حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: «تانغو» امريكي ايراني!

حسن فحص
يخص الصحافي المتخصص في الشؤون الإيرانية والعراقية حسن فحص "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

في الوقت الذي كانت من المتوقع ان تذهب فيه الامور بين طهران والوكالة الدولية للطاقة الذرية ممثلة بمجلس الحكام نحو التصعيد، على خلفية مشروع القرار الذي اعدته الترويكا الاوروبية (فرنسا والمانيا وبريطانيا) ، تدفع واشنطن لادانتها بانتهاك الاتفاق النووي ومعاهدة الحد من انتشار اسلحة الدمار الشامل، نتيجة القرار الاخير الذي اعلنته طهران بوقف العمل ببروتوكول التفتيش المباغت، والحد من عمل مفتشي الوكالة الدولية وتجاوز السقوف المتفق عليها في تخصيب اليورانيوم. 

اقرا ايضا: حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: إيران.. «مفاوضات على المفاوضات»!

ويبدو ان واشنطن وادارة الرئيس جوزيف بايدن فضلت اللجوء الى التهدئة وعدم تفجير ما تبقى من جسور تواصل مع النظام الايراني، واعطاء الوكالة الدولي ومديرها العام رافايل غروسي فرصة ترجمة التفاهم، الذي عقده مع حكومة الرئيس حسن روحاني، الذي نص على مهلة الاشهر الثلاثة لاعتماد واحد من خيارين، اما العودة الى التعاون في حال تم رفع العقوبات الامريكية، واما الذهاب الى مزيد من التصعيد والاقتراب الجدي من امكانية الانسحاب من الاتفاق وحتى الى تعليق العمل بمعاهدة الانتشار النووي.

واشنطن وادارة بايدن فضلت اللجوء الى التهدئة وعدم تفجير ما تبقى من جسور تواصل مع النظام الايراني

تراجع اميركي

التراجع الامريكي عن دعم مشروع قرار الترويكا الاوروبية حسب ما تسرب، من تخلي واشنطن عن السير في هذا التوجه ونصيحتها لشركائها الاوروبيين بذلك، يكشف عن وجود حراك حثيث بين الطرفين – الدولي والايراني- يعمل على تمهيد الارضية لحوارات جدية مقبلة والتأسيس لنوع من التعاون بهدف تذليل العقوبات، التي تمنع الطرفين من الجلوس الى طاولة التفاوض المباشرة لبحث مختلف الملفات العالقة بينهما، بما يتجاوز الموضوع النووي، ليشمل بلورة واضحة لمسألتي البرنامج الصاروخي والنفوذ الاقليمي، من دون ان تتراجع واشنطن عن موقفها من هذه المسائل ولا تكون طهران مجبرة على تقديم تنازلات مؤلمة. وان عملية الحوار القائمة بين الطرفين، والتي لم ترتق بعد الى مستوى التفاوض، من المفترض ان لا تذهب الى نوع من التصادم، قد يدفع طهران لمزيد من التشدد والتخلي عن المزيد من الالتزامات النووي والاقليمي، ويدفع واشنطن بالمقابل الى اتخاذ خطوات اكثر تشددا قد لا يكون من السهل توقع تداعياتها او الى اين تنتهي. وان التواطئ الحاصل والذي يقترب من الاتفاق او التفاهم على اعطاء الجهود الدبلوماسية مهلة الاشهر الثلاثة، تسمح للادارة الامريكية وشركائها الاوروبيين في انتظار الصورة التي سيرسو عليها بازار الانتخابات الرئاسية الايرانية، وطبيعة الجهة التي ستجلس على طاولة التفاوض من الجانب الايراني بعد تاريخ 18 حزيران المقبل، وهل سيمتلك صلاحية تسمح له باتخاذ قرارات مصيرية في الملفات المطروحة.

المقترح الاوروبي

نزع فتائل التصعيد الجديد الذي كان يلوح بالافق من خلال مقترح الاوروبي لادانة التصرفات الايرانية في مجلس حكام الوكالة الدولية بمبادرة امريكية، جاء بهدف الحفاظ على ما تبقى من مسار دبلوماسي للحوار مع طهران، ومنع انتقالها الى خطوة تصعيدية اكثر، تعقد عملية الوصول الى البرنامج النووي ويسمح لطهران بالعمل، بعيدا عن اعين الرقابة الدولية حتى تلك المحدودة التي تضمنها معاهدة الحد من انتشار اسلحة الدمار الشامل، ما سمح لواشنطن على لسان وزير خارجيتها انتوني بيلكن، باعتبار هذه الخطوة دافعا لطهران لمزيد من التعاون الايجابي والتخلي عن مواقفها، وتتعاون في مسألة توضيح الغموض الذي يحيط باثار تخصيب مرتفع وانتاج معدن اليورانيوم. وان التعاون الايراني هذا قد يوفر الارضية لواشنطن بالتخفيف من العقوبات المفروضة من دون رفعها بالكامل، بانتظار ما ستنتهي له عملية التفاوض الرئيسة بينهما.

