النجف بين أزمة النظام وسلوك السلطة

النجف

مرة جديدة، وعلى الأرجح لن تكون الأخيرة، تعيد المرجعية الدينية النجفية وضع النقاط على الحروف، وتذكر أصحاب السلطة بما جاء في خطبتها السابقة، حيث أكد وكيل المرجعية في كربلاء، الشيخ عبد الهادي الكربلائي في خطبة يوم الجمعة أمس، أن “المرجعية الدينية قد أوضحت موقفها من الاحتجاجات السلمية المطالبة بالإصلاح في خطبة الجمعة الماضية من خلال عدّة نقاط، تضمنت التأكيد على سلميّتها وخلوها من العنف والتخريب، والتشديد على حُرمة الدم العراقي، وضرورة استجابة القوى السياسية للمطالب المُحقّة للمحتجّين”.

ما نقله الكربلائي يقطع الشك باليقين، لجهة أن المرجعية باتت على قناعة شبه كاملة بأن الطبقة السياسية الحاكمة تحاول التملص من واجباتها أمام مطالب انتفاضة الأول من أكتوبر، وتتهرب من التزاماتها بإجراء إصلاحات حقيقية.

إقرأ أيضاً: العراق: قتلى وجرحى.. ودعوات لاستجابة الحكومة!!

وأن هذه الطبقة ومن أجل حماية نفوذها قررت اللجوء مرة أخرى إلى حِيل الالتفاف على هذه المطالب التي باتت قاسما مشتركا بين النجف وساحة التحرير، وهي ـ الطبقة السياسية ـ مُصرة على تهديد الجميع بالفوضى والفراغ وصولا إلى الحرب الأهلية وذلك في سياق دفاعها عن المكاسب التي تحققها جرّاء سيطرتها على السلطة منذ 16 عاما.

كما أن هذه الطبقة السياسية تبدي استعدادها إلى تعطيل كافة الحلول التي قد تنزع منها ولو جزءا من هذه المكتسبات، حتى لو أدى ذلك إلى استخدام المزيد من العنف ضد المتظاهرين خصوصا في المرحلة المقبلة، على غرار ما جرى في المدن الإيرانية منذ أيام عندما استخدم النظام القوة المميتة ضد المحتجين ما أدى إلى انحسار الاحتجاجات سريعا.

فالمرجعية، التي أغلقت أبوابها بوجه الطبقة السياسية العراقية منذ سنوات وترفض استقبالهم، تغلق الآن الأبواب والنوافذ بوجه ما تقترحه هذه الطبقة من مشاريع للحل على قياسها.

وقد بات ذلك واضحا من خلال إصرار المرجعية على تذكير الجميع بمطالبها التي أعلنتها في الجمعة السابقة، وهو دليل غير مباشر على إهمال السيد السيستاني لوثيقة الشرف التي وقعتها مجموعة من القوى السياسية العراقية في منزل زعيم تيار الحكمة السيد عمار الحكيم، والتي توافقت على خارطة طريق للحل تضمنت 40 بندا وأعطت مهلة 45 يوما من أجل تطبيقها.

إقرأ أيضاً: استنجاد عبدالمهدي بالعشائر يثير غضب الشارع العراقي

من دون أن نتجاوز أن الوثيقة قوبلت برفض مطلق من الشارع غير المستعد لمنح هؤلاء السياسيين مزيدا من الثقة، خصوصا أن شباب ساحة التحرير وكافة ساحات العراق، تجاوزوا ما تم الاتفاق عليه في منزل الحكيم، وهذه الطبقة أعجز من أن تقوم بعملية إصلاحات، فهي غير مستعدة أن تقوم بحفر قبرها بيدها.

إلا أن انزعاجا واضحا من الضغوط التي تمارسها المرجعية جاء على لسان عضو تحالف “الفتح” النيابية، التي تمثل فصائل الحشد الشعبي، مختار الموسوي، الذي قال يوم السبت الماضي في رده على كلام المرجعية إن “تطبيق كلمة المرجعية عمليا لا يمكن أن يحصل خلال أيام”، مضيفا ” إننا نؤيد أوامر المرجعية ومطالب المتظاهرين ولكن ليس بالسهل إنجازه خلال 24 ساعة والأمر يحتاج إلى وقت وميزانية”.

كلام الموسوي يعاكس إرادة المرجعية التي شدّدت على ضرورة الإسراع في إنجاز قانون الانتخابات وقانون مفوضيّتها، لأنهما يُمهدان لتجاوز الأزمة الكبيرة التي يمر بها البلد.

إقرأ أيضاً: بعد «وثيقة الشرف».. ناشطون في النجف: الشرف هو انقاذ العراق من وجودكم المدمّر

هذا الموقف يعزز من القناعة عند كثيرين بأن المرجعية تتصرف وفقا لقواعدها الاجتماعية والدينية وانسجاما مع دورها الأخلاقي إلى جانب المحتجين السلميين، ما دفعها إلى تحذير الطبقة السياسية لتنتبه لأن العراق ما بعد هذه الاحتجاجات لن يكون كما كان قبلها في كل الأحوال.

وعليه، تدرك المرجعية أن الانتفاضة ذات طبيعة اجتماعية عراقية، محركها الشيعة المحرومين ضد شرعية سياسية شيعية فاسدة وفاشلة. وهنا تكمن حساسيتها وتأثيرها، لذلك حذرت أن سفك الدماء قد يؤدي إلى زوال الحكم وانتقاله.

السابق
مجسم الثورة يعود إلى الواجهة مجدداً.. ثوار المصنع وسعدنايل يرفعون قبضتهم
التالي
حريق في منزل بالضاحية.. ماس كهربائي أم استهداف لرياض قبيسي؟!