إقتراح «قانون الشراء العام» يستعيد ثقة المجتمع الدولي.. فهل تُطبّق؟

ياسين جابر
يعد قانون "الشراء العام" الذي تدأب اللجان النيابية على دراسته تمهيدا لإقراره في أقرب وقت ممكن (من المرجح في تشرين الاول المقبل)، أحد الركائز الثلاثة لوصفة الاصلاح التي يصر المجتمع الدولي على تنفيذها قبل تقديم يد العون للبنان لإخراجه من أزمته التي بدأت بوادرها منذ العام 2016 إلى أن تفاقمت ووصلت بنا إلى الحال الذي نحن فيه نتيجة تسويف المسؤولين اللبنانيين في تطبيق الاصلاحات المطلوبة.

من المتوقع ان يتحول هذا القانون  إلى فرصة ذهبيّة لإصلاح منظومة الشراء العام وتحديثها وتحقيق وفراً سنويّاً مقداره 500 مليون دولار، بناءً على تقرير المعهد باسل فليحان المالي الذي عمل على وضع مداميك القانون منذ سنوات.

إذا “قانون الشراء العام” أو “قانون المناقصات” هو أحد الخطوات الثلاثة لإنطلاق قطار محاربة الفساد إلى جانب إصلاح قطاع الكهرباء وإقرار قانون السلطة القضائية المستقلة، وبالتالي على الحكومة اللبنانية المقبلة الاسراع في إقراره وتطبيقه لإظهار حسن نيتها أمام المجتمع الدولي بالسير بالاصلاحات، لأن الاهم من تشريع القانون وإقراره هو أن تلتزم السلطة التنفيذيّة بتطبيقه، ففي بلد كلبنان يعتمد على مقولة “للضرورة أحكام” في تسيير مؤسساته و قطاعاته الحكومية لا يمكن ضمان عدم خرق القوانين وتجاوزها.

جابر لـ”جنوبية”: واقع المناقصات سيء جدا ونتعاون لإقرار قانون يطالب فيه المجتمع الدولي

كل ذلك يدفع لإظهار ما يمكن أن يرسخه هذا القانون الذي يقع في 95 مادة  في تسيير عمل الادارات ومؤسسات الدولة، فإقراره يعني وضع حد للفوضى في المناقصات والمشتريات والخلل الحاصل في منظومة الشراء العام، وترسيخ الشفافيّة والرقابة وإلغاء صيغة “التراضي” التي اعتمدت في قسم كبير من القطاعات ووضع معايير واضحة ودفاتر شروط منظّمة وعلنيّة للمناقصات، ما يعني تحقيق المنافسة المشروعة والمساءلة وتعزيز دور إدارة المناقصات بعيداً عن المحسوبيّات والصفقات المشبوهة وهذا ما ُتطالب به الحكومات اللبنانية المتعاقبة  داخليا ودوليا على السواء.

دراسة تفصيلية 

وتدأب اللجنة الفرعية المنبثقة عن اللجان النيابية المشتركة المكلفة درس اقتراح “قانون الشراء العام أو المناقصات” التي يرأسها النائب ياسين جابر على دراسة هذا القانون منذ تشرين أول العام 2019.

ويشرح جابر لـ”جنوبية” أن “القانون موجود حاليا في لجنة فرعية منبثقة عن اللجان المشتركة، وتمت دراسته بمعهد باسل فليحان المالي بمشاركة خبراء دوليين ومؤسسات دولية، والهدف من هذه المشاركة هو وضع قانون متوافق مع المعايير الدولية”، لافتا إلى أن “أهميته أنه لا يطال وينظم عمليات الشراء العام والمناقصات الداخلية في لبنان فقط  بل أيضا يتماهى مع التطورات التي قد تحملها مشاريع سيدر ومتطلبات الشركات العالمية”.

ويعتبر أن “هذا القانون سيؤدي إلى إحداث نقلة نوعية في مسألة الشراء في القطاع العام، علما أن المرة الاخيرة التي  تم تحديث قانون المناقصات في لبنان كان عام 1963، وبسبب تعطل العمل الحكومي بعد 19 تشرين 2019 تبنيته كإقتراح قانون لتسريع دراسته وإقراره وطلبنا من رئاسة مجلس النواب (تجنبا لمروره على اللجان النيابية المختلفة)، إرساله مباشرة إلى اللجان المشتركة ومنه إلى اللجنة الفرعية التي أترأسها وتضم أعضاء آخرين”.

