برنامج عاجل لإطفاء لهيب الدولار… ومن هنا يبدأ؟

دولار

قبل إطلالة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي كشف بالارقام مستور السياسة ، إحتلت صورة النيران التي إندلعت في الايام الاخيرة في عدد من فروع المصارف، لاسيما في طرابلس صدارة الاعلام. وبدا السؤال عمن أشعلها ضعيف الحجة، والسبب يعود الى ان الارتفاع الجنوني لإسعار صرف الليرة مقابل الدولار لم يبق مكانا لأي سؤال .ووفق مصادر بارزة في حراك 17 تشرين الاول ،فإن مدبّري الحرائق وهم ينتمون الى جهات معروفة، لم يكونوا في حاجة الى أكثر من قذف الزجاج الحارق على آلات السحب الالي او مداخل المصارف لكي يجدوا ان الجمهور الغاضب حاضر لإكمال المهمة.لكن السؤال البارز اليوم هو: كيف بالامكان إطفاء الحريق الكبير المتمثل بإنهيار سعر صرف العملة الوطنية؟

اقرأ أيضاً: حول الثقب الأسود في المال العام

في معلومات ل”النهار” من مصادر ديبلوماسية غربية، ان تحرّك عدد من سفراء الدول الكبرى في ال 48 ساعة الماضية، منشأه تقديم النصح  والتنبيه من مغبة إنزلاق لبنان الى الفوضى التي تأخذ هذا البلد الى المجهول. لكنها لفتت الى هناك محاولة من بعض الاوساط الرسمية لكيّ توظف هذا التحرّك في مصلحتها. ومن الامثلة، ما يتعلق بالتحرّك الفرنسي الذي ظهر وكأنه متبنيا لخطة لم تبصر النور بعد، ومتعهدا  بإعادة مؤتمر سيدر الى دائرة الفعل وهو أمر ليس مطروحا على بساط البحث حاليا، أقله بسبب إنشغال فرنسا في معالجة نتائج وباء كورونا وما تسبب به من خسائر فادحة في الارواح والاقتصاد معا.

هل أقتصر تحرّك السفراء الغربيين في لبنان على تقديم النصح وإطلاق التنبيه؟ تجيب المصادر بالتأكيد على ان هناك افكارا عدة يتداولها السفراء وغيرهم كثر من الجهات المحلية والعربية والدولية من اجل رسم طريق لإنقاذ لبنان وبصورة عاجلة من مسار الانهيار الذي تسلكه التطورات الداخلية حاليا.ومن أبرز هذه الافكار الذي يمكن وصفها بأنها “برنامج عاجل” يفرمل إنهيار صرف الليرة ويضع الاقتصاد في غرفة العناية الفائقة، هي على النحو الاتي:

1- الشروع فورا في فتح قنوات التفاوض مع صندوق النقد الدولي الذي يملك وحده اليوم مفتاح الحل للازمة المالية في لبنان.

2- تبني بصورة حاسمة مبدأ خصخصة  قطاعات الكهرباء والمياه والاتصالات وفق المعايير الدولية المضمونة من كل النواحي.

3- تسييل أو رهن كل أو جزء  موجودات لبنان من الذهب التي تقدّر قيمتها الان بنحو 17 مليار دولار.

على طريقة لكل سؤال جواب ، توضح المصادر ان لبنان ليس مفلسا كما جاهر أخيرا عدد من كبار المسؤولين، وفي مقدمهم رئيس الجمهورية ميشال عون الذي كان يقول قبل إنتخابه رئيسا ان لبنان بلد منهوب وليس مفلسا، ليتراجع بعد ذلك الى القول ان لبنان صار مفلسا.وقد حذا حذوه رئيس الحكومة حسان دياب.لكن ما دام لبنان غير مفلس، فأين هي المشكلة إذن؟

