متري لـ«جنوبية»: السياسيون يتحصنون ضد «الإنهيار الكبير».. وينتظرون «حصتهم»!

طارق متري
لا تكمن أهمية القراءة السياسية التي يقدمها الوزير السابق طارق متري للأحداث والمنعطفات الكبرى التي تحصل في لبنان والمنطقة، إنطلاقا من سعة ثقافته وخبرته العميقة بأحوال بلاد الارز قبل الطائف وبعده، بل في إمتهانه السياسة على إعتبار أنها فن القيام الشخص بكل ما بوسعه لإنقاذ الشعوب وإرتقائها، وليس فن إطلاق الوعود الكاذبة التي لا تسمن ولا تغني من جوع على عادة معظم الطبقة السياسية الحاكمة.

يمكن وصف متري بأنه “رجل الهويات المتصالحة”، في زمن يُختزل فيه السياسيون بهوية طائفية ومذهبية واحدة (تأسيسه قبل الحرب لحركة المسيحيين الوطنيين ثم أصبح عضوا في لجنة الحوار الاسلامي المسيحي قبل أن يتولى مهام وزير الاعلام والثقافة) وفي تصديه لملف عربي شائك هو الملف الليبي (شغل منصب الممثل الخاص للامين العام للأمم المتحدة في ليبيا).

لبنان في مأزق.. و الناس تريد التغيير وتخاف من نتائجه

حين يقرأ متري الاحداث الجارية في لبنان والتي تشي بأنه منحدر نحو هوّة سحيقة، يستدعي القيم التي يضمرها كشرط للسياسة، فيشرح لـ”جنوبية” أن “مشكلتنا مع الطبقة السياسية في لبنان قديمة لأنهم يتعاملون مع الدولة بوصفها غنيمة ويتصارعون عليها، ولا يأبهون للقانون ويعتبرون أن تسلطهم يضعهم فوق القوانين”، لكنه يشدد على أن “هذا الامر إنكشف أمام فئة واسعة من اللبنانيين الذين كانوا قبل 17 تشرين يشكون من المتسلطين عليهم ولكن الشكوى كانت قصيرة المدى وحين تأتي الانتخابات يعودون إلى حظيرتهم الطائفية والمذهبية”.

إقرأ أيضاً: «مافيا» الصرافين الجوالين تستقوي بـ «الثنائي»..وأزمة البنزين تتجدد!

ويردف:”الآن باتت الشكوى عامة في ظل الانهيار الاقتصادي، والناس باتت ترى الواقع بوضوح أكثر وكثير من سياسيين باتوا يخافون من الناس وعلى مستقبلهم، وأعتقد أن جزء من سلوك الطبقة السياسية يمكن تفسيره من هذه الزاوية”. ويخلص الى نتيجة ان “البلد ذاهب إلى الانهيار فيما هم يحاولون ولا يزالون،  ليس فقط أن لا يصيبهم الانهيار بل أخذ ما تبقى من الحصص قبل الانهيار الكبير”.

السياسيون مستفيدون من الانهيار

يوافق متري على مقولة أن “الطبقة السياسية الحالية مستفيدة من الانهيار القادم”، شارحا أن “الصراع أحيانا يشتد على السلطة حين تصغر الغنيمة، والدليل هو تمسكهم بالمحاصصة على الوزارات والمناصب ولا يزالون يسمون وزارات الخدمات بالوزارات الدسمة وعلاقتهم بالدولة هي علاقة غُنم”.

في المقابل يتجنب متري تحديد السيناريو الذي ينتظر لبنان بعد حصول الانهيار، يقول:”كثير من اللبنانيين في حيرة بشأن ما ينتظرهم، فمن ناحية هذا النظام السياسي القائم (كما يمارس) لم يعد صالحا للبقاء والعيش في ظله، وبات لبنان بلد لا يُحكم وكل مؤسساته مشلولة  والطبقة السياسية تزداد تحكما فيه، بالرغم من أن هناك كثير من الناس لديها وعي لا طائفي لكن قدرتها على التحكم ضعيفة”.

المسيحيون الحاكمون حاليا هم أناس صمٌ بكمٌ عميٌ لا يسمعون  رسائل الفاتيكان

ويشدد على أن “هناك رغبة قوية لدى اللبنانيين بالتغيير ولكن في نفس الوقت هم يخافون من كيفية حصوله ونتائجه، لأن الربح يمكن أن يكون للطرف الاقوى في الوقت الحاضر وبالتالي، إذ ان اللبنانيين الذين هم ليسوا من مؤيدين هذا الطرف الأقوى، سيشعرون بأنهم إستضعفوا وأُلغي دورهم ويصبح التغيير أداة لتقوية القوي وإضعاف الضعيف”.

