«العنف» لغة السلطات العربية في قمع الاحتجاجات.. والشعوب ترفض الصمت!

لبنان ينتفض

شهد خريف عام 2019 تحول في الجغرافيا السياسية في دول الشرق الأوسط، استمراراً لتمرد السودان والجزائر وقدرتهما على هز أركان الحكم ومحاكمة جنرالات السلطة والبحث عن نفس جديد من الحرية السياسية للبلاد، ليخرج الشارعان العراقي واللبناني في انتفاضة عنوانها الاقتصاد وتتأثر سوريا المنكوبة بصرخات الحرية وتتردد في عدة مدن عادت للنشاط الثوري رغم قبضة الأسد الأمنية بشراكة الحليف الروسي العنيد.

بشار الاسد
رفعت قوات الأسد صوره وشعاراته أثناء حملاتها العسكرية

في ضوء ذلك قاومت السلطات الأمنية المظاهرات في غالبية المدن العربية الثائرة، وتعددت أشكال القمع من استخدام للغازات المسيلة للدموع إلى الرصاص المطاطي وصولاً للرصاص الحي، لكن ذلك لم يثنِ من عزيمة المطالبين بالتغيير بل زادهم إصراراً في السعي خلف طموحاتهم.

إقرأ أيضاً: سوريا.. مسلسل الموت الكامل: «كافة الأشكال هنا»

ما يجمع تلك المظاهرات عدا تطلعات الشعوب هو العنف الذي تمارسه السلطة والذي يظهر عربياً في مثال واضح ضمن سوريا، حيث بات “السيناريو السوري” ليس حكراً على المستقبل السياسي بل أيضاً عبر القلق من تكرار أساليب العنف والقمع التي ارتكبها نظام الأسد على مدى السنين التسع الماضية.

العنف الأسدي

لا شك أن الأنظمة المستبدة تتشابه في تركبيتها الأمنية وتعمل على قمع الحريات بكافة الوسائل الممكنة، لكن توحش نظام الأسد في الإفراط باستخدام القوة منذ اليوم الأول للثورة السورية جعله مثال للتوحش في العنف والذي لم يتوقف عند سلاح فتك أو طريقة تعذيب جسدية، جنسية أو نفسية إلا واستخدمها في القمع. وحتى أن مصطلح “الشبيحة” الذي ارتبط خلال التسعينات بعصابات من آل الأسد في مدينة اللاذقية وانتقل مع بداية الثورة ليشمل ميليشات الأسد التي تقتل وتفتك دون رادع أو ضوابط أمنية، بات اليوم معمماً في عدة دول عربية وشاهدنا استخدامه في وسائل الإعلام اللبنانية مؤخراً كما على ألسنة محللين ونشطاء، حتى أن بعض المحللين ذهب لاعتبار أن العنف الذي ارتكبه نظام الأسد شكلّ منهجاً في أساليب التعذيب عربياَ وهو ما يرسخ استمرار هذه المظاهر وانتقالها بين دولة وآخرى، وزنزانة وأخرى ومعتقل وآخر.

تعرض ناشطو العراق لإصابات مباشرة في ساحات التظاهر

ثقافة الخوف

تظهر الثقافة حين تجتمع عدة مكونات فنية واجتماعية لتصنع حالة تعبر عن مجتمع ما، ولكنها في مكان ما قد تنحو نحو المفهوم السلبي إذا ارتبطت بسواد أعظم من الناس يعانون من هم مشترك. هكذا رسخ النظام السوري الخوف كردة فعل على العنف المتبع من قبل أجهزته الأمنية، فتعددت أشكال الخوف حتى باتت نمطاً من المشاعر العامة التي تواجه السوريين أينما حلوا ولو غادروا الجغرافيا السورية، هكذا يروي “عصام، 26 عام” مقيم في لبنان قلقه من منظر الأجهزة الأمنية حين يبصرها في الشارع، ليس خوفاً منها كعناصر لبنانية بعينها، بل من رعب داخلي محركه مشهد السلاح واللباس المموه، وهذا ما يعني عدم تخلصه من ثقافة الخوف التي زرعها في داخله نظام الأسد.

إقرأ أيضاً: إسرائيل تحذّر من تحويل سوريا إلى «فيتنام» إيرانية

الذاكرة اللبنانية-السورية

إذا ما أردنا أن نسأل عن توحش نظام الأسد خارج سوريا، فسيكون الجواب الأكثر مباشرة هو لبنان الذي تعرض ليهمنة سورية عسكرية بعد الحرب الأهلية، حفرت في ذهن شريحة واسعة من اللبانيين نموذج العسكرة المرتبط بمنهج نظام الأسد من حواجز التفتيش إلى مراكز الاعتقال والسجون العسكرية. وهو ما يستذكره اللبنانيون كجرح في الذاكرة ليس من السهل تخطيه من ناحية، وكحالة شفقة على السوريين الهاربين من بطش الأسد الذي خبره لبنان. بالمقابل كبرت خشية من تحول العنف في التعامل مع الحراك اللبناني من قبل الأجهزة الأمنية في لبنان إلى شكل من أشكال “العنف الأسدي” فضلاً عن استمرار الهيمنة السياسية للنظام السوري على قطاع ليس بالقليل من السياسين اللبنانيين.

شهد الحراك في لبنان صدامات متعددة المستويات من حيث العنف

هذا إذا ما لاحظنا أن طيف واسع من ناشطي الحراك السلميين سبق ووقفوا مع حقوق الشعب السوري ورفضوا التعامل الوحشي من قبل نظام الأسد، ما يدل أن العنف كما ينتقل بين نظام وآخر، فإن ردة الفعل لمقاومته ونبذه تنتقل من شب لآخر، ولذا يتشارك النشطاء العرب اليوم صور مقاومتهم العنف بفخر كما تداولوا صور السلمية وهتفوا لحرية بلادهم العربية من كافة الميادين الثائرة.

السابق
«الهلال الإيراني» إذ يتحوّل «هلال بؤس وإفقار»
التالي
وزارة المهجرين تستعيد نشاطها بوجه نسائي.. من هي غادة شريم؟