نوع من الاحباط بقي مسيطرا على اجواء الجهود الامريكية عبرت عنه الخارجية نتيجة رفض ايران مشاركة واشنطن في الاجتماع المقبل لـ 4+1

وعلى الرغم من الترحيب الايراني بموقف الرباعية الامريكية – الاوروبية في الوكالة الدولية، الا ان نوعا من الاحباط بقي مسيطرا على اجواء الجهود الامريكية عبرت عنه الخارجية نتيجة رفض ايران مشاركة واشنطن في الاجتماع المقبل لمجموعة 4+1 بصورة غير رسمية، وهو موقف لا يصدر عن عدم رغبة ايرانية بهذه المشاركة الامريكية كمراقب، بل من محاولة تحويل هذه المشاركة غير الرسمية الى حقيقة وواقع يعيد امريكيا الى الاتفاق من دون الاعلان عن اتخاذها هذه الخطوة ومن دون ان تلتزم بمقتضيات القانونية التي تطالب بها طهران، وفي مقدمتها اعلان الادارة الامريكية رفع العقوبات التي فرضها الرئيس السابق دونالد ترمب وفريقه، من خارج قرار مجلس الامن 2231 الراعي للاتفاق النووي، او اعلان الغاء قرار تلك الادارة بالانسحاب من الاتفاق. وهو موقف قد يكون منسجما موقف الجانب الايراني بحصر هذه الجلسة للجنة متابعة تنفيذ الاتفاق، في اطار مجموعة 4+1 وحوار هامشي مع الطرف الامريكي بشكل غير ملزم او رسمي، لا يسمح بترتيب  نتائج نهائية عليه. الا ان الرهان الاوروبي في توظيف الرسالة الايجابية بالتخلي عن ادانة طهران في الوكالة، يبقى عالقا  في ان تتجاوب طهران مع ذلك، وتتخلى عن موقفها الرافض عقد هذا اللقاء غير الرسمي وتسهيل الجهود الاوروبية في هذا الاطار.

وبانتظار الزيارة الثانية لمدير الوكالة غروسي الى ايران مطلع شهر ابريل/ نيسان المقبل لمتابعة نتائج التفاهم الذي توصل اليه مع حكومة روحاني في 21 شباط الماضي، فان مؤشرات حول انفراجات في موضوع العقوبات الامريكية بدأت تظهر بشكل واضح، خاصة ما يتعلق بتخفيف العراقيل امام عودة ايران الى سوق النفط وبيع انتاجها في الاسواق العالمية من دون اعلان لرسمي امريكي حول ذلك، فضلا عن اقتراب موعد التوصل الى حل لازمة الاموال والارصدة الايرانية المجمدة في البنوك العالمية خاصة في كوريا الجنوبية، بالاضافة الى تفاهم على بعض الخطوط العريضة تؤسس لجهود مشتركة لانهاء او التفاهم حول مخارج لبعض الازمات او الملفات الاقليمية.

طهران، تتجه لانهاء الجدل بشكل ايجابي  حول اقرار القوانين المتعلقة بمسألة تبييض الاموال وتمويل الارهاب

في المقابل فان طهران، تتجه لانهاء الجدل بشكل ايجابي  حول اقرار القوانين المتعلقة بمسألة تبييض الاموال وتمويل الارهاب في اطار معاهدة باليرمو ( FATF – CIF) يفتح الطريق امام اقرارها او الالتحاق بها. وهي القوانين التي خضعت لجدل واسع وصراع حاد بين حكومة روحاني والتيار المتشدد وانتهى الى تعليق نتائج موافقة البرلمان السابق على اقرار هذه المعاهدات وعدم معارضة مجلس صيانة الدستور. وبالتالي احالتها على مجمع تشخيص مصلحة النظام مع صلاحيات واسعة من مرشد النظام تحصر به القرار النهائي بالرفض او القبول. وهذه المؤشرات الايجابية قد تتبلور خلال شهر ابريل/ نيسان قد تتزامن مع زيارة غروسي المنتظرة، بما يعتبر استجابة ايرانية لبعض الشروط الاوروبية والامريكية المتعلقة بموقف ايران من موضوع تمويل الارهاب وغسيل الاموال، ويساعد على خروجها من اللوائح السوداء لهذه المعاهدات وتسهيل عملية الحصول على الارصدة المجمدة في الخارج والعودة الى النظام المالكي والبنكي الدولي. 

السابق
بالصور: الاحتجاجات مستمرة.. قطع طرقات أمام منازل نواب ووزراء
التالي
فرنسا تفي بوعودها.. غريو تعلن عن مساعدة بقيمة مليون يورو لطرابلس والجوار