الدخول في الجواب على السؤال الاخير ، يقودنا بحسب اوساط سياسية واسعة الاطلاع الى فتح ملفات لا يتم حاليا مقاربتها بسبب الحلقة المفرغة من تبادل الاتهامات وتقاذف المسؤوليات. وفي مقدمة هذه الملفات ، ملف الحكومة الحالية التي صار من المستحيل المراهنة على قيامها بواجباتها التي كان من المفترض بها تحملها منذ اللحظة الاولى لقيامها على أساس انها حكومة ذوي الاختصاص. لكن وبعد أشهر من ولادة الحكومة باتت الاخيرة تحمل صفة “حكومة الاشباح” نظرا لإنها مارست ولا زالت تمارس الادوار التي رسمها لها النافذون الذين منحوها الدعم كي تصل الى الحكم.وتضيف هذه المصادر: قيل الكثير ان حكومة الرئيس دياب حكومة “حزب الله”. ولا جدال في أن الحزب كان صاحب القرار الحاسم كي تتشكل هذه الحكومة ، كما ان دعمه لها هو الاساس كي تستمر. لكن هذا النفوذ للحزب، لا يحجب حقيقة ترسّخت في الفترة الاخيرة وهي ان رئاسة الجمهورية صارت تمارس علانية التدخل في تسيير شؤون الحكومة من دون الاخذ بالاعتبار ان الرئاسة الثالثة لها موقعها ونفوذها بموجب الدستور والاعراف معا.ولفتت هذه الاوساط الى ان دوائر الرئاسة الاولى تتباهى بأنها أعادت الى المسيحيين عموما ورئاسة الجمهورية خصوصا، صلاحيات إنتزعها منها إتفاق الطائف والدستور المنبثق منه .وهذا التباهي يستند الان الى التدخل بلا حدود في عمل الحكومة على كل المستويات.

وكي لا تكون هذه الانتقادات من دون سند، تتابع الاوساط نفسها القول: عند إستقالة الرئيس سعد الحريري وصولا الى تنحيه بعد اسابيع كان سعر صرف الدولار في حدود 1500 ليرة للدولار الواحد.لكن ما أن خرج الحريري من السراي بدأ سعر صرف الدولار يرتفع على الرغم من تسمية الدكتور دياب رئيسا مكلفا. بعد ذلك كان من المؤمل ان يتراجع سعر صرف الدولار بعد اعلان التشكيلة الحكومية الجديدة. لكن ولمجرد إنجاز تاليف الحكومة واصل سعر صرف الدولار مقابل الليرة إرتفاعه، عاكسا خيبة أمل الاسواق من وصول حكومة لا تستوفي شروط الاختصاص والاستقلالية. ثم جاءت مواقف الرئيس دياب لكي تقضي نهائيا على أي أمل في لجم تدهور إنهيار سعر صرف الليرة ،وذلك  عندما أعلن اولا ان مدخرات المودعين قد تبخّرت، ثم إطلاقه هجوما غير مسبوق على حاكم المركزي. وحول هذا الهجوم ، تقول الاوساط السياسية، انه كان على رئيس الحكومة أن يستقيل فورا لإنه هو من يتحمّل المسؤولية وليس من يصنّف موظفا كبيرا. واوضحت انه لم يعرف العالم تجربة كالتي مرّ بها لبنان بسبب موقف الرئيس دياب.إذ من المألوف ان يبقى حاكم أي مصرف مركزي بعيدا عن الاضواء لا في قلبها كما يحصل حاليا في هذا البلد. وتسأل الاوساط:هل بقيت هناك ثقة عند احد في لبنان او خارجه كي يودع أي مبلغ في قطاعه المصرفي بعد هجوم رئيس الحكومة على حاكم المركزي؟

وخلاصة القول :ما تقترحه المصادر الديبلوماسية والاوساط السياسية يؤدي الى ان بداية التصدي للانهيار المالي سيكون برحيل الحكومة الحالية، على ان تأتي حكومة من المستقلين فعلا عن نفوذ الفريق الحاكم حاليا والفريق المصنّف معارضا. وإلا فأن الانهيار مستمر والاعظم آت؟

السابق
كيف علّقت ايران على قرار ألمانيا بحق «حزب الله»؟
التالي
بمناسبة عيد العمال.. وقفة احتجاجية في ساحة الشهداء على الاوضاع المعيشية