حزب الله «منشار الحراك».. يبتز و يقايض ويحمي !

انها سياسة الاحتواء المزدوج التي يتبعها "حزب الله" في إدارة الازمة. يستفيد من الحراك لمحاصرة حلفاء لطالما ابتزوه وقايضوا تغطية سلاحه بالسكوت عن سرقاتهم فحمى سلاحه على حساب الناس ولقمة عيشها . وها هو تكتل "الإصلاح والتغيير" قد انهار وبدا اعضاؤه كأطفال يختبئون خلف عباءة السيد ويراقبون التلفاز كالتلاميذ الشاطرين ليعرفوا منه مصيرهم.

تقزم “التيار الوطني” الحر وبات جزءا من سرايا المقاومة  وها هو الرئيس الحريري وهو قابع في جوف جبران باسيل والذي بدوره بين أقدام السيد يردد بيانا هو ذات البيان الذي القاه رئيس الوزراء العراقي في مخاطبته لجماهير العراق الغاضبة وكأن كاتب البيانين هو ذاته. هدد وليد جنبلاط ومنع من الاستقالة. الرئيس نبيه بري لاذ بالصمت بإنتظار  التطورات. يبدو أن خطة احتواء أطراف السلطة قد نجحت وأعلن السيد نفسه مرشدا أعلى للجمهورية اللبنانية.

في الضفة الأخرى يبدو الأمر اكثر تعقيدا وأصعب على الاحتواء. فلا قيادة محددة للحراك لاستهدافها ولم يعط الحراك اي مبرر او مادة تبرر التهجم عليه. مئات آلاف البشر نزلوا إلى الشوارع بكل حضارة ورقي، وعلى مساحة الوطن. لم يجدوا يافطة واحدة تطال المقاومة او سلاحها. لم يجدوا أحدا يخرج على شعارات الحراك بإستثناء مرة واحدة في احد المناطق الشرقية هتف فيها بعض الناس بشعار ( إرهابي إرهابي حزب الله إرهابي) هذا الانضباط اربك قيادة حزب الله. فالمطالب محقة ويحتضنها جمهور المقاومة واغلب المنتفضون مستعدين لحماية المقاومة ضد اسرائيل بأشفار العيون وإن كانوا  يختلفون مع بعض سياسات الحزب الداخلية وحروبه الخارجية. لقد باتت أماكن الاعتصامات مراكز جذب لمزيد من جماهير الشيعة ووجدوا بالحراك فرصة للتعبير عن معاناتهم.

نجح الحراك وسط كل المناطق والطوائف ووحدها بالمطالب والمشاعر. احتضنت طرابلس بعل محسن وتضامنت مع النبطية وصور وكذلك الأشرفية مع النبطية ولعبت بيروت دورها قائدة وحاضنة لكل الوطن. وحد الحراك الوطن ودفع الجبل إلى الاستقلال عن قياداته التقليدية من الشوف إلى كسروان، وتنفس الجنوب بمعظم رئتيه ووجد البقاع وعكار نفسيهما وسط فضاء يجمعهم مع كامل الوطن.  ضج العالم اجمع بعظمة هذا الحراك الحضاري الذي  بات خطرا على سياسييه جميعا وازال عنصر التجييش الطائفي الذي أضر بالشعب واستغله حكامه.

كان من الصعب على الحراك بعد إنجازاته هذه ان ينزوي تحت عباءة السيد، كان من الصعب عليه القبول بإصلاحات هي أقرب إلى استمرار نهب الدولة عبر بيع قطاعاتها التي تدر اموالا على الدولة إلى سارقيها. كان من الصعب عليه قبول املاءات السيد، فكان لا بد من تأديبه.

