إنهم يطبعون أوراقاً مالية

المال - لبنان

قبل يومين، أدلى وزير المال في ​حكومة​ تصريف الاعمال ​علي حسن خليل​ بتصريحين لا يتصالحان مع بعضهما بعضاً. أولاً، إن “موظفي ​القطاع العام​ سيتقاضون رواتبهم قبل 25 من هذا الشهر والرواتب للأشهر المقبلة مؤمنة”، وثانياً أن “لدينا تراجعاً هائلاً في الواردات و​العجز​ سيرتفع … وكنا نتوقع تأمين 5000 مليار ليرة خلال الثلاثة اشهر الأخيرة لكننا تراجعنا إلى حدود الـ40% ما سبب عجزاً أكبر بكثير مما توقعنا في مشروع الموازنة وبالتالي كل أرقام موازنة 2020 ستتغير”.

كلام خليل عن “وجود صعوبات حقيقية في تمويل الدولة” لا يتطابق مع التطمينات حيال استمرار تدفق الرواتب، ذلك أننا نسمع عن صعوبات كل شهر، وعن خلو الحساب الحكومي (رقم ٣٦) في مصرف لبنان حتى قبل اشتداد الأزمة الاقتصادية أخيراً. كيف لا يملك المال، لكن الرواتب مؤمنة؟

هذه الراحة حيال تأمين استحقاقات الرواتب رغم تراجع قياسي في مداخيل الدولة اللبنانية، ورغم اتصال رئيس مجلس الوزراء المستقيل سعد الحريري بالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، سعياً لخطة انقاذية، لا يُمكن وصفها إلا بالمريبة. كيف تأتي هذه الراحة المالية لدى دولة مُثقلة بالديون، وتتقلص مداخيلها نتيجة انكماش الاقتصاد وفرض المصارف قيوداً قاسية على المودعين. 

بعض الإجابة هي أن مصرف لبنان قرر طباعة العملة اللبنانية في روسيا، وتحديداً في شركة “غوزناك” المتخصصة في هذا المجال، كما جاء في وسائل إعلام لبنانية. لكن ورغم أن الطباعة باتت تحصيل حاصل، يُعتم المصرف على الأرقام، ما يرفع منسوب القلق والتوقعات. بيد أن طباعة العملة بكميات وفي هذا الوضع بالذات، سترفع سعر صرف الدولار ومعه منسوب التضخم بالبلاد.

لكن الصورة بدأت تتشكل. وفقاً لمسؤول بارز في أحد أحزاب السلطة اللبنانية، سيصل رقم المبلغ المطبوع بالعملة الوطنية خلال الفترة المقبلة إلى عشرة ترليونات ليرة لبنانية. ورغم أن هذه الطباعة قد تكفي للاستحقاقات، وتشتري للحكومة بعض الوقت، لكن انعكاساتها على قيمة الليرة ومعها على القدرة الشرائية للمواطن اللبناني، كارثية في مثل هذا الوضع.

عملياً، هذا الاجراء يؤشر الى اتجاهين. أولاً، هو يُوازي خفضاً كبيراً في رواتب القطاع العام، نظراً لفارق سعر صرف الليرة، وارتفاع نسبة التضخم. 

ثانياً، يترافق هذا الإجراء مع زيادة القيود المصرفية على عمليات سحب الدولار، مقابل السماح للمواطنين بالحصول على الليرة اللبنانية بسعر الصرف الرسمي لقاء دولاراتهم المحتجزة بالمصارف. وهذه دائرة مغلقة، يسحب فيها صاحب الوديعة بالدولار، مبالغ بالليرة اللبنانية، في حين تخسر الأخيرة قيمتها في السوق. على سبيل المثال، في حال ارتفاع سعر صرف الدولار إلى خمسة آلاف ليرة، إذا قرر المودع سحب مئة دولار بالليرة وبالسعر الرسمي، سيحصل على ما يوازي 30 دولاراً أميركياً، أي أن هناك خسارة (أشبه بعقوبة) مترتبة عليه بنسبة 70 في المئة عند كل عملية سحب.

وما يزيد من الاعتقاد باحتمال تحقق هذا السيناريو أن وكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني عزت خفض تصنيف لبنان الى CC، الى “أنها أصبحت تتوقع أن يعمد البلد المكروب إلى إعادة هيكلة ديونه أو التخلف عن السداد … نظراً للضبابية السياسية الشديدة والقيود المفروضة عملياً على حركة رؤوس الأموال وتضرر الثقة في ​القطاع المصرفي​”.

مع كل استحقاق لرواتب القطاع العام، علينا أن نسأل القيمين على المالية عن كيفية تأمينهم هذه المبالغ، سيما أننا نتعامل مع طبقة سياسية ترى في الشفافية عيباً يجب تفاديه.

اقرأ أيضاً: «الأموال المنهوبة» والمصارف السويسرية… 4 شروط لتجميدها

السابق
برّي ماض حتى الآن في تسمية الحريري.. ولكن!
التالي
ما الغايات المضمرة من إعلان باسيل انكفاءه؟