«الجنرال».. غادة عون؟!

غادة عون
لا يمكن النظر الى «تمرد» القاضية غادة عون، الّا انه بداية إنقلاب رسمي وفاضح على مفهوم الدولة بإسم حقوق المودعين، وبإسم الإصلاح والتغيير.

أعادت صورة القاضية غادة عون، وهي تمسك بالميكروفون وتخاطب الجماهير  إبان “غزوة عوكر” ضد شركة مكتف، الذاكرة الى  صورة “الجنرال” ميشال عون، وهو يخاطب الجماهير حاملاً الميكروفون أيضاً في قصر “الشعب”  في بعبدا إبان عصيانه وعشية 13 تشرين أول من العام 1990 . 

اقرأ أيضاً: «إنقلاب برتقالي» للقبض على الدولة..بعد القضاء عون «يُعنّف» الأمن!

التاريخ يعيد نفسه

 المشهد سوريالي بالفعل، وغير مفهوم ومحيِّر، هل هو تماهي القاضية عون مع شخصية “الجنرال”، أم هو إعادة إجترار للتاريخ من قبل نفس العقلية، ولكن بوجه آخر وكيل ما دام الأصيل متربعا على سدة “المسؤولية”، التي لا تتيح له ولو من باب “البرستيج” أن يقوم بنفس الفعل؟ أم هو ربما توطئة وإيذان بفتح معركة رئاسة الجمهورية بمرشح وحيد لا شريك له، كما كان الحال أواخر ثمانينات القرن الماضي، بنفس الأساليب والتصرفات رغم مرور 30 عام على تلك الأحداث ؟

هل هو تماهي القاضية عون مع شخصية “الجنرال”، أم هو إعادة إجترار للتاريخ من قبل نفس العقلية، ولكن بوجه آخر؟

بغض النظر عن دوافع وأهداف هذه العراضات، إلا أن المؤكد و بحسب السوابق، وبنتيجة الممارسات في الحياة السياسية اللبنانية، يمكن القول و بلا تردد، بأن القاضية عون لا يمكن أن “تصدع” من رأسها، وما كانت لتتصرف بهذه الطريقة “الثورية”، التي أقل ما يقال فيها بأنها “غير قانونية”، وعلى طريقة آية الله خلخالي في إيران في ثمانينات القرن الماضي، لولا تلقيها الضوء الأخضر، وتمتعها بغطاء سياسي ورسمي كبير، لدرجة أنها إستعملت هذه التغطية ل “تشجيع” أحد الضباط بقولها له، “تعا وأنا بغطيك”، خاصة وأنها محاطة بما يسمى “الحرس القديم” التابع للتيار الوطني الحر، وهي تسمية لها مدلولاتها، كما أنه تم الحديث عن تهديد رئيس الجمهورية بإيفاد الحرس الجمهوري لحماية عون إذا ما تعرضت لأي ضغوط.

بداية إنقلاب رسمي

ومن هنا لا يمكن النظر إلى هذا التصرف و “التمرد” الذي قامت به القاضية عون، إلا أنه بداية إنقلاب رسمي وفاضح على مفهوم الدولة بإسم حقوق المودعين، وبإسم الإصلاح والتغيير، وعلى أنه إستعادة وإستمرارية لعقلية قادت لبنان إلى الخراب في بداية التسعينيات، حينما رفض العماد ميشال عون إتفاق الطائف، وقاد تمردا على الشرعية التي إنبثقت عنه بسبب إستبعاده من رئاسة الجمهورية ، ما أدى إلى مأساة دفع ثمنها أولاً الجيش اللبناني غاليا، من أرواح ضباطه وجنوده الذين قتلوا والذين لا يزال البعض منهم  حتى اليوم في السجون السورية، بينما كان “الجنرال” يومها في طريقه للسفارة الفرنسية، ولبنان الوطن ثانياً الذي شرعت أبوابه للوصاية السورية بدعم دولي، كمكافأة للنظام السوري عقب موافقته على الدخول في التحالف الدولي لتحرير  الكويت من براثن صدام حسين، ما سهل له القضاء على ” حليف صدام ” في بعبدا. 

بداية إنقلاب رسمي وفاضح على مفهوم الدولة بإسم حقوق المودعين، وبإسم الإصلاح والتغيير

