أسرار دواليب 14 كانون الثاني لكي تأتي حكومة دياب!

احمد عياش

عودة حركة الاحتجاجات في 14 الجاري، أتت في ظروف لم تكن ذاتها في 17 تشرين الاول 2019. في التاريخ الاخير، أدت تلك الحركة الى إستقالة حكومة الرئيس سعد الحريري. أما اليوم، فتبدو ان هذه الحركة ذاهبة للاتيان بحكومة جديدة يترأسها الدكتور حسّان دياب .فما هي المعطيات التي أعطت لدواليب 14 كانون الثاني 2020 نتائج مختلفة كليا عن حرائق 17 تشرين الاول من العام الماضي؟

في جلسة حوار شارك فيها سياسيون وناشطون بعد مرور ساعات على ما جرى في شوارع لبنان أخيرا، وتابعت “النهار” وقائعها، تبيّن وفق المعلومات التي تداولها المشاركون، ان هناك قرارا رسميا بعدم الوقوف في وجه هذه التحركات التي أدت الى قطع شرايين المرور في معظم البلاد، من دون أن تبادر القوى الامنية، ولا سيما الجيش الى فتح الطرق، كما كانت تفعل لإيام خلت.وتلقى احد الناشطين خلال الجلسة صورة عبر “الواتساب” من وسط بيروت تظهر إحتشاد المتظاهرين مساء اليوم نفسه مع تعليق من مرسل الصورة:”ليس هناك من وجود للقوى الامنية في المكان كما  كان سابقا، فهل ستنزل مجموعات من خندق الغميق لتهاجمنا؟”

اقرأ أيضاً: لبنان «بلد العجائب» في مرمى «توبيخ» المجتمع الدولي من أداءٍ «لا يُصدَّق»

بالطبع ، لم يستمر حياد القوى الامنية طويلا، فأنتهى ليلا في شارع الحمراء ومتفرعاته من اجل وقف اعمال الشغب التي ألحقت أضرارا بعدد من فروع المصارف في المنطقة.

ماذا وراء الانكفاء الامني لساعات طويلة عن فتح الطرق؟ ليس هناك من جواب رسمي على هذا السؤال، لكن هناك تقديرات من المراقبين ان هناك فعلا قرارا كي تكبر حركة الاحتجاجات الاخيرة  من اجل ان تبعث بالرسالة المنوطة بها ، ألا وهي: “على المعنيين تشكيل الحكومة الجديدة بلا إبطاء.”

في معلومات مستقاة أيضا من الجلسة المشار اليها، ان النائب اللواء جميل السيّد ، الذي يصنّف حليفا لدمشق ، وكذلك ل”حزب الله” ، كان يمثل بمواقفه وإتصالاته قوّة الدفع الرئيسية لولادة الحكومة الجديدة.ولم يكن توصيف رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط  لدور النائب السيّد بعيدا عن الواقع، عندما صرّح بعد زيارته الاخيرة لرئيس مجلس النواب نبيه بري: “اتصلت باللواء جميل السيد … بعد ان عرفت انه من الذين يشكلون حكومات…”علما ان الاخير ردّ على جنبلاط قائلاً أنه “لا يعلم إذا كان ما ذكره جنبلاط قصة ذاكرة أم تحريفًا للواقع”. وتفيد هذه المعلومات، أن “حزب الله” الذي يقيم تحالفا وثيقا مع الرئيس بري الذي يتوجس من النفوذ الذي يمارسه النائب السيّد، لم يشأ ان يكون اللاعب المباشر في تسهيل ولادة الحكومة الجديدة، فأناط هذه المهمة بالسيّد .وللاسباب نفسها، إنكفئ الحزب عن القيام بدور التسهيل ايضا، بسبب تحالفه مع رئيس الجمهورية ميشال عون وتاليا مع “التيار الوطني الحرّ” الذي يريد الثلث المعطل في الحكومة المقبلة. وهكذا، وبفعل الضغط الحقيقي من “حزب الله” حصل ما لم يكن متوقعا، فإجتمع على عجل الرئيس بري مع رئيس “التيار” الوزير جبران باسيل الذي تراجع عن موقف متشدد ضد الرئيس المكلّف كان بصدد الاعلان عنه مساء 14 كانون الثاني الحالي، كما تراجع بري عن الدفع بإتجاه تفعيل عمل حكومة تصريف الاعمال برئاسة الحريري  بعد إخراج دياب من حلبة التأليف.

