«مقاربات معرفية».. العراق يستغيث: ما أحوجنا إلى حاكم «مستبد» مستنير!

العراق

المواصفات المطلوبة

حين تقرأ المواصفات الواجب توفرها برئيس الوزراء القادم، والتي طُرحت للرأي العام وللكُتل السياسية من قبل شباب ساحات التظاهر، فأنت هنا أمام مطالبة بحاكم قوي مستبد نوعاً ما ولا نقصد هنا الإستبداد بمعنى ظلم الشعب وإنما بمعنى قوة القرار الصائب وعدم التأثر والتراجع عن أي قرار في مصلحة الجميع. هذه المواصفات والتأييد لها، تبين حاجة الشارع العراقي لحاكم قوي مع جانب من الإستبداد لصالح الشعب، يستخدمه لضرب أذرع العابثين بمصير الوطن ومقدرات الشعب، لكن بشرط أن يأتي هذا الحاكم القوي من خلال الآليات الدستورية وليس من خارجها، ومطالبة شباب الساحات بأن يأتي وفق الأطر الدستورية هي دليل واضح على رغبة هؤلاء الشباب بالبناء وإتباع الطرق القانونية والدستورية في أي تغيير.

اقرأ أيضاً: اللبنانيون يعرفون… والعراقيون يعرفون

هذا الحاكم المُطالب، يُسمى في الأدبيات الفلسفية والسياسية بالحاكم المستبد المستنير. مواصفات هذا الحاكم متنوعة حسب التَنظير ومنها قوي ومثقف، ويعمل لمصلحة الشعب وليس للطبقات السياسية أو الفئوية الخاصة، و همه الأول والأخير هو العدالة والتنمية وضرب يد اي جهة تحاول العبث والتخريب والفساد سواء جهة سياسية أو شعبية، هذا الحاكم يملك رؤية واضحة ويعرف ماذا يريد ويعرف مرض بلاده والعلاج.

نعم نريد حاكماً قوياً مستنيراً يأتي عبر صناديق الاقتراع وليس عبر أي طريق آخر.

الحاكم المستبد

مجلس النواب العراقي
مجلس النواب العراقي

فكرة الحاكم المستبد المستنير طرحها بصورة غير مباشرة الفيلسوف المسلم أبو نصر الفارابي (870-950م) بكتابه (آراء أهل المدينة الفاضلة)، حيث نَظّر الفارابي وقال ما معناه لابد من وجود حاكم يضبط إيقاع وحركة الجماهير والبلاد تتوفر فيه شروط معينة، لأن البلاد بدون حاكم قوي ستعم فيها الفوضى.كذلك تناول الموضوع الفيسلوف المسلم إبن سينا (980-1037 م) وقال ما معناه إن الإنسان يحب الإجتماع والتجمع وبتجمعاته ستكون هناك خلافات بين افراده لذا لابد من وجود حاكم يضبط الأوضاع ويعم تحت سلطانه العدل والأمان.

محمد البدر

بعدها أتى الفيلسوف الفرنسي فولتير (1694-1778) فولتير عاش فترة صراع الشعوب الأوروبية مع الأنظمة الإستبدادية ومع الكنيسة وشاهد مقدار الإنفلات والفوضى بين الجماهير وكذلك شاهد مقدار التعسف والظلم من السلطة، فطرح فكرة الحاكم المستبد المستنير ونظّر لذلك وقال إن هذا الحاكم لا يظلم الشعب ولا يسرقهم وليس شرط أن يأخذ رأيهم في كل شاردة وواردة المهم أن يكون لديه هاجس العدل والمساواة. هذه الفكرة حاول تطبيقها الكثير من ملوك وأمراء أوروبا مثل الإمبراطور البروسي فريدريك الثاني عام 1740، وملكة روسيا كاثرين الثانية عام 1762.كذلك إمبراطور الإمبراطورية الرومانية المقدسة جوزيف الثاني عام 1765 وهناك مقولة لهذا الإمبراطور تقول (كل شيء من أجل الشعب، ولا شيء بأيديهم) بمعني نعمل لمصلحتهم لكن ليس شرط أن نسمع رأيهم.الفيلسوف والإقتصادي الإنكليزي جون ستيوارت (1806-1873) في كتابه (عن الحرية) يقول (إنّ الحكم المطلق المستنير ضروري لمواجهة الأفعال البربرية).

طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد

هذه من جهة الفكر السياسي الغربي خلال عصر التنوير والفكر السياسي الإسلامي القديم، أما في الفكر العربي والإسلامي الحديث لدينا المفكر السوري عبد الرحمن الكواكبي (1855-1902) الذي تناول جانب من الموضوع في كتابه (طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد) وقال إن المستبد يظلم ويتخذ القدسية غطاء للرد على الشعوب والعوام ينخدعون بهذا الغطاء ويدافعون عنه وقال (العوام هم قوَّة المستبد وبهم يصول طبعاً فرق كبير بين ما ارادوه فلاسفة عصر التنوير الأوروبي وبين ما يعنيه الكواكبي، لذا علينا التفريق بين ما يعنيه الحاكم القوي وبين ما يعنيه الكواكبي بنقده للحكم المطلق. نلاحظ كيف إن الفلاسفة والمفكرين والمُنظرين يولون موضوع الحاكم القوي أهمية بالغة ويعقدون على توفره كل الآمال، وكيف إن الشعوب وقت الأزمات تنشد مجيء الحاكم القوي العادل.

اقرأ أيضاً: توافق واسع على مرشح لرئاسة وزراء العراق.. والمالكي يعترض

العراق تلهف لحاكم قوي

العراق
العراق

المُقاربة إننا اليوم نرى في العراق تلهف ودعوة وتشوق لحاكم قوي يعيد هيبة الدولة ويعيد هيبة القانون ويعيد الحياة لمؤسسات الدولة و يفرض كلمته ويفرض ارادته، بعد ماعانى الشعب من ضعف الدولة وإستغلالها من قبل مختلف الجهات التي عملت على إسقاط هيبة الدولة والقانون وإستغلال مؤسسات الدولة لمصالح خاصة بعيدة عن الغاية التي وضعت من أجلها هذه المؤسسات، الشعب يريد هذه القوة وهذا الفرض يُوجه ويُفرض على الطبقة السياسية. لكن السؤال، هل فقط الطبقة السياسية تحتاج قوة وفرض للقانون عليها، أم إن الأمر يشمل كل فئة تحاول التلاعب والاستغلال والإفساد سواء كانت جهة سياسية أو شعبية؟ أعتقد إن القانون يجب أن يطبق على الكل، لكن حين يرى الشعب إن المسؤول الكبير والمتنفذ والكتل السياسية تخضع للقانون ويُطبق عليها القانون، فإن الشعب حينها سيساند كل وأي تحرك لتطبيق القانون ولن يكون هناك إعتراض إلا نادراً وسيقف الشعب بوجه كل من يعترض على تطبيق وفرض القانون.

إن الحاكم المستبد يظلم ويتخذ القدسية غطاء للرد على الشعوب والعوام ينخدعون بهذا الغطاء ويدافعون عنه

نعم نريد حاكماً قوياً مستنيراً يأتي عبر صناديق الاقتراع وليس عبر أي طريق آخر. حاكم يضرب على يد أي جهة سياسية أو شعبية تحاول خرق القانون أو إستغلال البلد لمصالحها.لا يهم دينه أو مذهبه أو عرقه مايهم أن يكون حازماً في قراراته وعادلاً في تنفيذها ولا يهادن على حساب مصالح الشعب، ويقدم الهوية الوطنية العراقية على كل انتماء آخر. هل نستطيع إنتاج هكذا نموذج؟ هذه متروكة للشعب.

السابق
بدعوى من «التقدّمي».. «الأخبار» أمام القضاء!
التالي
النجوم يهربون إلى أنغامي: «روتانا ليست لنا»