تركيا ما بعد بعد 6 أيار

تركيا
لا تزال الازمة دبلوماسية بين لبنان وتركيا تتفاعل على خلفية تصريحات رئيس الجمهورية ميشال عون يوم السبت الفائت حول “إرهاب” الدولة العثمانية ضد اللبنانيين خلال الحرب العالمية الأولى وهو ما استدعى ردا قويا من قبل أنقرة عبر بيان رسمي اتهمت فيه عون بـ”تحريف التاريخ عبر الهذيان”. بدورها ردّت وزارة الخارجية والمغتربين في لبنان على أنقرة، مؤكدة أن كلمة الرئيس تضمنت سردا لواقع بعض الأحداث التاريخية التي واجهها لبنان في ظل الحكم العثماني، وقد تخطاها الشعبان التركي واللبناني اللذان يتطلعان إلى أفضل العلاقات السياسية والاقتصادية في المستقبل، حيث ما يجمع البلدين اكثر بكثير مما يفرقهما “.

وكان الرئيس عون قد كتب سلسلة تغريدات عبر حسابه الخاص على موقع “تويتر” بمناسبة بدء سنة المئوية الأولى لإعلان دولة لبنان الكبير مهاجما الحقبة العثمانية في لبنان، وقال عون إن “كل محاولات التحرر من النير العثماني كانت تقابل بالعنف والقتل وإذكاء الفتن الطائفية”، مضيفا “إرهاب الدولة الذي مارسه العثمانيون على اللبنانيين خاصة خلال الحرب العالمية الأولى أودى بمئات آلاف الضحايا، ما بين المجاعة والتجنيد والسخرة”. 

بدورها أدانت تركيا في بيان رسمي تصريحات الرئيس عون، وقالت وزارة الخارجية التركية في بيان الأحد “ندين بأشد العبارات ونرفض كليا التصريحات المبنية على الأحكام المسبقة، والتي لا أساس لها عن الحقبة العثمانية”. وشدد البيان أنه “لا يوجد إرهاب دولة في تاريخ الإمبراطورية العثمانية، وعلى عكس ما تم الزعم به، فقد كان العهد العثماني عهد استقرار في الشرق الأوسط دام طويلا”.

اقرأ أيضاً: الأزمة الدبلوماسية اللبنانية – التركية تتفاعل.. إلا الرئيس!

وانتقد لبنانيون تصريحات عون، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وعمد البعض إلى إظهار ما قدمته الدولة العثمانية للبنان مقارنة بما يفتقده بلدهم اليوم. اضافة الى الحفاظ على التنوع الديني.

التاريخ التركي: “جمال باشا السفاح”!

يختزل كتاب التاريخ في المنهاج التربوي الوطني الحكم التركي للبنان الذي استمر 400 عام بآخر 4 سنوات من حكمهم، التي انتهت بهزيمة تركيا في الحرب العالمية الأولى وطرد قواتها من لبنان وسيطرة القوات الفرنسية والبريطانية على بلاد العرب والشرق الأوسط أجمع.

ولقد حفلت السنوات الأربع تلك بكوارث أنسانية ومحن فظيعة، وذلك مع اعلان الحرب الكبرى عام 1914، وتعيين الجنرال “أحمد جمال  باشا” حاكما عسكريا على لبنان الذي لقبه اللبنانيون بـ”جمال باشا السفاح”، لسبب انه فرض الاحكام العرفية وادخل المعارضين الى السجون واعدم منهم العشرات في أيار عام 1916، ليصبح يوم 6 أيار ذكرى عيد الشهداء في لبنان مرتبطا باسمه المشؤوم، وصادر جمال باشا الغلال لصالح الجيش التركي فعمّت المجاعة بعد ان انتشر الجراد واكل المحاصيل، كما فرض التجنيد الالزامي “السفر برلك” على شباب لبنان وسوريا للقتال في صفوف القوات التركية ضدّ الحلفاء، فكانت الخسارة الكبرى، إذ فقد لبنان حوالي ثلث سكانه 200 ألف نسمة في ذلك الزمن بسبب المجاعة والحرب.

انتهت الحرب الكبرى عام 1918 وأعلن الفرنسيون “دولة لبنان الكبير” ليبدأ الانتداب الذي انتهى باستقلال لبنان والبلدان المحيطة فيه.

ولكن بالعودة الى المراحل السابقة التي سبقت الحرب الكبرى، ألم ينعم جبل لبنان بنظام حكم المتصرفية 60 عاما؟ هذا النظام الاداري الذي أشبه ما يكون بحكم ذاتي سمح الأتراك فيه ان يرأس جبل لبنان متصرف أجنبي مسيحي، وسمح للدول الكبرى بإدخال ارسالياتها  الأجنبية، فبنت المدارس والكليات والمستشفيات التي ما زالت صروحا كبرى الى يومنا هذا، وذلك دون ان تنعم اية دولة عربية بما نعم فيه الاقليات اللبنانية.

أما بيروت فان التنظيم الاداري والعمران والازدهار الذي شهدته بزمن السلم في العهد العثماني، ما زالت آثاره شاهدة منها بناء الصروح الجكومية والعلمية وانشاء المرافق العامة التي ما زال يفتخر فيها لبنان حتى يومنا هذا منها بناء السراي الحكومي ومبنى الداخلية وبلدية بيروت، وتأسيس المصارف وبناء الجامعة الاميركية وغيرها.

من هنا يمكن ان نفهم أدانة وزارة الخارجية التركية، لادعاءات الرئيس عون، معتبرة في بيان أنها “بنيت على أحكام مسبقة لا أساس لها عن الحقبة العثمانية”.

اقرأ أيضاً: القرارات التركية الجديدة بحق السوريين.. نهاية سنوات العسل!

وللتذكير بهمجية عصر ما قبل “شرعة حقوق الانسان” التي صدرت منتصف القرن العشرين،  فانه اثناء حملة نيجر الفرنسية على جنوب لبنان بعد فتنة عين ابل عام 1920، جرى تنفيذ اعدامات ميدانية بحق العشرات من الشبان الجنوبيين، وقبض الفرنسيون بعدها أدهم خنجر في دارة سلطان باشا الأطرش في السويداء ثم اعدم بعد أيام في بيروت كما أعدم غيره. 

فهل يمكن إختزال كل التاريخ الفرنسي وحكمه بمجازر حملة نيجر أو قتل الاحرار الذين ثاروا عليها، كما اختزل كتاب التاريخ اللبناني الحكم التركي بالعسكريين الذين انقلبوا على السلطان عبد الحميد عام 1909؟

من هؤلاء العسكريين جمال باشا السفاح، الذي دخل ورفاقه بمغامرة الحرب الكبرى فعاثوا  ببلادهم خرابا وقمعا وفسادا قبل هزيمتهم في الحرب، ثم ابادتهم من قبل شعبهم التركي الذي حاسبهم على جناياتهم بعد ان حلت الهزيمة واختفت السلطنة العثمانية من الوجود.

السابق
هل طوي ملف الخلاف بين عباس جعفر ونقابة الفنانين السورية؟!
التالي
الجيش الاسرائيلي ينشر المزيد من أنظمة الدفاع الجوي قرب الحدود مع لبنان