رسائل من طهران وكيفون ويريفان

خالد حماده

ينتظر المجتمع الدولي نتائج التحقيقات التي تجريها مجموعة الخبراء الدوليين لجلاء مسألة الصواريخ التي أُطلقت على منشآت أرامكو في المملكة العربية السعودية، والتي أجمع العالم على اعتبارها أعمالاً إرهابية تهدّد استقرار الإقتصاد العالمي. العقوبات الأميركية على المصرف المركزي الإيراني لم تضاه ِإندفاعة عدد كبير من مسؤولي الإدارة الأميركية تحميل إيران المسؤولية. وفيما يبدي رئيس الوزراء البريطاني حماسة كبيرة للمشاركة في أي عمل عسكري تقوده الولايات المتّحدة،تبدو محاولات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون التمايّز عن المنحى الأميركي غير قابلة للحياة،في ظلّ تصاعد اللهجة الأميركية وإرسال القدرات العسكرية الرادعة الى الخليج بهدف «إجبار إيران عل اتّخاذ قرار التحوّل الى بلد طبيعي».

اقرأ أيضاً: “حزب الله” العالق بين “شاقوفي” إيران والنظام!

لا شك أنّ الولايات المتّحدة سوف تسعى، خلال أعمال الجمعية العامة المنعقدة في نيويورك، للحصول على مساندة دوليّة في وجه إيران. فإلى جانب التمنّي أن تأخذ الدبلوماسية كل فرص النجاح، أمَل وزير الخارجية الأميركي أن تتبنى الأمم المتّحدة موقفاً حازماً من إيران، في الوقت الذي أعرب فيه الرئيس دونالد ترامب عن عدم توفّر النيّة لديه للقاء الرئيس حسن روحاني. وفي حين إعتبرالرئيس الإيراني،أول من أمس خلال عرض عسكري أقيم في طهران بمناسبة الذكرى السنوية للحرب العراقية الإيرانية، أنّ وجود قوات أجنبية في الخليج يؤدّي إلى تفاقم «غياب الأمن» توّعد قائد البحرية الإيرانية حسين خانزادي، بإشعال المنطقة وتدمير المصالح الأميركية والمنشآت الحيوية في الخليج في حال وجود أي سوء تقدير وتوجيه ضربة عسكرية لإيران. 
لبنان الرسمي ليس بعيداً عن تداعيات العقوبات الأميركية على إيران. فمساعد وزير الخزانة الأميركية لشؤون مكافحة الإرهاب وتبييض الأموال «مارشال بللينغسلي» الذي يزور بيروت كان واضحاً في إعلان موقف إدارته بفرض عقوبات على كلّ من يدعم إيران،واستعدادها لوقف نشاطات حزب الله،وتأكيده علىالأسباب التي أدّت الى إدراج جمّال ترست بنك على لائحة العقوبات، وقد أبلغ موقفه هذا الى كلّ من رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس مجلس الوزراء سعد الحريري. وفي هذا الإطار لا يمكن فهم التشدّد الفرنسي بتطبيق مندرجات اتّفاق «سيدر» إلا من خلال إلزام لبنان، تحت طائلة عدم السير بالقروض، بالتشدّد في تطبيق الإصلاحات لا سيما في قطاع الكهرباء ومكافحة التهرب الضريبي اللذين يشكّلان مصدريّ تمويل لأكثر من فريق سياسي من بينها حزب الله وحلفائه.
رئيس جمهورية لبنان العماد ميشال عون الذاهب للمشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتّحدة حاملاً ملف الإعتداءات الإسرائيلية وخروقات القرار 1701، لم يترك له حزب الله مجالاً للمناورة والطلب الى المجتمع الدولي حماية القرار، بعد أن جاهر أمينه العام حسن نصرالله مراراً بأنّه في صلب المواجهة التي تخوضها إيران وأنّه جزء لا يتجزأ من أدواتها العسكرية التي ستُشعل المنطقة دفاعاً عن إيران. كما أنّ الدولة اللبنانية تخلّت عن المواجهة المشروعة للعدو الإسرائيلي بعد الإعتداءات الأخيرة واكتفت بتبنّي الإجراءات التي اتّخذها الحزب دون أيّة مبادرة تذكر. مقاطعة الرئيس عون للقاء حول حرية الأديان يحضره الرئيس الأميركي ولقاء آخر يقيمه الرئيس ترامب لرؤساء الوفود يوحي برفض أميركي للكيمياء التي تعبّر عنها السلطة اللبنانية المتماهية مع حزب الله.
وفي خضم هذا التركيز الدولي على لبنان المرهق إقتصادياً والموضوع تحت المجهر الدولي، أتى العرض العسكري الذي أقامه حزب الله في بلدة كيفون يوم السبت الفائت ليوجّه أكثر من رسالة في أكثر من اتّجاه.عدم وجود مناسبة للعرض العسكري ورمزيّة البلدة التي يسكنها عدد كبير من قياديي الصف الأول من حزب الله، والواقعة في محيط غير متجانس معها سياسياً أو مذهبياً والتي كانت منطلقاً لحزب الله لفرض هيمنته على الجبل في أحداث أيار2007 هو رسالة لرئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط بما يمثّل من موقع  توازن واستقرار في لبنان، كما هو رسالة الى القوى الإقليمية والدوليّة بأنّ تهديد استقرار لبنان، هو بمتناول حزب الله من بوابة الجبل بما يرمز إليه في معادلة الإستقرار اللبناني.

