الطبقة السياسية شرّ البليّة

الحكومة اللبنانية والكورونا

لم يكن الكلام عن تشكيل جبهة معارضة لإسقاط الحكومة حقيقياً وواقعياً، ذلك انّ سببين اساسيين يقفان بقوة امام تحقيق هذا الهدف: الاول، الخلافات العميقة والحسابات المتضاربة، لا بل المتناقضة، التي تمنع القوى المعارضة من التفاهم على برنامج عمل واحد وكامل ومفصّل. والثاني، ثبات المظلة التي تدعم بقاء الحكومة واستمرارها، الذي يقوم على ركيزتين هما «حزب الله» وواشنطن ولو من زاويتين مختلفتين، الّا انّ الطرفين يلتقيان على انّ مرحلة ما بعد تطيير الحكومة ستعني الفوضى الشاملة وانهيار ركائز الدولة، وهو ما يتعارض مع مصالح «حزب الله» ومصالح واشنطن ايضاً.

كذلك بدا انّ فكرة اجراء تعديل وزاري، والتي تتحدث عنها همساً اطراف موالية بحجة تجديد شباب الحكومة، تعترضها عقبتان رئيسيتان:الاولى، تتعلق بأسماء الوزراء الجدد. صحيح انّ التشاور الضيّق يتحدث عن ستة وزراء يجب ان يشملهم التعديل: سنّي، شيعي، درزي، كاثوليكي، ارثوذكسي وماروني، الّا انّ المشكلة هي بين من يتمسّك بعودة سياسيين، فيما رئيس الحكومة يرفض بقوة هذه الفكرة. ومن هنا يُفهم ما يُطرح في الكواليس الضيّقة من ملاحظات حول اداء وزير الخارجية.

اقرأ أيضاً: الثلاثي المعارض الى المواجهة المشتركة.. هل تسقط الحكومة؟

والعقبة الثانية تتعلق بالتوقيت، خصوصاً انّ ما ينتظر الحكومة هو اعلان الخطة الاقتصادية واجراء اصلاحات لن تكون شعبية. فهل يجب ان تكون الخطوة قبل الاصلاحات أم بعدها، مع الاشارة الى انّ هنالك من يعتبر ان لا حاجة لكل هذه «الورشة» اذا لم يتمّ ادخال وزراء سياسيين؟

الواقع، انّ الطبقة السياسية أكانت موالية ام معارضة لا فارق، تعتقد انّ اللحظة التاريخية التي أطلقت ثورة 17 تشرين لن تتكرّر، وانّ الحراك الشعبي انحسر وانتهى ولن يعود، وانّ اجراءات العزل التي فرضتها الحرب على «كورونا» نقلت المزاج الشعبي الى مكان آخر، ما يعني انّ الظروف باتت تسمح بعودة السياسيين مباشرة الى حلبة الحكومة.

لكن الواقع على الارض لا يتفق كثيراً مع هذه النظرية. ففي التقارير الديبلوماسية المستندة الى استطلاعات رأي خاصة والى تواصل مباشر مع الشارع، ثمة كلام عن توسّع الهوة بين الناس والطبقة السياسية، اكانت موالية ام معارضة، وأنّ نسبة «الثائرين» ارتفعت عمّا كانت عليه يوم دخل فيروس «كورونا» الى لبنان.

وعليه تشير التقارير الديبلوماسية، الى انّ مرحلة ما بعد «كورونا» قد تشهد حراكاً ربما اقوى واوسع من الحراك السابق، خصوصاً مع الانهيار الاقتصادي والمالي الحاصل ووصول نسبة العاطلين من العمل الى مستويات مخيفة.

وما من شك انّ حال الطلاق وانعدام الثقة بين الشارع واطياف الطبقة السياسية يستند الى ملفات عدة، ساهمت في حصول الانهيار الاقتصادي وإفقار البلد:

1- العجز المتمادي في كهرباء لبنان، والذي كلّف الدولة اللبنانية في السنوات العشر الاخيرة وحدها نحو 30 مليار دولار، مع وضع علامات استفهام حول ظهور الفيول «المغشوش» أخيراً .

