حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: الكاظمي في «حضن» السعودية تحت «العين» الايرانية!

حسن فحص
يخص الصحافي المتخصص في الشؤون الإيرانية والعراقية حسن فحص "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

لا شك ان الدوائر الايرانية تابعت بكل اهتمام التواصل القائم على خط الرياض – بغداد، منذ الاتصال الذي جرى بين الملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز مع رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي يوم 25 آذار/ مارس، ودعوة الاخير لزيارة السعودية والحوار مع ولي العهد الامير محمد بن سلمان، وصولا الى الزيارة التي قام بها يوم 31 آذار، اي بعد اقل من اسبوع من الاتصال الملكي، مرورا بالقمة السابقة التي جرت في العاصمة الاردنية، بين الكاظمي والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي والملك الاردني عبدالله بن الحسين في 30 آب/ اغسطس 2020، بعد عودة الكاظمي من زيارته للعاصمة الامريكية واشنطن والاجتماع الذي عقده مع الرئيس السابق دونالد ترمب، وما خرجت به هذه القمة الثلاثية من جهود لبناء تحالف مشرقي جديد اقتصادي وسياسي وامني وتعزيز العاون المشترك.

إقرأ أيضاً: حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: طهران تتفاءل بـ«النووي».. ولا تجده!

الحراك الذي يقوم به الكاظمي، يأتي حسب القراءة الايرانية، في اطار الجهود التي يبذلها رئيس الوزراء العراقي لبناء علاقات بين العراق والدول العربية في المنطقة

وزيارة الكاظمي تأتي بعد زيارة قام بها العاهل الاردني الى السعودية، وبعد الاعلان عن تأجيل القمة الثلاثية الثانية بين قادة الدول االثلاثة في تحالف المشرق الجديد، الذي يتم التخطيط له والتي كان من المفترض ان تعقد يوم 27 آّذار 2021 في العاصمة العراقية بغداد، قبل ان يعلن الكاظمي تأجيلها بعد حادث تصادم القطارين في سوهاج المصرية في الظاهر.

الحراك الذي يقوم به الكاظمي، خصوصا مع تزايد الحديث عن صعوبة اجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة التي حددها بتاريخ 10/10/2021، يأتي حسب القراءة الايرانية، في اطار الجهود التي يبذلها رئيس الوزراء العراقي لبناء علاقات بين العراق والدول العربية في المنطقة، واستكمالا لما بدأه في القمة الثلاثية مع الرئيس السيسي والملك عبدالله، واعتقادة بضرورة عودة العراق الى محيطه العربي واستعادة دوره الفاعل والمحوري بين الدول العربية والقضايا المشتركة.

اللاعب الإيراني في العراق

وينظر اللاعب الايراني الى الساحة العراقية ساحة مفتوحة، على مجالات صراع النفوذ و المشاريع الاستراتيجية مع واشنطن من جهة، والطموحات الاقليمية وما تشكله السعودية من تحد لهذا الدور والنفوذ من جهة اخرى، لذلك فان اي نتائج ايجابية على صعيد تعزيز العلاقة بين بغداد والرياض، خاصة في المجالات السياسية والامنية والتعاون الاقليمي وتفعيل التعاون الاقتصادي في مجال الاستثمارات والطاقة والكهرباء، تعتبره طهران استهدافا مباشرا الى حد ما لموقع ودورها واستثمارها على الساحة العراقية، قد يؤثر سلبا على موازين الصراع الذي تخوضه ضد الوجود الامريكي في منطقة غرب آسيا، وتراجعا امام التقدم السعودي ومساعيه لاستعادة دوره وموقعه على الساحة العراقية، وامكانية لعب دور الحاضن والعمق العربي للعراق في المرحلة المقبلة على حساب الاستئثار والتفرد الايراني، خصوصا وان القيادة الايرانية عامة، وتلك التي تتعامل مباشرة مع الساحة العراقية وفصائلها ومكوناتها العرقية والمذهبية والطائفية، تدرك جيدا انها لم تعد قادرة على توظيف “السحر المذهبي” والعامل الايديولوجي في تحشيد الشارع العراقي، وجره الى دعم مواقفها او الدفاع عن مصالحها، وان الجماعات التي قد تكون على استعداد للقيام بهذه المهمة، لم تعد تتمتع بالتأييد الشعبي والنفوذ الذي يسمح لها بتغيير المعادلات والمواقف، على الاقل لمنع المنافسين والخصوم من تعزيز نفوذهم او حضورهم على هذه الساحة.

