محمد بن سلمان على خطى سعد الحريري؟!

الحريري بن سلمان
طرحت تحركات السعودية عدة تساؤلات عن مصير العلاقات السعودية - الإيرانية وتداعياتها على المنطقة - ومن ضمنها لبنان.

طرحت التحركات السعودية الأخيرة في المنطقة، سواء جولات المحادثات مع إيران في العراق، أو الحراك الدبلوماسي على خط الأزمة اليمنية في مسقط، الذي يقوده مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن مارتن غريفيث، وكذلك المبعوث الأميركي والذي يحظى دون شك بمباركة سعودية، أو – وهو الأهم بالنسبة لنا في لبنان – الكشف عن زيارة رئيس الإستخبارات العامة السعودية خالد الحميدان إلى دمشق، وإجتماعه مع رئيس مكتب الأمن الوطني السوري علي المملوك، طرحت هذه التحركات عدة تساؤلات عن مصير العلاقات السعودية – الإيرانية وتداعياتها على المنطقة – ومن ضمنها لبنان – التي تكتوي بنيران هذه العلاقة السيئة بين الجانبين أقله منذ العام 2014، وهو العام الذي شهد بداية التوسع الحوثي في اليمن، الذي إستوجب إعلان عاصفة الحزم من قبل السعودية، بتحالف عربي وإسلامي عريض في البداية، قبل أن ترسو الأمور على حرب سعودية – حوثية ما زالت مستمرة حتى اليوم، بسبب من التداخل الجغرافي بين البلدين، والتي من المؤكد أنها تشكل السبب الرئيسي لهذا الحراك الدبلوماسي.

اقرأ أيضاً: «النصف الملآن».. من سعد الحريري!


أولى هذه التساؤلات، هو هل إن ما يجري من محادثات مصحوبة بتصريحات إيجابية من الطرفين، هو لإبرام تسوية حقيقية أم هو مجرد “ربط نزاع” على الطريقة اللبنانية، وهي للتذكير الطريقة التي أثارت حفيظة المملكة العربية السعودية يومها، خاصة بعد التسوية الرئاسية، وكانت السبب في تردي علاقاتها مع حليفها الأول الرئيس سعد الحريري، الذي وصل الى حد “إحتجازه” في الرياض عام 2017، وبعدها الى حد التخلي عنه وعن تياره السياسي ومن وراءه سُنة لبنان، والتسبب بإفلاس درة العقد في شركاته “سعودي أوجيه” ما دفعه إلى تصفيتها، الأمر الذي ألحق الضرر بآلاف الموظفين والعمال من لبنانيين وأجانب، عقاباً له على هذه السياسة التي بغض النظر عن رأي كل منا فيها، إلا أنها يحسب لها أنها حمت لبنان ولو أمنياً، من الإنزلاق إلى أتون فتنة داخلية كان يمكن لها أن تتطور إلى صراعات غير متكافئة، كما حصل في بقية العواصم العربية التي أعلنت طهران متباهية سيطرتها عليها، ولو أنها أغرقته بما هو عليه اليوم من مصاعب ومشاكل بسبب تسليم البلد إلى تحالفي “مار مخايل” و “إتفاق معراب”، الذي أوصل الرئيس ميشال عون إلى سدة الرئاسة الأولى .


معلوم أن سياسة “ربط النزاع” هذه بدأها الرئيس سعد الحريري في العام 2014، عقب سقوط حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، وأسفرت عن الإتفاق على تشكيل حكومة إئتلافية برئاسة تمام سلام، على مشارف إنتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان، بحيث تولت هذه الحكومة إدارة البلد في ظل الفراغ الرئاسي، الذي تسبب به حزب الله على قاعدة “عون أو لا أحد”، وصلت حد رفضه تبني ترشيح سليمان فرنجية – “مع ان عون عين وسليمان عين” – كما أعلن يومها الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله، وهو الذي طرحه الرئيس سعد الحريري من ضمن سياسة “ربط النزاع”، التي أسفرت عن حوار في عين التينة برعاية الرئيس نبيه بري بين تيار المستقبل وحزب الله، وكان من أركانه الوزير نهاد المشنوق الذي إنفصل عن التيار بعد خروجه من وزارة الداخلية، والذي يحاول منذ ذلك اليوم أن يزايد على سعد الحريري وباتت معارضته له سياسيا وإعلاميا هي “أساس” حركته السياسية التي توَّجها قبل أيام، بإعلانه تأسيس “حركة الإستقلال الثالث” لمواجهة حزب الله وإيران، بشكل يصح معه القول في ظل التطورات الإقليمية ومحادثات فيينا وغيرها – يطعمك الحجة والناس راجعة – والذي تروج أوساطه اليوم بأن إستبعاد سعد الحريري كرئيس مكلف، سيكون على طاولة البحث أثناء زيارة الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون المقبلة للسعودية.

