أسباب وتداعيات استقالة بولتون

جون بولتون

في مقال في مجلة “ذي أتلانتيك” تحت عنوان “الوريث”، يستعرض الكاتب ماكاي كوبينز تفاصيل الديناميكية العائلية التي رافقت صعود دونالد ترامب للرئاسة والوجه الأبوي للرئيس الأميركي الذي يغيب عن معظم النقاش الجاري حول شخصه.

“لا تثقوا بأحد” هي النصيحة التي أعطاها ترامب لأولاده إيفانكا وأريك ودونالد جونيور وهم في عمر الطفولة. وحين اختبرهم ترامب مرة وسألهم إذا ما كان يثقون به، كان القصاص ينتظرهم عندما أجابوا “نعم”. هذا النهج من عدم الثقة يحيط سيرة ترامب في ميدان الأعمال والاعلام ثم السياسة. لا أصدقاء دائمين ولا مستشارين دائمين خارج العائلة. أما الثقة فتغيب حتى مع هؤلاء.

من هذا المنطلق يمكن فهم خروج جون بولتون كمستشار للأمن القومي، ليلحق بوزير الدفاع جيمس ماتيس وبعده باتريك شانهان والسفيرة السابقة للأمم المتحدة نيكي هايلي، وقبلها وزيرة الأمن الداخلي كيرستن نيلسن، وقبلها وزير الخارجية ريكس تيلرسون ومدير مكتب التحقيق الفدرالي جيمس كومي وغيرهم. فرئاسة ترامب شهدت عددا قياسيا من الإقالات والاستقالات والتغييرات بشكل يطرح تساؤلات عن الاستمرارية السياسية داخل الإدارة ومدى تجانس الفريق الإداري والاستراتيجية.
خروج بولتون ليس بالمفاجئ، وهو بدأ طرحه أول الصيف مع تنامي الخلافات بينه وبين ترامب حول فنزويلا وإيران وكوريا الشمالية وأخيرا أفغانستان. الشخصيتان متناقضتان في طريقة صنع السياسة ومقاربة الصفقات. ترامب يريد الوهج الإعلامي سواء بزيارة المنطقة المنزوعة السلاح بين الكوريتين، أو اقتراح دعوة طالبان إلى منتجع كامب ديفيد، أو إمكانية دعوة وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف الى البيت الأبيض (كما نقلت مجلة نيويوركر). أما بولتون، صاحب الأفكار المتشددة، إنما الملتزمة بالأساليب التقليدية لصنع السياسة، كان يحبذ الابتعاد عن حوار مباشر مع إيران، التشدد مع روسيا وفنزويلا، وعدم مكافأة النظام الكوري الشمالي قبل تخليه عن السلاح النووي.

جرى تهميش بولتون وإبعاده منذ فترة داخل البيت الأبيض. فوزير الخارجية مايك بومبيو ومبعوثه زلماي خليل زاد أقنعا ترامب بتغييب بولتون عن اجتماعات أفغانستان، كما جرى لومه في الفشل في إطاحة مادرورو في فنزويلا. ثم اصطدم المستشار السابق بمدير الفريق الجديد ميك مولفاني، وخسر داعما في وزارة الدفاع مع استقالة شانهان، قبل أن يتصادم مع العائلة ومكتب السيدة الأولى ميلانيا ومساعدتها السابقة والناطقة الجديدة للبيت الأبيض ستيفاني غريشام. فعملية تحجيم دور بولتون وتحويله كبش محرقة جارية منذ فترة وتفاقمت في الأسبوع الأخير بالتسريبات حول أفغانستان ومعارضة بولتون علنا لاستراتيجية الانخراط مع طالبان ودعوتها إلى الولايات المتحدة.

بالنسبة لترامب، التخلي عن بولتون نتاج للتخبط داخل الفريق الرئاسي، وتذمر بومبيو من أداء بولتون، وتضارب الرسائل السياسية الصادرة عن البيت الأبيض. لكن خروجه لن يصنع أو يفشل اتفاقات وصفقات يريدها ترامب. فلا بولتون كان قادرا على منع انفتاح ترامب على كوريا الشمالية ولا هو أوقف زلماي خليل زاد من عقد تسع اجتماعات مع طالبان في الدوحة ولا هو أعاق استعدادات ترامب للاجتماع بالرئيس الإيراني حسن روحاني.

بالنسبة الشرق الأوسط، خروج بولتون يعني تولي فريق أكثر تجانسا إدارة ملفات المنطقة، ونفوذا أكبر لبومبيو في صنع السياسة الخارجية الأميركية ويفسح المجال أمام لقاء محتمل بين ترامب وروحاني وتحريك المساعي الفرنسية. أما إسرائيل وسوريا واليمن وتركيا وملفات أخرى، فلا تغييرات جذرية نظرا لتشدد هذه السياسات أصلا قبل وبعد وبولتون.

السؤال المطروح اليوم هو من قد يخلف بولتون في المنصب في السنة وربع السنة المتبقية على ولاية ترامب قبل انتخابات 2020. الأرجح أنه لن يكون شخصية تصادمية تتحدى الرئيس، وأن يكون مقربا من بومبيو ومن العائلة. ففي عام انتخابي، ستكون أولوية ترامب رفع الشعارات والتقاط الصور مع الأصدقاء والخصوم على حد سواء. أما الولوج بتفاصيل الاتفاقات السياسية والصفقات الماكنة فهذه غير مرجحة اليوم مع غياب دعم الكونغرس وتشكيك الاستخبارات بوعود كوريا الشمالية وحركة طالبان.

إقرأ أيضاً: ترامب: بولتون ارتكب أخطاء عدة

السابق
بعد فقدانه في باب التبانة.. عثر عليه جثّة في القلمون!
التالي
سقوط سقف على عائلة في صور