حارث سليمان يكتب لـ«جنوبية»: صراحة واجبة الإعلان

حارث سليمان
يخص الناشط السياسي والأكاديمي الدكتور حارث سليمان "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

اخيرا اتفقت المنظومة السياسية على أن المشكلة هي عند الطائفة الشيعية، ولا دخل للباقين بما وصل اليه البلد من انهيار، وحتى “الثنائي الشيعي” يبدو  غير منزعج من هذه الخلاصة. فهذا يؤكد هيمنة هذا “الثنائي” على البلد وضرورة الاستجابة لمطالبه ومصالح إيران من خلفه، ضمن صفقة لم يحن اوانها.

  الا ان هؤلاء يتناسون ان الشيعة كناس ومواطنين، هم أكثر الجميع تضررا من عملية الافلاس النقدي والانهيار المالي. المهاجرون الشيعة جعلوا من لبنان خزنتهم، حيث اودعوا جنى العمر في المصارف اللبنانية.

 الشيعة والفلسطينيون هم الأكثر تضررا، إضافة إلى السوريين الذين هرّبوا أموالهم من سوريا بسبب الحرب الاهلية.

فكفى التعامل مع الطائفة الشيعية وكأنها الطائفة المنتصرة، والخلط بين القيادات الشيعية التي لها دور رائد، في الفساد والنهب وبين الطائفة التي نهبت أموالها ويُطارد  افرادها في مختلف الدول.

هذا ما اورده الصديق محمد فران على صفحته على احدى وسائل التواصل الاجتماعي وهو محق بذلك!  وانطلاقا من نصه، توسعت لكي استكمل هذه المقالة الى حيث تفضي!؟

آن الاوان للحراك ان يغادر المياومة السياسية عبر مشروع جدي لمواجهة المشروع الامبراطوري الايراني

وقد يكون “الثنائي الشيعي” المسؤول الأساسي عن حالة البلد، وهو مسؤول عن تردي العلاقة مع معظم الدول العربية والعالم الغربي، وقد يتحمل جزءا من مسؤولية انفجار المرفأ حيث على الاقل، تواطئ مع نظام الاسد في تسهيل توريد النيترات الى النظام السوري لاستعماله في البراميل المتفجرة، كما أستعمل هذا المرفأ كمستودع لوجستي ووسيلة لتصدير مكونات عسكرية وكيماوية او استيرادها.

 وقد يكون مسؤولا عن كوارث واهتراءات مخيفة في أجهزة الدولة. وهذه التهم لن تهزه ولن تسيء اليه، فتخزين  الذخائر والمتفجرات وتصديرها، ليست بتهمة أخطر من تصدير المقاتلين والصواريخ والمتفجرات إلى عدد من الدول العربية والعالمية.

ومأساة المرفأ على كارثيتها تظل اقل فداحة من تهجير واقتلاع ٦ ملايين سوري من بيوتهم، ومن المشاركة في مذبحة ذهب ضحيتها ٨٠٠ الف سوري قتلى.

ومن يتجاسر على المشاركة او على الاقل، تبرير قصف بيت الله الحرام في مكة وقبلة المسلمين جميعا، لن يشعر بحياء ووجل، من توجيه اتهامات التخوين لكل خصومه، أو حاملي مشاريع سياسة مناهضة لسياسته، حتى لو كان صاحب الصرح البطريركي نفسه.

ولكن هذا الواقع لم يكن له ان يحصل، لولا مشاركة الجميع في صنعه والتغطية عليه. فساد الطبقة السياسية ونذالتها وارتهانها هي التي مكنت هذا “الثنائي” من السيطرة على السلطة واختطاف شرعية دولتنا والتلاعب بها كرهينة او حقيبة مقايضة.

المقايضة بين الرئاسة والسلطة

فماذا نسمي اتفاق مار مخايل بين التيار الوطني الحر وحزب الله؟ غير مقايضة تقول” خذ الرئاسة واترك لنا قرارات السلطة ومفاتيح السيطرة على خياراتها؟ ثم ماذا يعني حيازة التيار العوني على نسبة اصوات تخطت ال٥٠% من المقترعين في المناطق المسيحية؟ خلال الانتخابات النيابية في دورتي ٢٠٠٥ و ٢٠٠٩ والنسبة الاولى على الساحة المسيحية في انتخابات ٢٠١٨!؟ غير ان هذا الخيار الذي ارسل لبنان وشعبه الى اتون جهنم، كان خيارا جماهيريا وشعبيا، ليس في الساحة الشيعية فحسب، بل في الساحة المسيحية!!.