اليوم يبدو أن التيار الوطني الحر بقيادة جبران باسيل وطبعا بمؤازرة من رئيس الجمهورية، يحاول إعادة التاريخ نفسه، رغم تغير الظروف والزمن، بحيث حلت اليوم المبادرة الفرنسية المدعومة عربيا وأميركيا ولو بالعلن على الأقل محل إتفاق الطائف، وحل جبران باسيل ولو من خلف الستار محل ميشال عون في “قتاله” من أجل رئاسة الجمهورية، اما الوصي هذه المرة فهو حزب الله الذي تخوض مرجعيته إيران مفاوضات مع أميركا، لإعادة إحياء الملف النووي مع ما يعنيه هذا من دفع أثمان سياسية في المنطقة ومن ضمنها لبنان. كل هذه التطورات تدفع للسؤال هل يعيد التاريخ يعيد نفسه هذه المرة ولكن على شكل مهزلة، كالتي تقوم بها القاضية عون بالنيابة عن فريقها السياسي، الفرق هذه المرة أن الشعب اللبناني دفع سلفا ثمن هذه المهزلة التي لا نبرئ منها بقية أطراف السلطة، دفعها من أمواله المنهوبة وحياته وإستقراره وكرامته، بحيث بتنا هذا الشعب الذي يعيش على التسول والمساعدات بغرض العيش فقط، وليس بدافع التنمية والتقدم، وبتنا دولة فاشلة بكل المقاييس ومجتمعا ضعيفا تسوده   بعض “القيم” الجديدة الغريبة و البعيدة كل البعد، عما كان لبنان يسمى في احد الأيام ” سويسرا الشرق ” من حيث الإزدهار والسلوك المتحضر والطموح النزيه والمشروع.
كل هذا لأننا أبتلينا بسياسيين وزعماء ورعايا أحزاب “رعاع” لا يرون في السياسة والزعامة، سوى نوع من التشبيح والبلطجة والتنمر على الغير، بإسم الدفاع عن حقوق الطائفة والمذهب، وما هي في الحقيقة سوى للدفاع عن الزعيم وعائلته ولا تصل حتى للدفاع عن “الحزب”، الذي بات من ممتلكات العائلة الحاكمة في كل طائفة، شأنه شأن بقية المؤسسات الدينية والوطنية المحسوبة على الطائفة.

التيار الوطني الحر بقيادة باسيل وطبعا بمؤازرة من عون، يحاول إعادة التاريخ نفسه، رغم تغير الظروف والزمن 

هذه التطورات الأخيرة خاصة مع إنضمام البعض ممن يطرحون أنفسهم، بأنهم جزء من ثورة 17 تشرين إلى جانب القاضية عون في ” غزوة عوكر”، جعل من شعار “كلن يعني كلن” غير ذي معنى، ليس بمعنى تبرئة أحد من الطبقة السياسية الفاسدة، ولكن بمعنى مراجعة الأولويات وترتيبها، فما يقوم به التيار الوطني الحر وفريق رئيس الجمهورية السياسي والإستشاري،  من تصرفات إستفزازية وغير مسبوقة ولا لائقة بحق مقام رئاسة الحكومة، بسبب من خلافهم مع الرئيس سعد الحريري ، الأمر الذي أدى ويؤدي إلى تعطيل الحياة السياسية والوطنية في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها الوطن والناس، إن دل على شيء، فإنما يدل على غياب أدنى حس بالمسؤولية الوطنية والإنسانية والأخلاقية لدى هذا الفريق، بما لا يقاس بما فعله ويفعله بقية الأفرقاء على الساحة، مهما بلغت أفعالهم من سوء.
وهنا يجب أن لا ننسى حليفه وداعمه الأساسي حزب الله، الذي وإن كان ربما لا يحرضه على هذه التصرفات – إذا إفترضنا حسن النية – إلا أنه وبلا شك مرتاح لهذا المسار والتعطيل، بإنتظار تبيان الخيط الأبيض من الخيط الأسود، في محادثات فيينا بين أميركا وإيران ليبني على الشيء مقتضاه.

بات من الواجب إعادة النظر بالأولويات، بحيث يجب أن تكون مواجهة هذا العهد وداعميه، هي الأولوية على ما عداها


من هنا ايضا، بات من الواجب إعادة النظر بالأولويات، بحيث يجب أن تكون مواجهة هذا العهد وداعميه، هي الأولوية على ما عداها في الوقت الحاضر، حتى نحافظ على الحد الأدنى من مقومات الدولة حتى يبقى لنا على الأقل ما يمكن إصلاحه، إذ ماذا ينفع الشعب إذا ” ربح ” الثورة – على فرض الربح – وخسر البلد والدولة والمؤسسات، بفعل التصرفات العشوائية والهزلية للعهد وأتباعه و ” دراويشه” .   

يبقى أن نقول أنه إذا كان التاريخ يعيد نفسه مرة على شكل مأساة وأخرى على شكل مهزلة كما قال كارل ماركس، فإنه سيذكر أيضاً أنه في الحالة اللبنانية، كانت المأساة في المرة الأولى والمهزلة في المرة الثانية هي من صنع شخص واحد وقد يكون هذا الأمر هو  “إنجازه” الوحيد . 

       

السابق
الفرزلي يكشف عن مخططات تدميرية وراءها باسيل!
التالي
السيد محمد حسن الأمين.. حين تغيب «لؤلؤة» العقل والأدب والفكر