عجاقة لـ”جنوبية:يضع قواعد نشاط القطاعات الاقتصادية ويؤمن المساواة ويجذب الاستثمارات

ويلفت إلى “أننا الآن في مرحلة الدراسة التفصيلية للقانون ووضع التعديلات المطلوبة للتوصل إلى صيغة نهائية ومن ثم عرضه على اللجان المشتركة ومن ثم تحويله إلى الهيئة العامة لإدراجه على جدول أعمال الجلسة العامة لمجلس النواب “. 

ويشير جابر إلى أن “التحضير لهذا القانون تمّ في معهد باسل فليحان منذ فترة ولكن تمّ تقديمه كإقتراح قانون إلى المجلس النيابي في تشرين الثاني 2019، وبسبب جائحة كورونا التي إنتشرت في آذار2020تعطلت إجتماعاتنا لفترة  ثم عدنا للقيام بمهامنا”.

إقرأ أيضاً: «حزب الله» وإسرائيل ما بعد بعد الترسيم.. هدوء دائم وعمليات «مكتومة القيد»!

ويردف إلى أنه ” قبل بدء جائحة الكورونا عقدنا سلسلة إجتماعات وورش عمل حضرها كل المعنيين والنقابات وهيئات الرقابة والدوائر الرسمية وخبراء دوليين ودبلوماسيين بهدف وضع ملاحظات مكتوبة  وإرسالها إلى الفريق العمل في معهد باسل فليحان لدرسها والاخذ بعين الاعتبار ما هو مفيد منها”.

ويشدد على أن “هدفنا إشراك المعنيين وتوسعة نطاق التشاور بيننا واليوم نحن نتشاور مع هيئات المجتمع المدني والامور سائرة في الاطار الصحيح”.

ويوضح جابر أن “القانون المعمول به حاليا يعنى فيه فقط الدوائر الرسمية والادارات العامة ولا تدخل في نطاقه المؤسسات العامة والبلديات، والقانون الذي نعمل على إقراره سيأتي لتغيير هذا الواقع و تشمل بنوده وقواعده كل القطاع العام وينظم قواعد العمل لهذا القطاع”.

ويضيف:”ستتحول إدارة المناقصات إلى هيئة إشراف أوهيئة ناظمة لديها مهمات محددة وصلاحيات متعددة بحيث أصبحت سلطة مستقلة لها الحق بالتدخل والمحاسبة حين ترصد خطأ ما، وفي نفس الوقت  خلقنا لجان إعتراضات تتيح للمقاولين مثلا من تقديم شكوى إذا حصلت أي ممارسة غير سليمة ضده أو تلاعب”، لافتا إلى أنه “يمكن للمقاول عبر هذه الشكوى الاعتراض وتوقيف المناقصة إلى حين البت بالاعتراض، والاهم أن هذا القانون يشدد على الشفافية المطلقة من حيث إنشاء عبر هيئة الاشراف منصة إلكترونية  تجبر كل المعنيين نشر كل المعلومات المتعلقة بالمناقصة وليس الاعلان عنها فقط “. 

ويصف جابر واقعنا الحالي “بأنه سيء جدا والمؤمل من هذا القانون أن يغير هذا الواقع وهناك تعاون من أجل إقرار هذا القانون المثالي الذي يطالب فيه المجتمع الدولي ولا يمكن الاتفاق مع صندوق النقد الدولي إذا لم يقر هذا القانون”، مشددا على أن “لبنان لن يتمكن من الحصول على مساعدات إذا لم يكن جاهزا للإصلاح عبر إقرار هذا القانون وقوانين أخرى منها الشراكة بين القطاعين العام والخاص”.