إستبعاد سعد الحريري كرئيس مكلف، سيكون على طاولة البحث أثناء زيارة الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون المقبلة للسعودية


في تلك المرحلة كانت الأوضاع في المملكة العربية السعودية قد بدأت تتغير، بحيث صعد نجم محمد بن سلمان وأعلنت عاصفة الحزم ضد الحوثيين في اليمن، الأمر الذي وضع السعودية في مواجهة غير مباشرة ولكنها واضحة مع إيران.

السؤال عن مآلات الحوار السعودي – الإيراني منطقيا ومشروعا، لمعرفة مدى تأثيره على الوضع في المنطقة، وبخاصة لبنان

إنطلاقاً من هذه الأحداث الماضية يصبح السؤال عن مآلات الحوار السعودي – الإيراني منطقيا ومشروعا، لمعرفة مدى تأثيره على الوضع في المنطقة، وبخاصة لبنان الذي يتخبط على كل الأصعدة منذ إنهيار التسوية الرئاسية بين تيار المستقبل والتيار الوطني الحر، التي جاءت ثورة 17 تشرين لتسقطها بالضربة القاضية بعد أن كانت تترنح، خصوصا وأن زيارة رئيس الإستخبارات السعودية لدمشق أطلقت العنان للمخيلة السياسية لدى البعض – أو ربما هي تسريبات مقصودة – وبدأ الحديث عن “أضحية” ستكون قبل عيد الأضحى المقبل، وهم هنا يلمحون إلى الرئيس سعد الحريري، هذا الكلام الذي ترافق مع أنباء عن إحتمال إعتذار الرئيس الحريري عن تشكيل الحكومة، بدأ بتغريدة من وئام وهاب – وما أدراك مَن وئام وهاب – ثم بدأ بترديده ” ببغاوات ” التيار الوطني الحر، مع “رشة ” عطر سياسي بإتجاه الشيخ بهاء الحريري الشقيق “اللدود” للشيخ سعد منذ طرح إسمه بديلاً عنه، يوم “إحتجاز ” الأخير في السعودية، الأمر الذي لاقى يومها معارضة عائلية أولاً ومن تيار المستقبل ثانيا – وهنا للأمانة كان يومها تصريح مهم ولافت للوزير نهاد المشنوق بعدم الرضوخ لنظام البيعة – وكذلك معارضة وطنية لبنانية مدعومة بتدخل أوروبي قادته فرنسا وكذلك جهد أميركي أدى إلى “الإفراج ” عن الحريري ، ولكنه على ما يبدو ترك أثراً في نفس الشيخ بهاء، الذي بدأ ومَن وراءه يعد العدة لمقارعة شقيقه في عقر داره، فكان أن لجأ بداية لورقة اللواء أشرف ريفي الذي كان قد “تمرد” على تيار المستقبل قبلها بفترة، حين إستقال من وزارة العدل في حكومة الرئيس تمام سلام، بحجة الحكم الأولي الذي صدر يومها على الإرهابي ميشال سماحة، وقيل يومها أن خروجه من الوزارة إنما كان بسبب الصراع بينه وبين وزير الداخلية نهاد المشنوق، الذي كان ريفي يرى أنه أحق منه بهذه الوزارة ، وعلى خلفية دور المشنوق في عملية “ربط النزاع ” مع حزب الله ، فشل الرهان على ريفي خاصة بعد تجربته البلدية في طرابلس التي تقدم الصفوف بها، ومن ثم فشل بترجمة هذا الإنجاز سياسيا في الإنتخابات النيابية، التي وجدها فرصة لمصالحة سعد الحريري بمبادرة من الرئيس فؤاد السنيورة .