2- تمويل الكلفة التشغيلية للقطاع العام الذي يعاني من تضخّم موصوف في حجمه، وجاءت سلسلة الرتب والرواتب غير المدروسة عام 2018، لتضاعف حجم المشكلة وسط مزايدات شعبوية، والكارثة، انّه جرى استتباعها بتوظيف اكثر من 5 آلاف شخص في القطاع العام خلافاً لقانون الموازنة آنذاك، وبدوافع المصالح الانتخابية البحتة، بهدف «رشوة» الناخبين، وهو ما يعكس حقيقة ذهنية اطياف الطبقة السياسية.

3- التهرّب الجمركي والضريبي، والذي كلّف خزينة الدولة ولا يزال عشرات المليارات من الدولارات في السنوات العشر الأخيرة، حيث أحجمت الحكومات المتعاقبة عن اجراء اي اصلاحات مطلوبة.

4- العجز التجاري المتمادي منذ عام 2011 والذي وصل الى حدود الـ 17 مليار دولار عام 2019. وهو ما ادى الى استنفاد احتياطات مصرف لبنان المركزي من العملات الاجنبية في شكل مستمر. ورغم الدعوات الكثيرة والتي بقيت خطابية، فإنّ اي خطة لم توضع لتحفيز قطاعات الانتاج وتحويل لبنان اقتصاداً منتجاً، ما ادّى الى تدهور قيمة صادراتنا وارتفاع قيمة الاستيراد، ما يعني توسّع العجز في ميزان المدفوعات.

5- الكلفة المرتفعة لسياسة تثبيت سعر صرف الليرة، والتي وصلت الى عشرات المليارات من الدولارات، وادّت تالياً الى ارتفاع الفوائد على الودائع المالية من اجل استقطاب العملة الصعبة واستخدامها في الدفاع عن الليرة، علماً انّ المطلوب كان بناء نموذج اقتصادي منتج وتأمين استقرار سياسي، وهو ما لم تؤمّنه الطبقة السياسية ونزاعها على السلطة.

أضف الى ذلك، سلسلة الاضطرابات السياسية والامنية بدءاً من عام 2005 مع اغتيال الرئيس رفيق الحريري، مروراً بالاغتيالات التي حصلت والمواجهات الامنية وحرب تموز والفراغ المتمادي في المؤسسات الدستورية وتداعيات الحرب السورية على لبنان.

ووفق ما سبق، فالواضح انّ مسؤولية الانهيار الحاصل تقع في المرتبة الاولى على الاطراف السياسية، التي تعاطت مع الملفات الكبرى من زاوية مصالحها الخاصة الانتخابية، ووفق مبدأ السلطة والمال، لا التخطيط ومصلحة المجموعة.

ثم تأتي مسؤولية مصرف لبنان وبعده القطاع المصرفي، كونهما استمرا في تمويل القطاع العام وسياسات الحكومات، من دون تأمين شروط اصلاحية بالتوازي مع إمداد الدولة بالتمويل المطلوب. لكن لا بدّ ايضاً من تحميل الشعب لجزء من المسؤولية، فهو استمر في انتخاب هذه القوى السياسية نفسها خلال الدورات الانتخابية وصدّق في كل مرة اللعبة الدعائية نفسها والقائمة على رفع منسوب المواجهة الطائفية والمذهبية.

ربما من هنا اهمية منعطف 17 تشرين، وربما لذلك لم ينتهِ بعد مفعول «اللحظة التاريخية»، لأنّ الناس تريد ان تثأر لنفسها كما يعتقد احد الخبراء السياسيين.

السابق
عدوان اسرائيلي في سماء تدمر.. والنظام السوري يتصدّى!
التالي
تفاؤل حذر يحكم المشهد «الكوروني».. ومخاوف من عرقلة الظروف المعيشية مسار الثبات!