أما الحدث الذي لا يمكن فهم توقيته وقراءته حتى الآن،  فهو زيارة وزير الدفاع الوطني الياس أبو صعب الى أرمينيا،فهل هناك رسائل معيّنة أراد العهد توجيهها من خلال هذه الزيارة؟ وما هي جديّة الحديث عن تعاون في الأمن وفي مجال الطائرات المسيّرة بين البلدين؟فالتعاون الإستخباراتي بين إيران وأرمينيا والتنسيق بين طهران وبين مجلس الأمن القومي في يريفان قائم منذ العام 2008. وتتحدث بعض التقارير،عن وجود وحدات تابعة للإستخبارات الإيرانية، تستخدم أجهزة تعقب إلكترونية في المنطقة الواقعة على الحدود الصغيرة بين إيران وأرمينيا، كما تعمل من داخل الأراضي الأرمنية بالقرب من الحدود مع تركيا غرباً، وجورجيا شمالاً، وأذربيجان شرقاً.كما أن أكثر الملفات التي يتفق عليها الطرفان هي ملف مكافحة الإرهاب والجماعات المتطرفة، ولدى إيران وأرمينيا مواقف متطابقة تجاه هذا الملف،فقد أشاد علي شمخاني رئيس جهاز الأمن القومي الإيراني مراراً بالمواقف الواضحة التي تتّخذها أرمينيا في الأزمات الإقليمية، كما أجرى وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف محادثات مع نظيره الأرميني خلال لقائه معه على هامش مؤتمر ميونيخ للأمن في فبراير 2018.
رسائل طهران يمكن فهمها من خلال موقعها الإقليمي ورهانها الدائم على شراء الوقت وامتلاك أوراق التفاوض وشراكتها الملتبسة مع الولايات المتّحدة الأميركية في تبادل الأدوار والنفوذ، ورسائل حزب الله من كيفون هي جزء من حرب السلاح المستخدم لتأكيد السيطرة على القرار الأمني والسياسي في لبنان، أما رسائل معالي وزير الدفاع من يريفان فلا زالت عصيّة على الفهم!

السابق
مهزلة تحويل لبنان إلى بلد «قوميّ»؟!
التالي
بيلينغسلي للمسؤولين اللبنانيين: ابتعدوا عن حزب الله.. وإلا!