بعد ريفي حاول بهاء الحريري التحرك عبر منتديات قام بإنشائها المحامي نبيل الحلبي، الذي خرج أيضا من عباءة سعد الحريري بعد أن كان قد “تنازل ” عن ترشحه في الإنتخابات النيابية الأخيرة، لصالح لائحة المستقبل دون إبداء الأسباب في الحالتين، إلا في الكلام بشكل عام. هذه التحركات زادت من تفكك المجتمع السياسي السني، خاصة وأن صدامات حصلت بين أنصار المستقبل والمنتديات المحسوبة على بهاء، في ذكرى إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وعلى ضريحه، ما أثار موجة عارمة من الإستياء في الشارع السني والوطني عموما. فشل الرهان الثاني على المنتديات وحدث الإنفصال ، ويقال أن السبب هو خلاف بين المحامي الحلبي رئيس المنتديات وجيري ماهر المستشار الإعلامي لبهاء الحريري وهو شخص مثير للجدل وقريب من الدوائر السعودية والإماراتية ومناصر للتطبيع بين العرب و” إسرائيل “، بينما الحلبي كما يقال يجد نفسه أقرب إلى تركيا حيث أقام فيها فترة من الزمن العام الماضي، خاصة وأنه بدأ مناصرا للثورة السورية ومتخصصا بمتابعة شؤون اللاجئين السوريين والدفاع عن مصالحهم، وطبعا لعب العامل الشخصي هنا وعدم وجود كيمياء بين الحلبي وماهر على ما يبدو دوراً، في “إنفراط الحلف” بينهما .

مع إندلاع ثورة 17 تشرين إتخذ بهاء الحريري موقفا مساندا لها، وحاول كغيره من الأحزاب والسياسيين “ركوب” موجتها، لمحاولة الإطلالة على الناس وكسب التعاطف عبر الإطلالات الإعلامية والتغريدات الداعمة، مدعوما بإطلاقه منصة “صوت بيروت إنترناشيونال” التي أوكل رئاستها لمستشاره الأثير جيري ماهر، وقد نجحت المنصة بإستقطاب عدد كبير من الإعلاميين إلى فريقها، من ضمنهم عدد لا يستهان به من الذين كانوا يعملون في وسائل إعلام تيار المستقبل، ساعدها في ذلك الوضع الإقتصادي والمعيشي الصعب، الذي يعيشه الإعلاميون كما غالبية أفراد الشعب، جراء إنهيار سعر صرف الليرة أمام الدولار، ما أثر على أوضاع وسائل الإعلام اللبنانية التي هي في الأصل في وضع لا تحسد عليه.

هل يكون إطلاق مشروع بهاء الحريري السياسي إذا حصل، من ضمن التحرك السعودي الجديد بإتجاه لبنان وسوريا كما يتمناه على الأقل جماعة العهد بدافع من رفضهم لسعد الحريري؟


اليوم هناك حديث متجدد عن نية بهاء الحريري إطلاق مشروعه السياسي قريبا، فهل يكون إطلاق هذا المشروع إذا حصل، من ضمن التحرك السعودي الجديد بإتجاه لبنان وسوريا كما يتمناه على الأقل جماعة العهد بدافع من رفضهم لسعد الحريري؟ وإذا حصل ماذا سيكون موقف حزب الله وهو المعني الأول بأي تفاهم، قد يتم بين السعودية وإيران وبينها وبين سوريا؟ وهل إطلاق نهاد المشنوق مشروعه هو الآخر وهو المعروف بقربه من مصر، قد يكون طرحا إستباقيا لمشروع بهاء الحريري؟

ما يقال بأن جزء من هذه العرقلة الحكومية هو من السعودية بسبب رفضها لسعد الحريري، وهو ما قد يكون صحيحا في ظل غياب للتواصل بين الحريري والمملكة

تساؤلات كثيرة تطرح خاصة مع عرقلة تشكيل الحكومة، وما يقال بأن جزء من هذه العرقلة هو من السعودية بسبب رفضها لسعد الحريري، وهو ما قد يكون صحيحا في جزء منه في ظل غياب ملحوظ للتواصل بين الرئيس الحريري والجانب السعودي، الذي يبدو وكأن الجانب الإماراتي قد حل مكانه مرحليا. قد تكون هذه التساؤلات سابقة لأوانها، ولكن التطورات توحي كما يبدو، بأن الصراع القادم جراء التحركات السعودية، سيكون على الساحة السنية التي لم يزل سعد الحريري، رغم كل الحروب التي شنت وتشن عليه سواء من خصومه السياسيين أو من “حلفائه” السابقين الذين كانوا أشد عليه من خصومه، أو من أهل بيته العائلي والسياسي، لا يزال يمثل الرقم الصعب في المعادلة السنية والوطنية، وهذا ما يجب أن تفهمه وتعمل عليه القيادة السعودية، فالوضع لم يعد يتسع للتجارب والمغامرات غير المحسوبة، خاصة وقد أثبتت الأيام والتحركات الحالية صحة نظرته الواقعية للأمور في تبنيه لسياسة “ربط النزاع”، في ظل غياب أي بديل آخر يجنب لبنان بشكل عام وبيئته بشكل خاص، شرور المواجهات والحروب التي إمتدت في السنوات الماضية من سوريا إلى العراق إلى اليمن والسعودية، وهو ما تسعى إليه اليوم المملكة في حراكها الديبلوماسي، وقد نال لبنان منها نصيبه على أية حال، من تفجيرات وحوادث أمنية قامت بها داعش وغيرها من المنظمات الإجرامية، ولن ننسى شهداء الجيش اللبناني الذين إختطفتهم داعش من عرسال، وقتلتهم مع غيرهم من الشهداء، بغض النظر عما يطرحه البعض من مبررات ومسببات لهذه الأحداث، وكان لسعد الحريري دور جبار في الحفاظ على الإستقرار، وإنهاء هذه الظواهر الشاذة عبر تفهمه للظروف وتفاهمه مع بقية الأطراف في البلد، الذي كلفه سياسيا وشعبيا الكثير، بسبب من عدم إستجابة هذه الأطراف ووفائها بتعهداتها لإبعاد الضرر عن البلد، وهي إستجابة لم تكن على المستوى المطلوب، لإرتباط بعضها بأجندات إقليمية ومشاريع إيديولوجية، وبعضها الآخر بطموحاته السلطوية وهو ما أوصل البلد إلى الإنهيار الحالي.

