كما قُدِّر لهذا النداء أن يتحوّل عنواناً لرواية، راويتها وبطلتها (شخصيّتها الرئيسية) “تنهنان”، والتي هي، في الرواية أيضاً كاتبة روائية. و”أيتها الغجرية… ستمرضين” هو عنوان رواية الكاتبة (وطالبة الطب) الجزائرية سليمة رحمون. وهذه الرواية صادرة حديثاً عن “دار الفارابي” في بيروت في طبعة أولى 2019.
وعلى ذلك فهذه الرواية هي مرثية روائية لـ”طيف حبيب” مات باكراً، وهذه المرثية ليست هي الحكاية الكاملة التي ترويها بطلة الرواية، بل هي – تحديداً – رحم حكايتها الكاملة – بكامل تقنياتها – الذي يغلّفها بغُلالة مأساوية تؤطرها بدءاً من أول كلمة إلى آخر كلمة فيها.
اقرأ أيضاً: مارغريت دوراس الدَّاعية إلى تدمير كل ما «يُدمِّر».. المعرفة
أما ملخص حكاية “أيتها الغجرية… ستمرضين” فمتمثل بأن مصوراً فوتوغرافياً أحبّ “تنهنان”، من دون أن تراه هي أو أن تعرفه، وكان يلتقط لها صوراً شخصية – في الخفاء – (في أماكن عامة طبعاً: منها: أمام باب الثانوية؛ في الشارع.. إلخ…) ويرسلها لها مع صديقة الحميم “نسيم”، من وقت إلى آخر، وكل صورة تحمل على “قفاها” عبارات ودية لصاحبة الصورة تنضح بأبعاد إعجابه العميق بها.
وهي التي “توهَّمت” أن نسيم هو صاحب الصّور بعد أن لاحقها والتقاها مرات عدة إلى أن أصبحت تحبه، مع أنه حاول مرة أن يلمّح لها – خطفاً – بأنه يمكن أن لا يكون هو المصوِّر، فلم تقتنع منه لأنها أحبته فعلاً، وهو الذي خان أمانة صاحبه. (من دون أن تدري) لكن بعد – وقت طويل – اكتشفت تنهنان، الحقيقة، بعدما قابلت – وبالمصادفة البحتة – صاحبُ الصّور (الذي كان حبيبها الأصلي ومن طرف واحد). (وكانت شاهدة على تصارع الاثنين الذي وصل إلى الضّرب…) لكنها ظلّت وفيّة لحبّ نسيم – بعد أن أجبرها أهلها على الزواج من المصوِّر (الشاب مالك لعِريبي) – بعد وفاة نسيم التي صدمتها أيما صدمة. وأنجبت ولداً من مالك الذي هو نفسه سمّاه نسيم وفاءً لذكرى صديقه/الخائن! – الراحل. وكان ذلك طبعاً مفاجأة مدهشة لزوجته التي لم تكن تتوقع منه ذلك أبداً.
اقرأ أيضاً: خالدة سعيد تعالج تحوّلات حداثويّة في «أفق المعنى»
ولسان حال جماع هذه الرواية، نسمعه بصوت بطلتها قائلة: “تعود إليّ الذاكرة كئيبة رغم أنها لا تحمل سواك أنت وتفاصيل صغيرة لأحاسيس استرقتُها يوماً من نظراتك وحركاتك”، والمقصود بهذا القول هو نسيم، طبعاً. هذا على أن: “أيتها الغجرية… ستمرضين”، قصدت بها بطلتها/راويتها: تنهنان الشفاء من ماضيها واعترافها به في الوقت عينه. وهي تبوح بذلك على النحو التالي: “في الرواية، ننثر أوجاعنا الحقيقية على شخصيات أخرى نخلقها فنحملها ذنوبنا، كرهنا وخيانتنا عسى أن نتخلص من العذاب حينما نطويه في كتاب.
لكننا ننسى أن الوقت الذي نمضيه في مشاهدة خيباتنا تعرض على صفحة بيضاء هو في ذاته أكبر تحدّ يمكن أن يقوم به الكاتب، لذلك لا يهمني أن أشفى من ماضيَّ بقدر ما أريد أن أعترف به.
اليوم أوقف قلبي في مكانه كي أمنع عنه الحنين، أخشى أن أضطر للكتابة مرة ثانية، أخشى أن أضطر لرثاء طيفك في صفحات أخرى. أخشى أن أحبك مجدداً بسبب رواية كتبتها.
لكن، ما نفع روايةِ حبٍ تأخرت عن موعد الحب بخيبة؟