السلطة البائسة «تؤدب» حارسة الثورة.. «عسكريا»!

طرابلس

مما لا شك فيه بان ما يجري في طرابلس بانه تحول خطير من قبل السلطة السياسة الحاكمة بالذهاب لتصفية حساباتها الخاصة، وتحديدا باتجاه طرابلس المدينة التي رفعت بطاقتها الحمراء بوجه السلطة السياسية، وكانت حارس امين للثورة اللبنانية من خلال التظاهر السلمي، والمميز الذي واكبتها المدينة طوال فترة التظاهر. فان الذي يحدث  اليوم هو بمثابة تأديب خطير لهذه المدينة العريقة المميزة بوطنيتها، ونضالها التاريخي .

لقد انتفض اهل المدينة بسبب الفقر والجوع، وغياب السلطة عن تأدية واجبها امام مواطنيها الذين ضاقت بهم الامور بسبب الفقر والحجر الصحي، وكأن انتشار الوباء وحجر الناس ساعد السلطة في تصفية الثورة.

فالانفجار كان متوقع مع ازدياد الوضع سوءً ، لكن كانت الشرارة التي جاءت من طرابلس بحرق المصارف فيها، فمن الذي اعطى الامر بالحرق ولماذا الحرق جاء بعد الحرق في صيدا، وفي ظل الهجمة على رياض سلامة.

 لماذا دفع بالجيش للمواجهة مع المنتفضين الفقراء في طرابلس واستعمال القوة معهم، ولماذا ضرب الجيش بالحجارة وحرق الاليات.

طبعا السلطة عجزت عن مواجهة رياض سلامة وتدجينه ووضعه تحت سيطرتها وخاصة بان رياض سلامة اعلن بانه سيقدم بعض المعلومات عن تهريب الاموال والمواجهة مع حسان دياب الذي شن هجوما موجها ضد سلامة مما يعني بانه لا يمكن ازاحته او السيطرة عليه .

وترك الجيش في المواجهة لحسم الموضوع الامني  والتشابك مع المتظاهرين، لقد ارادت السلطة خنق طرابلس من خلال وضعها بالمواجهة مع الجيش، وبالتالي التفرد بالمدينة باعتبارها انها واجهت الجيش، فالجيش من المؤكد لدى كل الشعب اللبناني هو خط احمر، وكذلك اهل طرابلس.لكن السيناريو الذي يدفع بالجيش هو سيناريو انتقامي يراد من خلاله الاطباق على الانتفاضة ووضعها في مواجهة مع الجيش، وبالتالي يمكن بسهولة التحكم بها وهذا ما اشار اليه وزير الداخلية في 27 اذار الماضي عندما حاول ازالة الخيم وفتح الساحات بأزمة الانكفاء الذي حدث نتيجة سيطرة وباء “الكورونا”.

اقرأ أيضاً: الاستقطاب الطائفيّ ينقضّ على اللبنانيّين وثورتهم

لم يكن أي شخص يرى ويراقب الوضع اللبناني ويظن بان الانتفاضة قد تنتهي بل ستكون اقوى واجدر وربما ستخلق حالة من القوى التي منعت اندلاعها الانتفاضة الاولى، لكن مع تدهور الوضع سيكون هو الدافع وراء الفلتان الذي قد ينتج في البلد نتيجة تردي الاوضاع في كافة المناطق اللبنانية.لكن مع اندلاع المواجهات الجديدة وما تحمل في خلفياتها من مآرب سيئة تحيكها السلطة واحزابها عن طريق الاعمال المدسوسة كذريعة لقمع الثورة وجر الانتفاضة والمنتفضين لمواجهة مع الجيش كردة فعل، لكن لن يتحقق .

لان وعي الناس  المنتشرة في الشوارع ومعرفتهم للفخ المنصوب، لن يسمح بتنفيذ هذه التوجهات البشعة، لان اهل طرابلس ولبنان كله لن يقبلوا بضرب المؤسسة العسكرية، والدخول معها بصراع، وخاصة بان الشماليين يشكلون حوالي 60 بالمئة من المنتسبين للمؤسسات الامنية.

التراشق بالحجارة والمشاركة في ردة الفعل لن ينفع المنتفضين انما الرد الفعلي هو عدم المواجهة مع العسكر، وانما النزول بكثافة الى الساحات بطريقة سلمية سيدفع الجيش للتراجع وحماية المنتفضين كما كانت الحالة سابقا ، فالتراشق سيؤدي الى خنق التظاهر ومنع الانتفاضة من التظاهر.لكن في المضمون لماذا كانت هذه الهجمة من قبل المعنين على رياض سلامة وادخال الجيش في مواجهة مع الناس نرى ذلك من خلال التالي: 

اقرأ أيضاً: ليالي طرابلس الحزينة تستعيد الثورة اللبنانية!

يمكن الهجوم الذي تم ضد رياض سلامة هو هجوم استباقي لإخراجه من سباق الرئاسة القادمة.

وهذا ما ينطبق على ادخال الجيش في المواجهة واعمال القمع المفرط والدموي في طرابلس، بالطبع هي توجيه ضربة قوية لقائد الجيش لا حراجه ثم اخراجه ايضا من حلبة سباق الرئاسة .

ليس صدفة محاولة المواجهة مع شخصين قويين في المعادلة السياسية، ولهما علاقاتهم الخارجية الدولية والعربية حيث كانت كل الاشارات تشير بان الرجلين خط احمر وممنوع التعدي عليهم من السلطة الحاكمة واحزابها نظرا لحساسية المهمة الذي يمارسنها في بلد بات يتعرض لانهيار وفوضى تهدد مصيره ومصير شعبه واعادته الى العصر الحجري كما اشار الكاتب المحلل الروسي “الكسندر نازاروف” في موقع روسيا اليوم في 27 نيسان الحالي.

بظل المحاولة الحثية للسيطرة على المؤسستين والطموح الموجود لدى بعض الاطراف لوضع الدولة في اجندة محور الممانعة لتحقيق اوراق اضافية تمنح للمفاوض الايراني في ادارة مفاوضته مع الادارة الامريكية .

بالطبع هذا يتطلب من الانتفاضة اللبنانية العودة الى اصالتها للتحرك والوقوف بوجه هذه السلطة وعدم اعطائها الى نقاط تساعدها في لملمة اشلائها للانقضاض على الثورة ، فمهمة الثوار ليس الوقوف بوجه الجيش والصراع معه بغض النظر عن أي اخطاء فردية ترتكب بحق المتظاهرين لان الجيش خط احمر.وبنفس الوقت عدم الانجرار نحو التوجه الهادف الى الانخراط بمواجهة مع المصارف كأداة تنفيذية للكباش السياسي الدائر بين المصارف والبنك المركزي والطبقة السياسية الحاكمة، لان الطبقة الحاكمة تريد ان تقود ماليا وامنيا وسياسيا ولكن فقط من الوراء دون الظهور الى العلن وتحمل المسؤولية المباشرة نتيجة العقبات المترتبة على ذلك.

السابق
لا «كوكا كولا» في لبنان بعد اليوم!
التالي
ألمانيا باغتتْ لبنان بحظْر «حزب الله»… فأي تداعياتٍ على حكومته؟