زيارة الحريري: ترسيم الحدود أولوية والاستحقاقات الأخرى تنتظر

مع استشفاف توجه الولايات المتحدة الأميركية نهاية الشهر الفائت، عبر قراءة ما بين سطور رسالة سفارتها في بيروت، نحو عدم السماح باستباحة محور الممانعة الساحة اللبنانية، وتأكيد رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري في دردشة مع المراسلين العرب المعتمدين خلال زيارته الأميركية، استمرارَ الولايات المتحدة بتقديم “كل الدعم للجيش اللبناني”، و”لديهم (الأميركيين) عقوبات قد تهدد لبنان متعلقة بحزب الله”، وأنه يسعى كرئيس حكومة إلى تجنيب الاقتصاد اللبناني أي تأثر بها، ونفيه علمه بأي عقوبات محتملة على مصارف ومؤسسات مالية لبنانية أو حلفاء لحزب الله، وأنه يعمل على ألا يكون لبنان في موقع خطر نتيجة مصانع صورايخ حزب الله فيه، وتأكيده أن لبنان لن يكون في هذه المسألة “بوليس لدى إسرائيل”، مقرًّا بخروقات متبادلة للقرار 1701، منها ومن حزب الله، وأن خروقاتها أكثر، ودعْوَته إلى الاستعجال بترسيم الحدود، والبحرية منها بالأخص، قائلاً إن الأمر “حيوي ومهم جداً للبنان اقتصادياً، وربما لهم (للأميركيين) أيضا”، تحت رعاية الأمم المتحدة وإشراك الأميركيين، وتأكيده اهتمام لبنان بتشديد الإجراءات في المرافئ لمنع التهريب عبر مشروع قانون في موازنة العام 2020 لوضع ماسحات ضوئية (Scanners) على كافة المعابر وفي المطار “ليس لأن الأميركيين طلبوا ذلك بل لأن اقتصادنا يتأثر به بشكل كبير”، وإعلانه الرفض المطلق لـ”صفقة القرن”، ونفيه أي رسائل مبطنة من حسن نصر الله إلى وزير الخارجية الإيراني ضده خلال تواجده في الولايات المتحدة، وكذا تصريحه في الشأن الداخلي بأن “من يمس بوليد جنبلاط يمس بي شخصياً وبالرئيس بري”، قائلاً إن “لدى جنبلاط حلفاء، كالرئيس بري والقوات اللبنانية وأنا وغيرنا”…..

اقرأ أيضاً: بومبيو للحريري: تحمّلوا مسؤوليّاتكم أو ترقّبوا الانهيار

جاءت كلمة وزير الخارجية الاميركية مايك بومبيو بعكس توقعات المراقبين والمحللين، الذين لا يزال مشهد تشدده في بيروت ماثلاً في أذهانهم، ما دفعهم إلى توقع مشهد مشابه أو ربما أكثر حدةً في واشنطن، ليفاجأوا بعدم تركيزه كثيراً في كلمته على مسألة التهديد الإيراني للبنان عبر حزب الله، بل على استمرار الولايات المتحدة في محاولاتها فض “الإشكال الحدودي الجنوبي” بين بيروت وتل أبيب، ما رسم صورة للأولويات الأميركية على الساحة اللبنانية في قابل الأيام: السعي الحثيث لحل الإشكال البحري بين لبنان وإسرائيل عبر تكثيف مندوبيها ديفيد ساترفيلد وديفيد شينكر جهودهما في هذا الصدد، علهما يفلحان في التوصل بسرعة إلى صيغة ترضي الطرفين المعنيين بها: لبنان وإسرائيل، خصوصاً أنهما مستعجلان لإنهائها، إضافة إلى المنافع الاقتصادية المهمة للولايات المتحدة المرتقبة من وراء اطلاق عملية التنقيب عن النفط في هذه البقعة، كما أن حل مشكلة ترسيم الحدود وبداية التنقيب ربما سيساعد واشنطن سياسياً في تليين موقف لبنان تجاه “صفقة القرن” وينزع من يد حزب الله ورقتين للإبقاء على سلاحه، أولاهما تحرير الاراضي اللبنانية المحتلة التي ستتوضح هويتها وتبعيتها عبر ترسيم الحدود، وثانيتهما حماية الثروة النفطية، التي سيرضى لبنان الرسمي بحصته منها إثر اتفاق مع إسرائيل عليها عبر الأمم المتحدة.
حزب الله من جهته بدا في واد آخر، وغرد أمينه العام في ذكرى حرب تموز على ليلاه المعهودة والممجوجة في آن، موجهاً رسائل للحريري ولواشنطن في آن، وبمنطق “الأمر لي”، تضمنت أنهم مهما قالوا أو فعلوا فلن يؤثروا جناحَ بعوضةٍ في ولاء الحزب المطلق لإيران واستمرار المحاولات لإبقاء لبنان أسير محورها، وبعد أن كرر اللازمة عن تزايد قوة المقاومة واستعدادها لكل حرب مقبلة، وتذكيره بما سماه نصراً في حرب تموز 2006 “بدعم ومساندة كاملة من الجمهورية الإسلامية في إيران”، وفق ما قال إنه ورد في برقية دعم أرسلها إلى وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف وتضامُنٍ معه إثر فرض عقوبات أميركية عليه في 31 تموز الماضي، بتأخير الإعلان عنها حتى 14 آب، اليوم الموافق لتاريخ انسحاب إسرائيل في حرب 2006 ووجود الحريري في واشنطن في 2019، وكأنه تذكير بعملية إقالته في 12 كانون الثاني 2011 خلال زيارته العاصمة الأميركية أيام الرئيس السابق باراك اوباما على خلفية نزاع على المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس رفيق الحريري، وبأن “أي رسائل ستحمّلها الادارة الأميركية الرئيس الحريري الى الرئيس ميشال عون، الذي أنوّه بمواقفه (يشير إلى قوله خلال دردشة مع الصحفيين في باحة المقر الرئاسي الصيفي في بيت الدين: “في حال تكرار الحرب علينا، نأمل تكرار الانتصار”) بخصوص تحالفه مع الحزب ستبقى دون جدوى”، وخصوصاً التحذيرات بإمكان مطاولة العقوبات شخصيات في تياره السياسي، من المقربين اليه أو ضمن حلقته الرئاسية الضيقة.
لكن رسائل نصر الله تبقى مجرد “تظاهرات” إعلامية لشد العصب لا أكثر، فهو يعلم أن الادارة الاميركية ليست في وارد الضغط على لبنان الرسمي لدفعه الى “التخلص” من الحزب او اخراجه من الحكم، لانها تدرك عدم قدرته على هذا ولو أراده، بل هي لمجرد تذكير الحريري إبان زيارة الأميركية بـ”أننا هنا”، بانتظار يوم ربما يأتي تنحلّ فيه العقدة الأميركية- الإيرانية ويتم الجلوس الى طاولة المفاوضات لرسم خريطة طريق جديدة بين الطرفين.

السابق
واشنطن: إيران تهدد المنطقة.. وعقوبات على غير الشيعة اللبنانيين
التالي
أمن لبنان من أمن المقاومة