الإنهيارات المتتالية في لبنان

الاقتصاد اللبناني

منذ زمن وأنا أتابع من خلال ما توفره الشبكة العنكبوتية من مساحات للنشر والتواصل تصفح المواضيع المتعددة في مختلف مجالات الحياة.

في زحمة التسابق العالمي لتأسيس صفحات ومواقع شخصية أو متخصصة لفت نظري مجال إهتمام الدول والشعوب وحجم التنافس في المجالات العلمية والإقتصادية والإنسانية وغيرها مما يقع في مجال السعي لتطوير الحياة نحو الأفضل والأحسن. ومن وقت لآخر أتابع العديد من المواقع والصفحات التي تهتم بنشر البحوث والدراسات والإكتشافات والتطور المعرفي، وفي هذا السياق لفت نظري حجم السعي الحثيث وبذل الجهود الجبارة في التقدم الذي حققه الإنسان في القرن الماضي والحالي، وفي هذه المطالعة كنت أقرأ أن الدولة الفلانية تمكنت من إكتشاف أسرار جديدة في البحار والمحيطات والكواكب ومن شأن هذه الإكتشافات المساهمة في خدمة حياة الإنسان وتطويرها. والدولة الفلانية تمكنت من تطوير وسائل التنقل البرية والبحرية والجوية وإطلاق الأقمار الصناعية للكثير من الأغراض الخدماتية للناس..

اقرأ أيضاً: عندما تغتال الديموقراطية نفسها… عندما تغتال الميثاقية نفسها

والدولة الفلانية تمكنت بعد دراسات معمقة من تطوير الدواء ووسائل العلاج وإكتشاف طرق التعامل مع سير عمل الجسم البشري بما يخدم سلامته… والدولة الفلانية تمكنت من تشريع قوانين وأنظمة تعنى بالشأن الإنساني وخدمته وحفظ الحياة العامة في العلاقات المتداخلة والتجارة والصناعة والإقتصاد والقضاء وغيرها مما يساهم في إرساء الأمن والإطمئنان والسعادة .وفي هذه الزحمة التي تغص بالحضور العلمي والتنافس والتسابق على طريق الطموح والعمل لتطوير الحياة البشرية تساءلت عن موقع ودور وطني لبنان في خضم ثورة التقدم العلمي والمعرفي وإنتظام الحياة العامة والخاصة سيما وأني قرأت الكثير عن لبنان الماضي وأنه كان منتدى الحضارات والثقافات وكان أهله منذ القدم يعملون في التجارة والصناعة وأن الأساطيل البحرية كانت تصنع سفنها من خشب الأرز اللبناني وكانون يخوضون في تجارتهم البحار…

وفي العصر الحديث وقبل ولادة شبح الحرب الأهلية في أواسط سبعينيات القرن الماضي شهد لبنان تقدما علمياً وثقافياً وصناعياً سبق فيه الكثير من دول العالم وقد قال لي أحد العارفين كان اللبناني محسوداً على لبنانيته فيكفيك أن تُعَرّف عن نفسك أنا لبناني في أي بلد من العالم ليرحب بك. وأنا في هذه السطور لست بصدد الحديث عن التاريخ والبكاء على الأطلال بل بصدد مقارنة سريعة وخاطفة بين ما يشهده العالم من إهتمامات جادة في تطوير الحياة مضافاً إلى ما كان يمثله اللبناني من حضور على هذا الطريق وبين الحاضر المقرف حيث يطالعك الفساد في جميع نواحي حياتنا العامة والخاصة. ولعل الأبشع من الفساد الذي نعاني منه في المسؤولين عن إدارة شؤون حياتنا ومتطلباتها هو ذلك الإنحدار الأخلاقي والثقافي المرعب حيث حولنا صفحات الشبكة العنكبوتية إلى منتديات تعنى بالسب والشتم والنيل من الكرامات وبث الإشاعات الهدامة والتخوين والظلم الذي يفوق ما يمكن أن يتصوره العقل البشري وغدونا نرى إجتهاداً لفظياً في صناعة ما سبق ذكره .لقد تجاوز حَمَلة هذه الثقافة الطارئة على لبنانيتنا كل معايير القيم الإنسانية والتعاليم الدينية والعقود الإجتماعية..

إن عُرفَنا الإجتماعي كان يقوم على لفظة واحدة كانت كفيلة بتقويم أي إنحراف أو إعوجاج فيكفي أن ينطق الأب أو الأم أو الأستاذ أو من هو أكبر منّا سناً أو الملتفت إلى الخطأ بغض النظر عن عمره ومكانته بلفظة واحدة وهي (عيب) هذه الكلمة مستقلة كانت تشكل رادعاً عن الإستمرار في الخطأ ومانعاً من تكراره. وفي عرفنا الديني أيضاً كان الأمر ينتهي بلفظة واحدة لتؤدي نفس الدور وهي كلمة (حرام). فهل قمنا بشطب كلمة (عيب) و(حرام) من حياتنا لفتح الطريق أمام سيلٍ من الفساد تمكن من جرف كل تلك القيم والمبادىء؟!

السابق
منعاً للانتشار في مناطق «داعش».. إيران تعتقل عناصراً من مليشياتها
التالي
استدعاء 15 قاصرا بتهمة تمزيق صور سياسيين.. واحتجاجات امام فصيلة درك رياق!