المهاجرون الشيعة هم أكثر الجميع تضررا من عملية الافلاس اذ جعلوا من لبنان خزنتهم واودعوا جنى العمر في المصارف

وماذا يعني قانون الانتخاب الارثوذكسي الذي لم يجرؤ اي حزب مسيحي رئيسي على معارضته، رغم انه قانون فصل عنصري وفدرالي المضمون؟! ويخالف نص وروح الدستور بصيغتيه قبل اتفاق الطائف وبعده!؟

 ماذا يعني قانون الانتخابات النيابية الذي نسب الى المحامي جورج عدوان الذي اكتفى بزيادة حصة القوات ٦ نواب ليسلم الاكثرية النيابية لحزب الله وحلفائه!؟ 

ماذا يعني اتفاق معراب بين التيار العوني وحزب القوات اللبنانية، غير تقاسم الحصص بين الفريقين على حساب بقية القوى المسيحية؟

 وماذا يعني الاتفاق الرئاسي بين التيار العوني وتيار المستقبل سوى” خذ الرئاسة واعطنا رئاسة الوزراء؟”.

 هذا هو النظام السياسي وهذا هو العهد القوي، هو عهد قائم على المحاصصة والتفريط بالسيادة. أما بقية القوى فلم تكن الا ملتحقة درجة ثانية وثالثة بعربة الفساد؛ هي قوى تم ارضاؤها بوزارة هنا وموقع على الاملاك البحرية تم تحويله الى منتجع هناك، ومصالح نفطية هنالك، ومعمل ترابة في مكان رابع وكسارات تدمر البيئة في موقع خامس.
سطوة الثنائية الحزبية الشيعة باتت أزمة صنعتها الاطراف جميعها بجشعها وفسادها ووهن عزيمتها، فلا يجوز تبرئة احد من مسؤوليته، عن تنمية المشاكل حتى باتت كوارث، والشيعة العاديون هم الأكثر تضررا حتى ولو هتف بعض الجهلة  وبعض المنتفعون منهم، شيعة… شيعة بأعلى اصواتهم. 

سياسات حزب الله سدت على الشباب الشيعي كل ابواب الرزق والعمل واجازات السفر في الخارج

من مفارقات المأساة الحالية هجرة شباب لبنان وكفاءاته الى الخارج، وحدهم شباب الشيعة وكفاءاتهم لا يهاجرون، ليس لأن الازمة لا تطالهم، او لأن حزب الله وأمل يلبون احتياجاتهم ويحمونهم من الازمة وتداعياتها، بل لان سياسات حزب الله قد سدت عليهم كل ابواب الرزق والعمل واجازات السفر الى كل دول المعمورة. 

ترك المواطنون الشيعة خلال ٤٠ سنة تحت الفرامة الاسرائيلية ثم الفرامة السورية الاسدية وفرامة حزب الدعوة العراقية واخيرا فرامة ايران وولاية الفقيه، لم يهتم احد لا من العرب ولا من الاطراف الغربية واللبنانية الاخرى، بما يحصل من اعادة فك وتركيب عنفي للاجتماع السياسي الشيعي، في نهاية سبعينات القرن الماضي وصولا الى نهاية القرن، اليوم هناك استعصاء لبناني، نتيجته “ان لا قيامة ل لبنان بوجود سيطرة حزب الله على مفاصل الدولة”.

 الاستعصاء اللبناني هذا اصبح ممكنا وقائما كحقيقة، كنتيجة للاستعصاء الشيعي، وايجاد حل للاستعصاء اللبناني أصبح مشروطا بحل الاستعصاء الشيعي، وحل هذا الاخير مرهون بإعادة تكوين الاجتماع السياسي الشيعي،  عبر تغيير موازين القوى داخل الطائفة ذاتها، عبر جهد منسق يشترك فيه اضافة للنخب الشيعية والعائلات السياسية التقليدية والقوى المدنية في الواقع الشيعي، الاطراف اللبنانية الاخرى، اضافة الى دول عربية ودولية متموضعة في مواجهة تمدد النفوذ الايراني.

إقرأ أيضاً: حارث سليمان يكتب لـ«جنوبية»: سطوة النفوذ أضنى من الإحتلال

ببساطة ووضوح تغيير ميزان القوى داخل الطائفة الشيعية، لصالح خيار وطني لبناني مدني وديموقراطي، هي مهمة احرار الشيعة ونخبها المدنية وعائلاتها السياسية وشخصياتها الدينية المتنورة، لكنها ايضا مهمة وطنية لبنانية جامعة، كما هي شأن عربي بامتياز.