الرهان على تسوية في المنطقة بين السعودية وإيران، هو رهان غير مضمون وصعب


في المحصلة نقول بأن الرهان على تسوية في المنطقة بين السعودية وإيران، هو رهان غير مضمون وصعب، خاصة وأنه بإستثناء تغير الإدارة الأميركية – وهذا بحد ذاته تطور كبير – لم يستجد سياسيا أو ميدانيا ما يجعل الطرفان في حالة وئام بعد الخصام الذي وصل حد العداوة ، وفي ظل موازين القوى الراهن سواء في اليمن أو سوريا، يضاف إليها الآن الوضع المستجد في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والحرب القائمة بين إسرائيل وحركات المقاومة الفلسطينية التي إتخذت منحى غير مسبوق، من حيث وصول الصواريخ إلى تل أبيب ومنصات الغاز ومطار بن غوريون، في تطور لافت وخطير قد يكون من تضرر من محادثات فيينا أو الذين يحاولون تحسين وضعهم فيها وفي غيرها من المحادثات في المنطقة، قد إفتعلوها أو يستغلونها لتحسين شروط كل منهم، والتي قد تتطور في أي لحظة ويفلت زمامها جراء أي خطأ غير محسوب، لذلك فإن أقصى ما يمكن توقعه هو “ربط نزاع” بين السعودية وإيران، خاصة وأن الطرف الإيراني من خلال التجارب السابقة، هو طرف مراوغ وخبيث وصاحب مشروع في المنطقة لن يتراجع عنه بسهولة، في المقابل فإن السعودية تعتبر اليوم بعد خروج دونالد ترامب من البيت الأبيض ومجيء جو بايدن، هي الطرف الأضعف خاصة مع إستمرار حرب اليمن، التي لم تتمكن من حسمها في عز تحالفاتها الإقليمية والدولية، فكيف والحال اليوم قد تغير مع إدارة بايدن التي تلوح بين الفينة والأخرى، بقضية الصحافي جمال خاشقجي وحقوق الإنسان في المملكة للإبتزاز السياسي، في الوقت الذي تفاوض فيه إيران في فيينا على الملف النووي فقط، وكأن حقوق الإنسان في إيران بألف خير.

الرهان على المتغيرات الخارجية لدى بعض الأطراف اللبنانية ليس في مكانه لأن لا شيء ثابتا، ولأننا الحلقة الأضعف في المنطقة


لذلك نقول بأن الرهان على المتغيرات الخارجية لدى بعض الأطراف اللبنانية ليس في مكانه لأن لا شيء ثابتا، ولأننا الحلقة الأضعف للأسف في المنطقة ونحن من يدفع الثمن، سواء إختلفت الأطراف الخارجية يكون خلافها وبالا علينا، أو إتفقت سيكون إتفاقها أيضا لفرض سلطة معينة علينا، من المؤكد أنها لن تكون في مصلحتنا، كما حصل في المرات السابقة من تحاصص وحلول مؤقتة، تحمل في طياتها أسباب وعوامل تفجيرها متى عادت هذه الأطراف الخارجية للإختلاف ، ولنا في تاريخنا المعاصر على الأقل عبر ودروس كثيرة .

السابق
الاف المقدسيين يصلون في المسجد الأقصى.. واشتباكات بعد اعتداء قوات الاحتلال على المُصلين!
التالي
الجميل يحتدّ: لبنان ليس منصة صواريخ لفصائل فلسطينية