ماذا عن حقيقة موقف رئيس حكومة تصريف الاعمال من هذه التطورات؟ في سؤال وجهنه “النهار” الى وزير سابق شارك في اللقاء الذي عقده الحريري بالامس في بيت الوسط مع كتلة “المستقبل” عما إذا كان زعيم “المستقبل” مؤيدا فعلا لتشكيل الحكومة برئاسة دياب، أم ان الاخير يطمح  لترؤس الحكومة الجديدة بعد إزاحة دياب، فأجاب:”كان الرئيس الحريري جازما في عدم رغبته في العودة الى السراي.أما بالنسبة لموقفه من حكومة يشكّلها دياب ، فهو وضع الامر في عهدة من أتوا به.وهو لن يكون شريكا في الانهيار الذي يتهدد لبنان إذا لم يتم تنفيذ الاصلاحات الحقيقية والضرورية في هذه المرحلة”. وعندما قيل للوزير السابق ان تدهور القدرة الشرائية للبنانيين، يفوق ما كان سيحصل لو جرى تطبيق وصفة صندوق النقد الدولي قبل أشهر والتي كانت تقتضي زيارة 5 الاف ليرة على سعر صفيحة البنزين وزيادة ال TVA، قال: “اللبنانيون مقبلون على ظرف أصعب ولن يقتصر الثمن على ما فقدوه من قدرة شرائية حتى الان”.

تحت عنوان “قراءة عمر كرامي لـ 7 أيار 1992 ودعوة (حسن) الرفاعي الى ممارسة الصلاحيات” ورد في كتاب “حسن الرفاعي حارس الجمهورية” الصادر عام  2018: “…في محاضر مجلس النواب حول حوادث 7 أيار التي أطاحت لاحقا حكومة الرئيس عمر كرامي، قال الرفاعي في مناقشة الحكومة:لا يجوز يا دولة الرئيس، أن تستمر السلطة في تبرير نفسها ، زاعمة أن هناك مؤامرة …لكن الايام أظهرت أن إحساس الرئيس عمر كرامي لم يكن مخطئا .فقد أدت أزمة مالية سياسية الى سقوط حكومته في الشارع نتيجة تدهور كبير في سعر صرف الليرة. وبالتأكيد لم لم يكن ذلك بريئا”. ويضيف الكتاب: “في تلك الفترة ، كان سعر صرف الدولار قد إرتفع الى أعلى مستوياته (تعدّى حدود 2900 ليرة لبنانية للدولار الواحد)، فحصلت نقمة شعبية إحتجاجا على ما وصلت اليه الحالة الاقتصادية في البلاد، ترافقت مع إحراق دواليب في الشوارع وإقفال للطرقات.وكان إرتفاع سعر صرف الدولار الى هذا المستوى مفتعلا ، كذلك الاحتجاجات الشعبية”.

هل يمكن القول :ما أشبه اليوم بالبارحة؟ وجه الشبه المحتمل هو ان دواليب  7 أيار 1992 أدت الى إسقاط حكومة عمر كرامي. أما دواليب 14 كانون الثاني  2020، فهي ذاهبة لإيصال دياب الى السراي. قبل 28 عاما، كانت حركة “أمل” بقرار سلطة الوصاية السورية وراء إشعال الدواليب. فهل هناك دور ما لسلطة الوصاية الحالية التي يمارسها “حزب الله” دور في حرائق الامس ولو بصورة غير مباشرة؟

السابق
لقاء مالي «ثلاثي» في بيت الوسط.. والحريري: من حارب الحريرية السياسية أوصل البلد إلى هنا!
التالي
بالفيديو.. مسيرة راجلة من الحمرا الى الداخلية ومجلس النواب: «ما في حل الا التصعيد»!