وتنبري اطراف عربية ولبنانية  لملامة المستقلين الشيعة و النخب المدنية لعدم قدرتهم على هزيمة ثنائية حزب الله_ حركة امل، وتظهر الملامات تلك في كل مفصل سياسي، تتبدى لهذه الاطراف خطورة الاستعصاء الشيعي على اوضاعهم، ويتفجر المأزق البنيوي في علاقتهم بالساحة الشيعية، الاستفاقة تلك موسمية متقطعة، سرعان ما ينسى اصحابها دعواتهم عند اول تسوية يبرمونها مع الثنائية،  يتبرمون حين يستفيقون، ويتناسون عندما يتوافقون فيستكينون!!، يريدون تفكيك سيطرة منظومة استثمر في بنائها امكانيات هائلة، ويستسهلون، دون نجاح، استحضار ساحر حذق، بقدرته ان  ينجز انقلابا خلال اسابيع قليلة او اشهر ضئيلة، وان يفكك بنية استوفى بناؤها اربعون سنة!! 
أما دول اوروبا وخاصة فرنسا، كما ظهر من خطاب الرئيس الفرنسي فهي اسيرة نظرة استشراقيه، لا ترى في الشيعة سوى صورة نمطية لعصبية طائفية ابدية الطبيعة والتكوين.

المشكلة في الساحة الشيعية، لم تولد يوم استفاق العرب والعالم وبقية الاطراف اللبنانية من سباتهم العميق، واكتشفوا ان لا حل للاستعصاء اللبناني الا بحل الاستعصاء الشيعي.

نظام الاسد هذا بشراكته مع طهران ادار حصار وتهميش القوى التقليدية الشيعية والبيوتات السياسية

فهذه الاستفاقة تأخرت  ٤٠ سنة كاملة، كانت خلالها ، مهمة ادارة واعادة تشكيل الاجتماع السياسي الشيعي مكلف بها نظام الاسد بغطاء عربي ودولي،  ونظام الاسد هذا بشراكته مع طهران ،  ادار حصار وتهميش القوى التقليدية الشيعية والبيوتات السياسية، وارتكب مجزرة متمادية، تم فيها عبر سنوات اختطاف الطائفة الشيعية وتطويعها،  عبر تصفية الاف الكوادر الشيعية  والديموقراطية، الذين كانوا يشكلون نخبة الاتجاه الوطني التحرري في الساحة الشيعية واللبنانية وتم قتلهم، تارة بحجة يساريتهم واخرى بحجة بعثيتهم او قوميتهم، او مناصرتهم  لفلسطين وفصائلها.
كما يتجاهل هؤلاء تقاسم جماعة ١٤ اذار وتفضيلهم وغرامهم الدائم برئيس حركة امل، وتخليهم في اجتماع البريستول (٣) عن حبيب صادق ركيزة اليسار في الجنوب اللبناني، تمهيدا لصفقة الحلف الرباعي في انتخابات ٢٠٠٥.

 لا يكفي هؤلاء، دولا عربية واطرافا لبنانية، الاغتسال بماء الندامة، لإعلان براءتهم من كل  آثام شراكاتهم بسوريا الاسد ومحاصصاتهم اللبنانية، مع “امل” و”حزب الله”، ولا تواجه الازمة، بالتلطي بضعف المعارضة الشيعية وعدم قدرتها على هزيمة الثنائية، فلستم احسن حالا من هذه المعارضة في كل مكان وكل ساحة.

ويكفي ان هذه المعارضة تساجل وتناضل وتقاوم عارية وباللحم الحي، وانجازاتها لا تقل عن انجازاتكم، واخفاقاتها اقل من اخفاقاتكم، رغم اختلاف وسائل الدعم وامكانيات الحراك، وقد آن الاوان لمغادرة المياومة السياسية، عبر مشروع جدي يتحمل فيه كل بحسبه مسؤولياته وواجبه من اعباء مواجهة المشروع الامبراطوري الايراني، مشروع وطني لبناني ومشروع عربي رحب يدافع عن مصالح الاوطان ويحمي مستقبل الشعوب.

السابق
«الشيوعي» أطلق «الموجة الثانية» من الانتفاضة..مسيرة من الحمرا الى السرايا!
التالي
لماذا تتغير بشرة الحامل..وكيف؟