بدأ خطاب السيد ظهرا بمئتي عنصر اعتدوا على المعتصمين في ساحة الشهداء وساحة رياض الصلح، وانهاه في مسيرة سيارات في صور في استعراض قوة وإعلان رمزي ان صور باتت تحت عباءته. لقد اختار السيد ان يدعم فاسدي السلطة على الشعب، لقد فضل السارقين الخانعين لسلطته على المغبونين الاحرار. لقد حمى اللصوص من السقوط وانذر الشرفاء من الاستمرار.

لقد ابتكر السيد معادلة لم يفهمها احد، لقد أنذر الفاسدين من ترك الحكومة رافضا سقوطها ويريدنا ان نصدق ان هؤلاء اللصوص سيقودون الإصلاح، فليسأل جمهوره اذا كان يؤمن بهذه المعادلة، فليسأل جمهوره اذا كان يرضى بهذه الحكومة.

السفارات تلتقي مع السيد في رفض إسقاط الحكومة، دول الخليج تلتقي معه في قمع هذا الحراك الذي يهدد شعوبهم بالعدوى، الحراك اوعى من ان يستنجد  بأميركا لانه يعرف انها ستستخدمه للضغط عليكم قبل ان  ترميه بالمقايضة معكم. الحراك انظف واعظم من ان يستعمله احد، الحراك فرصة لتوحيد البلد، التصدي له مسؤولية كبيرة وخطيرة.

الا ان توجس السيد من الحراك لم يأت من فراغ، فهذا الحراك طرح موضوع المحاصصة والفساد، طرح مسألة بناء الدولة المدنية. وهذا الطرح سيطيح بالطبقة السياسية التي خضعت لسياسات حزب الله الداخلية ودافعت عنها خارجيا مقابل السلطة والمال.

يخشى حزب الله أن يعاد طرح موضوع سلاحه والذي يحميه عبر امساكه بعدد كبير من المفاصل عبر أناس يثق بهم تبدأ بالمؤسسة العسكرية والأمنية ولا تنتهي بالاتصالات. بناء سلطة الدولة والقانون قد تهدد امنه واستقراره ان لم تكن مترافقة مع ضمانات تحفظ له مكاسب حصلها بعناء ومثابرة.

التوفيق بين الدولة والثورة ليس سهلا. التوفيق لصالح الثورة كلفنا ثروة البلد لصالح بائعي السيادة. أسهل على حزب الله التعامل مع لصوص معلومي السعر من التعامل مع أصحاب مباديئ ويريدون بناء دولة. حزب الله يريد ضمانات لا يمتلكها احد راهنا، وحزب الله لا يريد المخاطرة. الا ان معالجة هذا التناقض طوال السنوات الفائتة كان على حساب الناس وادى إلى انفجار بات يهدد بدق اسفين بين الحزب وجمهوره، بين الشيعة وبقية الطوائف. وبات من الملح ان يدرس الحزب قدرة لبنان على تحمل نتائج المشاريع الإقليمية لحلفائه.

الحزب أمام خيار استمراره برعاية الفساد والمخاطرة بمستقبل البلد ومستقبل بيئته الحاضنة، أو المخاطرة بالوقوف مع مصالح الناس وخوض معركة مصالح المقاومة.

طرح الموضوع بصراحة يُدخل في نقاش جدي، النقاش الحالي وتبريرات السيد لمواقفه ليس لصالحه وعندما يجري نقاش جدي سيكتشف الحزب ان معظم الناس في الساحات هم حلفاء ومدافعين جديين عن مصالحه المشروعة بعد تشذيبها من زوائد لا علاقة لها بالدفاع عن لبنان، أو عن المقاومة وانما لها علاقة بمافيات ومصالح ضيقة نمت وكبرت طوال هذه السنين ومصالح إقليمية لم يعد الوطن قادر على حملها. المهم ان لا يخير الحزب الناس بين لقمة عيشها ومستقبل أولادها وبين المقاومة، فالجوع كافر كافر كافر…                   

السابق
تقلا شمعون: قدمنا صورة حقيقية في «عروس بيروت»
التالي
إيران تحاصر الثورات: سليماني يمنع سقوط عون وعبد المهدي!