بسام الحلاق.. رواية دامية لم ترحم «عزيز قوم ذل»!

اللاجئين السوريين

مشهد اللاجىء السوري بسام الحلاق وهو يحترق لا يمكن ان ينسلخ من الذاكرة، صبيحة يوم الأحد الذي مضى، قبل الساعة الثامنة صباحا، كان الحلاق قد نفذ قراره، صبّ البنزين على كامل جسده واشعل نفسه على مقربة من مسكنه في تعلبايا، وسار بهدوء وظلّ يمشي كشعلة من نار تتلبس جسد انسان وتسير بهدوء الواثق، لم ينتفض الجسد، كأنما كانت النار مطرا خفيفا، او هواء عليلا، يلفح بسام الحلاق، لم يركض ولم يصرخ، ولم يخن جسده ما كان قررته النفس، او ذلك التوق للخروج من هذه الحياة احتراقاً، بقي يخطو بهدوء الواثق، عشرات الأمتار، لم ينحن، فقط تقدم بلا تردد نحو موت بدا كأنه طوق نجاته.

إقرأ أيضاً: نار الجوع تلتهم «نازح تعلبايا» قبل الكورونا.. وابنه يروي تفاصيل الذل اليومي!

لم ينتفض الجسد، كأنما كانت النار مطرا خفيفاً، او هواء عليلا، يلفح بسام الحلاق!

في منزل العائلة في الطابق الثالث من مبنى يقطن معظمه لاجئون سوريون، في بلدة تعلبايا كانوا بضعة افراد لا أكثر، قبل ظهر اليوم (الاربعاء) جلس نجلا بسام الحلاق وابن شقيقته واحد اقربائه، يتقبلان العزاء، اعراض الكورونا اجتماعيا، ربما كانت سبباً لعدم قدوم معزين، مأساة ماجرى ظاهرة في وجوه افراد العائلة. الغربة واللجوء والعوز ومعهم الكورونا، تكفي لتقهر هذه العائلة الصغيرة الهاربة من الموت في سوريا، فمنذ العام ٢٠١٤ قدم بسام الحلاق وعائلته بعدما صارت الحياة في داريا (قرب دمشق) مستحيلة، بسبب الحصار والدمار وما يتبعهما من مآس، تعلبايا البقاعية كانت ملجأ لهم، ولكن العيش كان صعباً، يروي ابن شقيقة الحلاق لـ”جنوبية” حكاية موت خاله، هو موت بدأ منذ خرج مكرها من داريا، وهو كان اول من شاهد احتراق خاله، لكنه كما يؤكد، انه شاهد رجلاً مشتعلاً، حين كان يرتشف القهوة صباح الأحد فوق سطح المنزل، سارع في اتجاهه، وحاول ان يطفىء النار، من دون ان يعرف من الذي يحترق، يضيف، ان احدهم ممن كان يرى المشهد المفزع والمريع، قال انه احرق نفسه بسبب اصابته بالكورونا، صدّقت الأمر في البداية، وكنت اصرخ بالرجل الذي يحترق امامي ونحن نحاول اطفاء النار، لماذا فعلت بنفسك ذلك، وكان حينها قد جلس ورد بهدوء هل يعجبك ما نحن فيه؟ وحتى حين تكلم وكان جسده يذوب ويذوي، لم يصرخ قال هذه الكلمة، ولم اعرف من هو، ظننته احد المارة ولم يخطر ببالي ان يكون احد اقاربي أو معارفي.

جلس بسّام ورد بهدوء هل يعجبك ما نحن فيه؟ وحتى حين تكلم وكان جسده يذوب ويذوي، لم يصرخ!

لم يعرف أن والده هو الذي يحترق أمامه!

بقي جالسا الى حين حضرت سيارة الصليب الأحمر، بعد نحو ساعة من الاحتراق، يقول نجل الحلاق، انه لم يعرف ان من احترق هو والده، “حين اقتربت منه كنت ارى جسدا محترقا، معالم الوجه والجسد تغيرت، الى ان ذكر احد الواقفين انه سأله عن اسمه فاجاب وسام الحلاق، في هذه اللحظة صرخت انه ابي…وما اسم وسام الا بسام، ولكن التبس الاسم على السامع، فظن انه وسام.

لعل المأساة هي فيما يلي، بعد نقله الى مستشفى البقاع، في الساعة التاسعة، لم تكن المستشفى مهيأة لمعالجة هذا المستوى من الحروق، قيل لأهله ان مستشفى الجعيتاوي في بيروت مستعدة لاستقباله مقابل مبلغ ٢٠ الف دولار، مفوضية شؤون اللاجئين لم تتجاوب بالسرعة المطلوبة، الموافقة لم تصدر، برز خيار آخر لنقله الى مستشفى السلام في طرابلس مقابل دفع مليوني ليرة كضمانة، مرت الساعات بانتظار صدور موافقة من مفوضية اللاجئين ومحاولات العائلة جمع مبلغ مليوني ليرة، والى حين صدور الموافقة وتجميع جزء من المبلغ، كان بسام قد اسلم الروح في مستشفى البقاع عند الساعة الخامسة من بعد ظهر الأحد.

رحل بسام الحلاق، لا لأنه مصاب بمرض عضال، ولا لكونه مختل عقليا او نفسيا، كان “مريضا” بعزة النفس!

رحل بسام الحلاق، لا لأنه مصاب بمرض عضال، ولا لكونه مختل عقلياً أو نفسياً، كان “مريضاً” بعزة النفس، بعدم قدرته على مدّ اليد، بالابواب المغلقة من قبل مزاجية موظفي مفوضية شؤون اللاجئين الذين جاؤوا بعد موته ليبدوا استعدادا لمساعدة عائلته، فيما هم انفسهم من كانوا يصدّون الابواب في وجهه، كذا ممثلين لجمعيات اغاثية جاؤوا بعد موته ليعدّوا تقارير في سبيل المساعدة، يضيف نجل الفقيد، ما الفائدة من مجيئكم اليوم لقد مات من كان يجب عليكم مساعدته..

الازمة الاقتصادية

يقول احد الجالسين من العائلة، ان بسام الحلاق مع نجليه في الاشهر الاخيرة قد ضاقت الاحوال بهم بعدما فقدوا فرص العمل، وجاءت الكورونا لتزيد من الأزمة، ورغم ذلك لم يعرف حتى جيرانه، انهم في حال بالغة السوء معيشيا، موته صدم الجميع، لم يطلب ولم يشكو…

في ذلك الصباح خرج من بيته احضر مادة البنزين وقرر ان يغادر الدنيا في موقف احتجاجي على ما يعانيه، اراد ان يواجه العالم الذي لم يزل يتفنن بظلم المقهورين، موت صارخ وحارق للضمائر او ما تبقى منها، علّها تستفيق على مأساة اللجوء السوري، تلك النار التي لم تزل تلتهب لتحرق اصحابها ولا تهز ضمير العالم.

السابق
بعد باريس.. لبنان يستقبل العائدين من مدريد واسطنبول!
التالي
إطلالة «خفيفة» لنصرالله.. ماذا عن رسائل «المجاهدين»؟!