2020..شراهة سياسية أكلت أخضر البلاد ويابس العباد!

ازمة حكومية ومصرفية
تثبت الاحداث السياسية التي جرت في لبنان خلال العام 2020 وما تبعها من تداعيات إقتصادية ومالية وإجتماعية، أن ثمة خللا بنيويا في النظام السياسي اللبناني ليس فقط بسبب في ولاء السياسيين الممثلين للمكونات اللبنانية لسياسات قوى إقليمية ودولية، أو لصالح الهويات الفرعية على حساب الهوية الوطنية اللبنانية الجامعة.

وأحد أسباب هذا الخلل هو الشراهة التي يبديها هؤلاء السياسيين للإستيلاء على مقدرات الدولة اللبنانية وأكلوا “الاخضر واليابس فيها” تحت مبرر إقتسام السلطات والمناصب السيادية وفقا للانتماءات الدينية والطائفية.

هذه الشراهة كانت سببا في وضع اللبنانيين على حافة “جهنم” إقتصادية ومالية تنتظرهم في العام 2021 ، بعدما أقفلت سنة 2020 على حكومة تصريف أعمال لا تغني ولا تسمن من جوع في ظل الازمات الكبرى التي يعانيها البلد، وحكومة مرتقب ولادتها على يد الرئيس المكلف سعد الحريري،  لكنه لم يفلح بعد شهرين في إخراج تشكيلته إلى النور بسبب التنازع حول الحصص الوزارية من جهة والحسابات الاقليمية من جهة أخرى، إلى أن أعلن يوم الاربعاء (عشية عيد الميلاد) بأن ولادة الحكومة تم تأجيلها إلى العام المقبل بسبب التعقيدات التي تحيط بها وإنعدام الثقة المتبادل بينه و بين رئيس الجمهورية.

شراهة وليدة أعوام

 لكن هذه الشراهة ليست وليدة عام واحد بل تراكم أعوام، لم تدع للبنانيين حتى الفتات وأدت إلى كوارث إقتصادية وإجتماعية دفعت اللبنانيين للخروج في تظاهرات عارمة مرتين، الاولى في 17 تشرين 2019 إحتجاجا على زيادة رفع الضرائب على الاتصالات والتبغ ومواد أخرى ثم تطورت الاحتجاجات للمطالبة بإصلاحات جذرية للنظام السياسي القائم، ومكافحة الفساد المالي والمحسوبية وتوفير فرص عمل للعاطلين وإصلاح القطاع المصرفي وأدت إلى إستقالة حكومة الرئيس الحريري وتشكيل حكومة حسان دياب.

بعد إنفجار المرفأ شهد لبنان موجة هجرة واسعة وغامر مئات الأشخاص بالهروب عبر البحر الأبيض المتوسط بحثا عن فرص حياة أفضل

المرة الثانية التي تظاهر فيها اللبنانيون كانت  بعد إنفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020 والتي تسببت في إستقالة حكومة دياب وولادة المبادرة الفرنسية التي لم تنفذ إلى الان، بالرغم من موافقة الطبقة السياسية شفهيا عليها أم فعليا فلا يزال لبنان يتخبط إلى الان في محاولاته لتأليف حكومة تصالحه مع المجتمع الدولي، وتفتح باب المساعدات الدولية التي تعينه على تخطي سنوات عجاف إقتصاديا وماليا تنتظره بسبب الاداء الفاشل للطبقة السياسية التي تحكمه.

سنة كارثية

إذا 2020 كانت “سنة كارثية” بالنسبة إلى لبنان، والكثير من اللبنانيين يعتبرها الأسوأ منذ الحرب الأهلية التي عاشتها البلاد بين عامي 1975 و1990، لأنها حملت في أيامها ثورة شعبية عارمة وأزمة سياسية وانهيارا مصرفيا وماليا وكارثة اجتماعية، بالإضافة إلى تفشي فيروس كورونا وانفجار مرفأ بيروت الذي خلّف وفاة أكثر من 200 شخص وأحدث دمارا هائلا في العاصمة بيروت.

 وبعد إنفجار المرفأ شهد لبنان موجة هجرة واسعة وغامر مئات الأشخاص بالهروب عبر البحر الأبيض المتوسط بحثا عن فرص حياة أفضل، فخلال شهر أيلول وحده، أعيد إلى لبنان 230 شخصا أبحروا سرا من أجل الوصول إلى شواطئ قبرص.