السيناريوهات المقبلة

يرى متري أن “اللبنانيين يعيشون في حيرة، علما أن سيناريو 1989 الذي أنتج إتفاق الطائف جاء بعد حرب أهلية، فنحن لا نتمتع بحياة ديمقراطية تسمح لنا بالتغيير على البارد، بل التغييرات تحصل بعد حروب ودماء وفوضى، وليس هناك طرف يريد الفوضى والاقتتال وهذا هو المأزق الذي يعيشه لبنان، الناس تريد التغيير ولكنها خائفة من نتائجه التي يمكن أن تكون لغير صالحها”.

والسؤال الذي يطرح هنا هل ستؤتي محاولات الفاتيكان ثمارها لإنقاذ لبنان، بعد التحرك الذي تقوم به داخليا وخارجيا؟ يجيب متري:”قلق الفاتيكان على لبنان غير مرتبط بمصلحة، بل حقيقي ومبني على معرفة بهذا البلد”.

ويشير إلى أن “تأثير الفاتيكان هو  مزدوج ومحدود في نفس الوقت، فهو ليس الولايات المتحدة الاميركية لكنه يتمتع بتأثير خارجي يتمثل بالدبلوماسية الفاتيكانية التي هي دبلوماسية رصينة ومطّلعة، ولذلك فهي تتمتع بمكانة لدى الدبلوماسيات الغربية ولا سيما الأوروبية بسبب بمعرفتها وتجردها من المصالح”.

إهتمام الولايات المتحدة بالشرق الاوسط ضعف أكثر مما يتصور البعض لألف سبب وسبب

يضيف:”هل لدى الفاتيكان تأثير في الداخل اللبناني؟ هذا هو السؤال لأن الفاتيكان لديها تأثير تقليدي على القادة المسيحيين، ولكن المسيحيين الحاكمين حاليا هم أناس صمٌ بكمٌ عميٌ، فالبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي تحدث بصراحة، بأن هذه الطبقة السياسية تعامل الناس كأنهم أعداءها، وهو يحثهم على تشكيل الحكومة وإنقاذ البلد فتكون الاجابة بأن رئيس الجمهورية هو شريك أساسي في تشكيل الحكومة ويريد الحقيبة الفلانية وهذا يعني انهم لا يسمعون رسائل الفاتيكان”.

ويلفت متري إلى أن “البابا حين خصّ لبنان بجزء من رسالته، قال كلاما قاسيا جدا بحق السياسيين ولم يرف لأحد منهم جفن، وقد سمُك جلدهم إلى حد لا يمكن الرهان على إستجابتهم  لندائه بإنقاذ لبنان”.

تسوية إيرانية – أميركية قادمة؟

ماذا عن القوى السياسية التي تنتظر حصول تسوية إيرانية أميركية (مع إدارة جو بايدن) لإعادة الإطباق على لبنان؟ يجيب متري:”أنا لست متأكدا من حصول تسوية بين إدارة بايدن وإيران على حساب لبنان، فصحيح أن الادارة الاميركية الجديدة ستعتمد سياسة اللين والتفاوض مع إيران ولكن هذا يحتاج إلى وقت كبير ليبدأ وليثمر نتائجه”.

ويرى :”نحن لا نعرف أسلوب التفاوض الذي سيعتمد بين الولايات المتحدة وإيران ومجموعة الدول 5+ 1، هل سيكون محصورا بالملف النووي أو أنه سيتوسع إلى دور إيران في المنطقة”، مشددا على أنه “حتى لو حصل التفاوض وشمل دور إيران في المنطقة فمن المرجح أن يؤدي للحد من تدخلات إيران في المنقطة وليس تعزيز تداخلاتها في المنطقة العربية”.

ويختم:”لا أعتقد أن هذا الرهان يمكن البناء عليه، صحيح أن اللبنانيين يخافون على مستقبلهم، لكن المستقبل ليس كالماضي لأن الوضع العربي تغيّر كثيرا وبات أكثر تفككا، كما أن إهتمام الولايات المتحدة بمنطقة الشرق الاوسط ضعف أكثر مما يتصور البعض لألف سبب وسبب”.

السابق
بنك «بيبلوس» ينفض يده من «القرض الحسن».. لا علاقة لنا!
التالي
جعجع يُعايد عون بقدر ما «اللبنانيين معيّدين»: استقالته لا تفيد حالياً!