رفع الدعم عن المواد الاساسية وارد إلا إذا.. و«طوابير» الفقراء غب بطاقات «الذل»!

الفقر في طرابلس
في بداية كل أول شهر تأخذ وفاء (ربة المنزل لأربعة أبناء) جزءا من راتب زوجها الذي لا يتجاوز المليوني ليرة لبنانية إلى السوبرماكت لتبدأ رحلة البحث عن المواد الغذائية المدعومة (حليب وزيوت وحبوب ومواد تنظيف) لشرائها قبل نفاذ الكمية كون اقبال المواطنين عليها يكون كبيرا والكميات تنفذ بسرعة.

تصف وفاء حالتها بأنها كمن يسابق الوقت والمراقبين المنتشرين داخل أرجاء  السوبرماركت لتنبيه المتسوقين بأنه لا يمكنهم سوى شراء حصة واحدة من كل نوع من المواد المدعومة، وإذا كانت بحاجة إلى كمية أكبر من (المحارم أو الصلصة مثلا) عليها الذهاب إلى سوبرماركت آخر.حال وفاء هو كحال آلاف اللبنانيين الذين باتوا يفتشون عن البضائع والمواد الاقل ثمنا لسد قوتهم اليومي بعدما تهاوت قدرتهم الشرائية بشكل عنيف بسبب الارتفاع الجنوني في الاسعار، بعد إرتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة منذ آذار االماضي ما حدا بحكومة الرئيس حسان دياب المستقيلة إلى دعم السلة الغذائية للمواد الاساسية التي يحتاجها اللبناني إلى جانب إكمال دعمها لكل من البنزين والطحين والدواء.

لكن منذ أيام أعلن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بشكل غير مباشر بأن إمكانية إستمرار مصرف لبنان على دعم المواد الغذائية والقمح والمازوت لن تزيد عن الثلاثة أشهر المقبلة بسبب إنخفاض الاحتياطي في مصرف لبنان، حيث اعلن في مقابلة تلفزيونية “أنّه لا يستطيع القول إلى متى يمكن للبنك المركزي أن يواصل دعم الواردات الضرورية”، علماً انّه سبق وحدّدت مصادر من داخل البنك المركزي مهلة 3 اشهر كحدٍ اقصى لتوقف المركزي عن الدعم، وهي المدّة المنطقية، في حال كان احتياطي مصرف لبنان من العملات الاجنبية قد بلغ 19,5 مليار دولار منها 17,5 مليار دولار احتياطيات المصارف الإلزامية التي لا يمكن المسّ بها. 

البطاقات هي البديل الجديد

على صعيد دعم مصرف لبنان هو الاجتماع الذي ضم أمس  سلامة حاكم مصرف مع وفد  من الاتحاد العمالي العام بحث معه مسألة وقف الدعم عن السلع الأساسية. وسيعقد المجلس المركزي للمصرف اجتماعاً الأسبوع المقبل، يبحث فيه مسألة الدعم. وبحسب المتابعين فإن أحد المخارج لإستمرار دعم الدواء هو حصول شركات الادوية على موافقة البنك المركزي قبل فتح الاعتماد ، أما بالنسبة إلى المشتقات النفطية،  فأرسل الحاكم  كتاباً إلى وزارة الطاقة يطلب فيها تحديد كميات الاستيراد وحاجات الاستهلاك المحلي، ليُقرّر على ضوئه خطواته. وتشير المعلومات أيضا أن سلامة أبلغ الاتحاد العمالي العام نيته اعتماد “بطاقات دعم” تُوزّع على الفقراء، “وتُغطّي النسبة التي كانوا يستفيدون منها قبل رفع الدعم”. 

خبر رفع الدعم عن المواد الاساسية إنتشر بين الناس كالنار في الهشيم، فتهافتوا على تخزين الدواء، الطحين، المازوت، وحتّى انّ بعضهم عمد الى تخزين البنزين،  لكن ما إستجد على المشهد القاتم خلال الايام الماضية هو تكليف الرئيس مصطفى أديب لتشكيل حكومة جديدة ووضع فرنسا والمجتمع الدولي ( من خلال زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى لبنان مرتين) خريطة طريق إنقاذية لمساعدة لبنان للخروج من مأزقه من خلال فتح الباب أمام مزيد من المساعدات التي تقي اللبنانيين شر رفع الدعم عن المواد الاساسية ويجنبهم تحذير “الإسكوا” خلال دراسة نشرتها خلال الايام الماضية تحت عنوان “هل من خطرٍ على الأمن الغذائي في لبنان؟”، من انّه سيتعذّر على نصف سكان لبنان الوصول إلى احتياجاتهم الغذائية الأساسية بحلول نهاية العام الحالي، علما أن هذه الدراسة لم تأخذ بالاعتبار حتمية رفع الدعم عن السلع الاساسية المستوردة (الادوية، المحروقات، القمح) والتي من شأنها أن تفاقم حجم “المصيبة” أضعافاً، وتؤدي الى مزيد من الفقر والجوع قبل حتّى نهاية 2020.