من دون ان يعني ذلك ان تترجم حالة الابتعاد العاطفي والسياسي عن ايران وما تمثله من بعد ايديولوجي – مذهبي، نموا وتقدما لدى الكثير من هذه الجماعات، لصالح حالة او مفاهيم ذات اهداف تصب في اطار مشروع وطني، لان هذا الابتعاد يقوم على حالة الرفض او العداء من دون رؤية واضحة تشكل بديلا عراقيا، قادرا على بلورة مشروع يبتعد عن اي استقطاب سوى الوطني، يوظف العامل الخارجي – الدولي والعربي والاقليمي الى جانب العامل الداخلي، يضع حدا لغياب موقف سياسي موحد في النظرة الى ازمة العراق وتوزع الولاءات فيه، ليصب في اطار تعزيز منجز وطني جامع لاعادة بناء الدولة ومؤسساتها.

تتخوف القيادة الايرانية ان يستغل الكاظمي، الانفتاح الذي يقوده باتجاه الدول العربية

وتتخوف القيادة الايرانية ان يستغل الكاظمي، الانفتاح الذي يقوده باتجاه الدول العربية، انطلاقا من مفهوم العودة بالعراق الى الحضن والعمق العربي، كسلاح يرفعه لمواجهة طموحاتها الاقليمية ومشروعها في المنطقة، لذلك من المتوقع ان تكون طهران امام مأزق حقيقي في التعامل مع هذا المستجد العراقي – العربي خصوصا السعودي. فاذا ما سمحت بحصول انفتاح على المستوى الاقتصادي وتدفق الاستثمارات السعودية والعربية على العراق، وتوظيفها لاحداث حركة تنمية اقتصادية حقيقية، ما يعني اعترافها والقبول بالتهم التي توجه لها، وانها ساهمت في ضرب البنية الاقتصادية للعراق ما بعد عام 2003، وحولت العراق الى حديقة خلفية للالتفاف على العقوبات الدولية من دون الاخذ بعين الاعتبار المصالح العراقية، فضلا عن دعمها لجماعات وفصائل وقوى مارست اعلى درجات الفساد والمحاصصة والنهب المنظم لموارد وثروات العراق المالية والاقتصادية .

تخوّف إيراني من الإنفتاح السياسي في العراق

وعلى المقلب الاخر، اذا ما سمحت للكاظمي وحكومته في استثمار هذا الانفتاح في المستوى السياسي، فانها بالتالي تكون قد فتحت الباب امام شراكة لا ترغب بها مع السعودية، واعتراف بدور الرياض المؤثر على هذه الساحة، وهذا الامر سيؤدي في نتائجه الى خسارة هذه الساحة او على الاقل تراجع قبضتها على العراق، الامر الذي يضعف موقفها ليس في العراق وحسب، بل على مستوى الاقليم وفي جميع الملفات التي تمسك بها في المنطقة، ما يعني انها ومع اي تنازل في العراق، ستكون مجبرة على تقديم تنازلات اخرى في ملفات اخرى، وهذا ما لا تسمح به ولا تريده.

ما بين المخاوف الايرانية والطموح العراقي الذي يقوده الكاظمي يبقى الخوف من ان يتحول العراق الى ساحة تجاذب بين طهران والرياض

ما بين المخاوف الايرانية من دخول شركاء اقليميين بشكل فاعل الى الساحة العراقية، وما بين التوجه والطموح العراقي الذي يقوده الكاظمي، ويلتقي مع رغبة عربية وسعودية بالعودة النشطة الى الساحة العراقية، يبقى الخوف من ان يتحول العراق الى ساحة تجاذب بين طهران والرياض، تجاذب مفتوح على كل الاحتمالات، ليس اقلها محاصرة الكاظمي الذي لم يجد بعد القدرة للخروج من اعباء التي انتجها اتفاق المحاصصة بين الفصائل والقوى السياسية، من مختلف المكونات العرقية والمذهبية والطائفية، الذي اوصله الى رئاسة الوزراء كمرحلة انتقالية ومؤقته بمهمة محددة، واجراء انتخابات مبكرة تبدو انها مستبعدة حتى الان.

السابق
قصص الإرهابيين في الدراما المصرية.. أدلجة سياسية ورسائل مبطنة
التالي
«الكورونا» يتسلل الى معراب: جعجع وحاصباني مُصابان بالفايروس.. ماذا عن ستريدا؟