ويختم:”من المفروض أن يتم إقرار هذا القانون في تشرين المقبل، وهدفنا إثبات ان المجلس لا يتأخر في التشريع وإقرار القوانين، بل أن مشكلة لبنان هي في عدم تطبيق القوانين وليس في عدم وجودها”

قطع طريق

وتجدر الاشارة إلى أن الهدر وشبهات الفساد التي تدور حول  منظومة الشراء والتلزيمات في لبنان وما تردد عن صفقات تحيط بها، وضعت لبنان في المرتبة 137 من أصل 180 بلداً على مؤشر مدركات الفساد للعام 2019، على اعتبار أنّ57 بالمئة  من المعاملات الحكومية المعرّضة للفساد مرتبطة بالشراء العام بحسب منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (2014).

آلان عون

وفي هذا الاطار يشرح عضو اللجنة النائب آلان عون ل”جنوبية” أن “هذا القانون أساسي في تنفيذ الاصلاحات المطلوبة من لبنان  سواء من المبادرة الفرنسية أو إصلاحات مؤتمر سيدر ، ويتم العمل فيه وفقا لمعايير دولية عالية ومعتمدة في كثير من الدول المتطورة”.

ويشدد على أن “أهمية القانون أنه يؤمن المزيد من الشفافية ومحاصرة أي عمليات تواطؤ  بين العارضين وبين الجهة الشارية ووضع الكثير من الضوابط لمنع أي عملية تلاعب مسبقة أو لاحقة قد ترافق المناقصات وقد تم إعتماد نظام الحوكمة في وضع بنود هذا القانون، لجهة خلق هيئة ناظمة للشراء العام”.

ويختم”هذا القانون يضم كل البنود والاجراءات التي تقطع الطريق على عمليات التواطؤ والتلاعب بين الجهات الشارية والعارضة للخدمات وفي كل مؤسسات وادارات الدولة ويلزمنا عدد قليل من الجلسات لدراسته وإقراره سريعا و في الشهر المقبل”.

أهمية إقتصادية

 وبعد كل هذا العرض للأهمية القانونية لقانون “الشراء العام” الموعود، السؤال الذي يطرح هو ماذا سيحقق هذا القانون للبنان على الصعيد الاقتصادي، (بالاضافة إلى وفر يقدر ب500 مليون دولار سنويا)؟

يجيب الخبير الاقتصادي جاسم عجاقة “جنوبية” على هذا السؤال بالقول:”أهمية إقرار قانون المناقصات للإقتصاد اللبناني كبيرة،لأنه يضع القواعد التي يجب ان تتحرك على أساسها القطاعات الاقتصادية في لبنان  ويؤمن المساواة في ما بينها ويزيد من جذب الاستثمارات”.  

 عون لـ”جنوبية: القانون أساسي في تنفيذ الاصلاحات المطلوبة من المبادرة الفرنسية أو سيدر

ويضيف:”من المعروف أن حجم القطاع العام في لبنان كبير ويضم العديد من المؤسسات والادارات ولذلك المطلوب أن تكون القواعد التي تسير على أساسها هذه المؤسسات والادارات شفافة ونظيفة وهذا ما يؤمنه قانون المناقصات الجديد”، معتبرا أنه “كلما كان هذا القانون حديثا كلما شكل حافزا لجذب المزيد من الاستثمارات وتوسيع القطاعات”.

ويشدد على أنه “من أهم القوانين الاصلاحية للدولة اللبنانية وأحد المطالب الاساسية في مؤتمر سيدر لأن الشركات الاجنبية لن تقبل بالدخول في السوق اللبناني والمشاركة في المشاريع إذا لم يتم تحديث العديد من القوانين ومنها هذا القانون”. 

ويختم:”الاستثمارات يعني زيادة الوظائف وفرص عمل ومحاربة الفقر، ولذلك يجب أن تكون هناك قوانين تواكب هذا القانون مثل قانون إستقلالية القضاء لتأمين الرقابة المطلوبة ومحاسبة الفاسدين، والمجتمع الدولي والشركات الكبرى تعتبر أن هذا الامر أكثر من مهم ومعيار يؤخذ بعين الاعتبار عند دراسة أي سوق للدخول فيه بمشاريع وإستثمارات”.

السابق
رقم «كوروني قياسي»صادم..12 وفاة و1321 إصابة جديدة!
التالي
رفع الدعم عن المازوت كارثي..فاتورة المولد بـ600 الف ليرة!