مفتاح الحل 

هذا السيناريو القاتم يمكن أن يتلاشى رويدا رويدا من خلال فتح باب المساعدات والقروض الدولية أمام لبنان، أما مفتاح هذا الباب فهو موجود في جعبة الصندوق النقد الدولي الذي أوصدت حكومة الرئيس دياب المستقيلة وبدعم من الطبقة السياسية الحاكمة مجالات التفاوض معه، بمعنى آخر فإن تأمين قوت اللبنانيين وحبة دوائهم ومتطلباتهم المعيشية الضرورية تبدأ بالحل السياسي وهذا ما يوافق عليه الخبير الاقتصادي وليد أبو سليمان الذي يقول لـ”جنوبية”: “معالجة موضوع الدعم على المواد الاساسية يبدأ من الجانب السياسي لأنه أثبتت القوى السياسية في لبنان أنها غير قادرة على إدارة شؤون البلد من دون وصاية عليها،  إذ كان لدينا إتفاق الطائف وبعدها حصل تفاهم الدوحة واليوم هناك الوصاية الفرنسية، والخوف هو أن يحصل نوع من العرقلة بين الولايات المتحدة وإيران وينعكس ذلك على لبنان”.

أبو سليمان لـ”جنوبية”: صندوق النقد يخول الحصول على مساعدات او قروض 

اضاف: “عمليا الدعم سيرفع عن هذه المواد الاساسية لأن لأن الازمة المالية و الاقتصادية هي وليدة الازمة السياسية و لم يعد هناك سيولة  في المصرف المركزي و هذه السيولة ممرها الوحيد هو الاتفاق مع صندوق النقد الدولي  و ختم صندوق النقد هو الذي يخول لبنان الحصول على مساعدات او قروض ميسرة من المجتمع الدولي و كل شيء آخر هو مضيعة للوقت و علينا الانتظار كي نعرف كيف ستسير التسوية”.

ابوسليمان

يشرح أبو سليمان أن “المساعدات هي الباب الوحيد لدخول أموال إلى لبنان، لأنه ليس هناك سياحة ولا إستثمارات خارجية مباشرة ولا تحويلات من المغتربين والتصدير من لبنان شبه معدوم هذه هي أبواب دخول الاموال وعملات أجنبية”، مشددا على أن “إستمرار الدعم ضروري و لكن يجب أن يكون موجها الى الاسر الاكثر عوزا إذ ليس من المقبول أن يحصل على هذا الدعم الغني والفقير والسياسيين، وقد أشارت آخر تقارير الامم المتحدة بأن نصف سكان لبنان باتوا تحت خط الفقر، وإذا تم رفع الدعم فإن النسبة سترتفع إلى70 بالمئة والمطلوب أن يكون هذا الدعم موجها وكمرحلة إنتقالية إلى أن يتم رفع الدعم حين تنطلق عجلة الاقتصاد اللبناني من جديد”.

تطبيق الاصلاحات 

يوافق الخبير الاقتصادي الدكتور جاسم عجاقة على أن تكليف رئيس جديد للحكومة لا يعني أن الأزمة المالية و الاقتصادية في لبنان في طريقها إلى الحل ، ويقول لـ”جنوبية”:الخطر رفع الدعم عن المواد الاساسية لا يزال موجودا، وما يرفع هذا الخطر هو نجاح مفاوضات لبنان مع صندوق النقد الدولي لأنه إذا لم تدخل عملة صعبة إلى لبنان من الخارج لن يتمكن مصرف لبنان من الاستمرار في الدعم ، إلزاما أن يمر المسار مع صندوق  النقد الدولي”.

عجاقة لـ”جنوبية”: فشل أديب في الاصلاحات يعني لا دولارات 

يضيف:”المعروف أن حاكم مصرف لبنان يعمل على صندوق الدعم “صندوق أوكسيجين ”  الذي هو صندوق إستثماري لدعم القطاعات الصناعية و الانتاجية في لبنان منذ بداية الازمة ولفت إلى أن هناك توجها لإستخدام هذه الاموال  بشكل أو بآخر لشراء المواد الاساسية  وقال سيحاول أن تبقى سعر المواد الاساسية من الادوية والمحروقات أن يبقى سعرها ثابتا  ولا يرتفع بشكل كبير وهذا دليل على أن هناك محاولة لتجنب رفع الدعم لكن المفتاح هو في يد الحكومة و كلمة السر هو نجاح المفاوضات مع صندوق النقد”. 

الخبير والمحلل الاقتصادي البروفسور جاسم عجاقة
عجاقة

يشدد عجاقة على أن “السيناريوهات التي ينتظرها لبنان هي سيناريوهات سياسية وليست إقتصادية، الازمة الاقتصادية وهي نتاج للأزمة السياسية فإذا تشكلت الحكومة بوقت قليل وبدأت عمليات الاصلاح وتم الاتفاق مع صندوق النقد الدولي فهذا يعني عمليا أننا بدأنا  إعادة النهوض من قعر الازمة التي نتخبط فيها، عبر المساعدات والقروض الميسرة وفي حال فشلت الحكومة في التشكيل والاصلاحات فما ينتظرنا هو سيناريو سيئ إقتصاديا إذ لا إصلاحات = لا دولارات”.

ويختم:”اما السيناريو الاخر فهو إستعادة قسم من الاموال المهربة غلى الخارج و إعادتها إلى لبنان من خلال تعاميم مصرف لبنان الاخيرة فهذا سيشكل أوكسجين للإقتصاد اللبناني ويمكن أن نرى حينها عمليات إستعادة القليل من عافية الاقتصاد اللبناني لأن صحته ستعود حين تطبق الاصلاحات”.

السابق
«الأمم المتحدة» والفاتيكان يُثمّنان حراك ماكرون في لبنان.. لهذا السبب هبّت فرنسا للمساعدة!
التالي
بالصور: نصرالله يستقبل هنية.. وتأكيد على متانة العلاقة مع «حماس»