منذ أن استقالت حكومة حسان دياب بعد أسبوع من انفجار بيروت، يعيش لبنان حالة من الشلل السياسي، فالمبادرة الفرنسية التي أدت إلى ترشيح السفير مصطفى أديب لرئاسة الحكومة، عجزت عن تغيير المعادلة السياسية في ظل إستشراس الطبقة السياسية في المحافظة على مكاسبها من جهة وهيمنة حزب الله من جهة أخرى، ما أدى إلى تقديم أديب لإستقالته لاحقا بعد فشله في تشكيل حكومة مستقلة، بعدها كانت تسمية الرئيس سعد الحريري لرئاسة الحكومة ولا يزال يتخبط في ملف التأليف منذ شهرين من دون الوصول إلى نتيجة لنفس الاسباب التي أدت إلى إعتذار أديب.

فجوة بين اللبنانيين و السياسيين

كل هذه الاحداث التي عاشها اللبنانيون على مدار عام أظهرت الفجوة الكبيرة بين المجتمع اللبناني والطبقة السياسية لدرجة أنه حتى بعد سنة من الاحتجاجات، لم يتمكن المجتمع المدني من تغيير الطبقة السياسية، فالنظام السياسي في لبنان منظم ومتجذر لدرجة أنه من الصعب جدا ظهور أطراف سياسية جديدة على الساحة.

الازمة الاقتصادية انعكست فقراً وعوزاً وجوعاً
الازمة الاقتصادية انعكست فقراً وعوزاً وجوعاً

ومن الصعب جدا تجديده بسبب تركيبة الأحزاب في حد ذاتها وهويتها، ونفوذ حزب الله، لكن ممن النتائج الايجابية للعام 2020  فإن المظاهرات  الشعبية التي خرجت إلى الشارع كسرت العديد من المحرمات والمقولات حول ما يحتاجون إليه ويريدونه – وما يرفضونه.

الليرة ليست بخير

وإذا كان الارتباك و التعثر هو سمة عام 2020 سياسيا، فإن الحال الاقتصادية والاجتماعية للبنانيين  كانت سيئة أيضا بفضل ما إقترفته أيادي السياسيين طوال الثلاثين عاما الماضية، ولعل أبرز دلائل على سوء الاحوال المالية والاقتصادية هو وضع الليرة اللبنانية مقابل الدولار، فبعد سنوات من كذبة “الليرة اللبنانية بخير” تبين للشعب اللبناني أنهم عاشوا طوال سنوات على أوهام أفاقوا منها في العام 2020 ليجدوا أنه بعد الفوضى العارمة سياسيا ومصرفيا بدأت ملامح شح الدولار في بداية العام وإرتفاع سعر صرفه لما يفوق 2100 ليرة، ووصل إلى نحو 2500 ليرة، قبل تشكيل حكومة جديدة برئاسة حسان دياب.

إقرأ أيضاً: لبنان 2021..مئوية لا مئويتان!

وبعد إعلان لبنان رسمياً تخلّفه عن سداد سندات يوروبوندز المستحقة تجاوز سعر الدولار 2750 ليرة،

واستمرّ  بالارتفاع والليرة إلى تراجع طوال الاشهر التالية إلى أن حدّدت مديرية العمليات النقدية في “مصرف لبنان” في شهر حزيران سعر صرف الدولار عند دفع الحوالات النقدية الواردة من خارج لبنان بـ3800 ليرة لبنانية، فأصبح للدولار 3 أسعار ، سعر رسمي هو 1515 و سعر المنصة و سعر السوق السوداء، أما ذروة إرتفاع  سعر صرف الدولار أمام الليرة بلغت في شهر تموز 2020 حين تجاوز الدولار الواحد 10000 ليرة، مسجلاً رقماً قياسياً هو الأعلى على الإطلاق في رحلة انهيار الليرة. ارتفعت حينها أسعار المواد الإستهلاكية بشكل جنوني، وشهدت المناطق اللبنانية تحركات شعبية وقطع طرق احتجاجاً على ارتفع سعر صرف الدولار أمام الليرة.

إرتفاع سعر صرف الدولار يترافق مع كلام جدي عن رفع الدعم عن استيراد المواد الأساسية بعد شح احتياطات مصرف لبنان

وبعد وقوع إنفجار المرفأ وإستقالة حكومة دياب تراجع الدولار تدريجياً إلى محيط 7500 ليرة و8000 ليرة ولا يزال إلى نهاية العام ضمن هذا المعدل، وسط كلام جدي عن رفع الدعم عن استيراد المواد الأساسية، بعد شح احتياطات العملة الأجنبية لدى مصرف لبنان.

السابق
Syria 2020: An Excruciatingly Painful Year
التالي
لقطتا أمل وألم من إدلب تفوزان بأفضل صورة صحفية لعام 2020