر في غزّة
التالي
الطفيلي يتحدث عن تفاهم بين «حزب الله» والصهاينة: شعارات تحرير القدس زائفة!