لبنان الحرية ليس «جائزة ترضية»!

لبنان


يحتاج التّعاطي مع الشأن اللبناني إلى كثير من الصبر والمثابرة. فالشعب اللبناني ضحيّة ظروف بدّلت كثيرا في نمط تفكيره، وأخضعته لمزيج نادر من القيادات التي تدير شؤونه، فتشعّبت كثيرا دائرة المصالح وأصحاب المصالح، في كلّ الميادين.

هذا الواقع، جعل البحث في الحلول لمشاكل لبنان متشعّبا جدا، ويخضع لأولويّات مختلفة، بين قيادة ومجموعة مصالح تابعة لها، وأخرى.

اقرأ أيضاً: حارث سليمان يكتب لـ«جنوبية»: هل تقوى فرنسا على انجاح مبادرتها واستكمالها؟

لا حاجة لتكرار وصف الواقع اللبناني. لقد شرحنا ذلك مرارا، وقلنا أن اللبنانيين جميعا هم في المحصّلة، ضحايا. عدوّهم واحد، لكنه يختبئ خلف أكوام من المشاكل التفصيليّة، أغرقتهم في جدل عقيم، وأنستهم عدوّهم الحقيقي والأول.عدوّنا ليس فقط إسرائيل والصهيونية، كما يريد أن يقنعنا حزب إيران ومن معه، بل هو كلّ من جعل لبنان ساحة له من أجل تحقيق مصالحه في هذه المنطقة وخارجها، حتّى الفلسطيني الذي رأى ان تحرير القدس يمرّ عبر جونيه.

اللبنانيون جميعا هم في المحصّلة، ضحايا. عدوّهم واحد، لكنه يختبئ خلف أكوام من المشاكل التفصيليّة

عدوّنا الحقيقي هو ضميرنا الوطني الموحّد المفقود، الذي بفقدانه فقدنا سيادتنا واستقلالنا وحرّيتنا وقدرتنا على اتّخاذ القرار الوطني الخاص بنا.

 عندما عرضنا في بدايات ثورة 17 تشرين 2019، لحلول إسترتيجيّة كنّا رأينا أنّها ضروريّة للخروج من الحالة القائمة، مثال “مواجهة سلاح حزب إيران، واعتماد الحياد في علاقاتنا مع صراعات القوى الإقليميّة والدوليّة”، واجهنا مجموعات مختلفة من الثّوار، تهيّبت مثل هذا الحديث، وأصرّت أن تصمّ أذانها عن قوّة المنطق في كلامنا، بحجّة وأخرى، وانصرفت إلى معالجة ظواهر المشكلة. ضميرها الوطني ليس مفقودا، لكن ليس لديها صيغة موحّدة تعرّف معنى هذا الضمير. فثقافة الإستسلام التي ترعرت في نفوس اللبنانيين، قادة ومواطنين، بسبب ضعف حيلتهم في مواجهة المصالح الخارجيّة، جعلت القادة يستريحون على اكتاف حلفائهم في الخارج، ليصنعوا القرارات بدل عنهم، وتوزّعوا الأدوار بينهم بحسب الإنتماءات الطائفية. أما المواطن، فقد استراح على أكتاف قاداته، راميا بصناعة هذا القرار عليهم، مطمئنّا إلى ادّعائهم بأنّ الحريّة لا تقوم إلّا في إطار النسيج الطائفي لكلّ منهم. 

عدوّنا الحقيقي هو ضميرنا الوطني الموحّد المفقود

  كنت من المؤمنين، بسبب علاقاتي ومعاصرتي للأحداث الدوليّة، أنّ لبنان سيخرج كطائر الفينيق من بين الرّماد، وسيعود عاجلا أم آجلا درّة الشرق. لبنان يحظى بمظلّة دوليّة تؤمن بتاريخه وبدوره الثقافي، وتريد تحييده عن التطوّرات الجارية في الدّول حوله. لبنان هو الوطن الذي سادت من خلاله الثفافة الغربيّة في المجتمعات العربيّة. وهو رمز الحضور المسيحي الفاعل في الشرق. لذلك كلّه كنت أتوقّع تماما التطورات الجارية بعد أن حسم الوضع في سوريا تقريبا. القيادات اللبنانيّة التي لا تقرأ، أولا تريد أن تقرأ، تعلم أنها ستكون على المقصلة سريعا. لكن ما بال الثورة التي قامت على شعار “كلّن يعني كلّن”، لماذا لا ترغب أن تسمع؟ لأنّ الثورة وضجيجها المتّصل بظاهر الحال، أدّى إلى بزوغ قيادات ميدانيّة كالفطر، وجدت احتضانا لها من الأحزاب وإعلامها، فتضاعفت المعوقات والصعوبات.

تكرّس إيماني اكثر بمستقبل لبنان الباهر عندما أعلن غبطة البطريرك مطلبه بحياد لبنان. حينها تأكّدت أنّ الخارج الذي صنع الأحداث في لبنان، بدأ يعرض المخارج. وجاء تفجير المرفأ في 4 آب 2020، فسارعت إلى نهج جديد في العمل للوصول إلى عقل المواطن. لاقاني عدد من الطيبين المؤمنين مثلي بلبنان، فسعينا معا إلى  إبراز حقوق الإنسان اللبناني الوطنيّة وفقا للقانون الدولي، ولقرارات الشرعيّة الدوليّة. هالنا أنّ اللبنانيين على مختلف شرائحهم ومواقعهم، كانوا يجهلون هذه الحقوق. كما فوجئنا بأنه رغم جهودنا، فإن الكثيرين منهم رفضوا صيغة اللّجوء إلى الأمم المتّحدة للمطالبة بهذه الحقوق. مرّة أخرى تأكدت رؤيتنا التفاؤلية بشأن مستقبل لبنان، إذ خرج غبطته مجدّدا، مطالبا هذه المرّة، إضافة إلى حياد لبنان، بمؤتمر دوليّ برعاية الأمم المتّحدة. لم يحصل المؤتمر بعد.

تكرّس إيماني اكثر بمستقبل لبنان الباهر عندما أعلن غبطة البطريرك مطلبه بحياد لبنان

كان واضحا لنا أن تدخل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ومسعاه لإقامة حكومة تسوية من جديد، كانتا السّبب. لذلك لم نسمح لليأس أن يغلبنا وتريّثنا، مع قناعتنا الكاملة التي عبّرنا عنها مرارا، بأنه سيفشل. فمصالح الأطراف الخارجيّة الممثّلة بأطراف السّلطة في لبنان، لا تحتمل تسوية أخرى. أما الآن، وبعد زيارة وزير خارجيّته جان إيف لودريان الأخيرة، وفشله الكامل في تحقيق اختراق بهذا الصدد، سمعنا غبطته يطالب بالإسراع إلى عقد هذا المؤتمر. المؤتمر الدولي قادم، لا شك بذلك. لبنان سينهي العذابات التي جلبتها إيران وليّ الفقيه إلى هذا الشرق، و لبنان الحرية والثورة لن يكون جائزة ترضية لأحد

السابق
ايران تكشف عن استعداد «حزب الله» لشن عمليات ضد اسرائيل.. ينتظر اشارة من هذه الجهة!
التالي
وجيه قانصو يكتب لـ«جنوبية»: السعودية.. من دولة الشريعة إلى شريعة الدولة