جبران باسيل.. وزير خارجية لبنان أم حزب الله؟!

جبران باسيل

يُحبّ الإعلام والتصريحات، ويجد المتعة في إثارة النعرات، ويهوى الصدامات والخصومات، وتغريداته مرتبطة بأجندات، وهدفه خلق العداوات وضرب العلاقات، وقدرته على صنع المشكلات لا يستثني منها أحدًا لا شقيقاً ولا صديقاً، وسقطاته الإعلامية والسياسية كثيرة شعبوية وعنصرية تتخطى الحدود.

نحن أمام ظاهرة (باسيلية) عجيبة، لا تنتج إلا الضجيج المزعج الذي لم يصب في الصالح اللبناني، ولا العربي، بل فقد لبنان بفضله معظم صداقاته، وبات على الهامش في محيطه العربي والعالم.

المارونية السياسية

الرهان على قوى الخارج أضحى صناعة لـ “حلف المقاومة” بامتياز، مستغلاً الظروف الإقليمية والطائفية للتسلط على المشهد السياسي.

الحياة السياسية والوطنية الآن في لبنان شبه مفقودة، لا احترام لدستور ومؤسسات، ولا لسيادة وطنية، والتصريحات الزاخرة بالطائفية للمقاومين جبران باسيل وحسن نصر الله حملت الكثير من العلامات والدلالات على سقوط الحد الأدنى من الحياة السياسية والوطنية.

والمارونية السياسية مصطلح قديم مرتبط بماضي السياسة اللبنانية، أيام كان الانقسام بين الحركة الوطنية من جهة، واتحاد الأقطاب المارونية المدعوم غربياً من جهة أخرى، ولغة باسيل عن المارونية السياسية تخاطب بلا شك حنيناً مسيحياً للجمهورية الأولى ما قبل الطائف، ولتركيبة نظام سياسي كان لرئيس الجمهورية فيه الموقع الأساس.

اقرأ أيضاً: الضروري الضروري بين الرياض وبيروت

أحيا الوزير باسيل مصطلح «المارونية السياسية»، في كلمة له أثناء زيارته لمنطقة البقاع أمام حشد من اتباع حليفه حسن نصرالله، فجاءت كلمته شاهداً على موت الحياة السياسية اللبنانية، عندما قال: «السنيّة السياسية أتت على جثة المارونية وسلبت كل حقوقها ومكتسباتها، ونحن نريد استعادتها منهم بشكل كامل»، (في إشارة إلى عدم رضاه عن اتفاق الطائف الذي أكد بالنص أن لبنان بلد عربي، وأسقط فكرة لبنان ملجأ لأقليات المنطقة، وأكد على أهمية العيش المشترك وأنه لا طائفة مميزة، وهو معنى لبنان في صلب اتفاق الطائف والدستور) وعبّر بكل وضوح عن ثأر تاريخي طائفي افترضه باسيل على سُنّة لبنان، والآن هو الوقت المناسب.

فالمارونية السياسية الباسيلية كغيرها من الطائفيات، تمقت المؤسسات، لأن النظام يعرقل سيطرتها ويجعل من المواطن صاحب حق وواجب أمام الدولة، والمارونية الباسيلية ليس مشروعها بناء دولة، بل بناء نفسها تسلّقاً على الدولة، كما هي حال حليفها الجديد حزب الله.

ومن خلال هذا المشروع يُمعن باسيل أكثر في عزل لبنان عن محيطه العربي كي يصبح جزءاً من المارونية الباسيلية، فالمارونية السياسية التي رافقت تأسيس لبنان أتت بحماية غربية فرنسية، بينما المارونية السياسية الباسيلية آتية هذه المرة بحماية إيرانية، وحتماً ستكون جزءاً من الشيعية السياسية.

باسيل وقصر بعبدا

يتقمص باسيل شخصية الزعيم والرئيس المسيحي، وهو تقمص في غير محله، ومثاله الأعلى في ذلك هو بشير الجميل وكميل شمعون. ودائماً العونيون يصرحون أن جبران باسيل في حالة صعود تشبه صعود الرئيسين الراحلين، وخصومه يعملون له ألف حساب.

لبنان في أسوأ أيامه قتامة، لم يشهد حالاً من الضحالة كالتي نراها فيه الآن، فالمشهد السياسي بات إلى حد بعيد مختزلاً بشخص وزير الخارجية جبران باسيل، الذي يجتاح المشهد السياسي على مدار اليوم، ويطلق التصريحات، ويحدد المواقف، ويعقد المؤتمرات الداخلية والخارجية، فيما تكتفي الأطراف اللبنانية الأخرى بردات الفعل، وهذا ما يطمئنه ويمده بزخم على المثابرة.

فباسيل الطامح للزعامة المارونية ثم الوصول إلى قصر بعبدا، يطلق سهامه باتجاه الجميع غير آبه بالحسابات.

والكلام الشعبوي الذي يطلقه بمناسبة وغير مناسبة يلقى آذاناً صاغية لدى معظم الوسط العوني وحليفه حزب الله، فيزداد إثارة للجدل أسبوعاً بعد آخر، فيسعى باسيل إلى توظيف إمكانات الدولة لخدمة طموحاته الرئاسية، رغم السياسة الإلغائية التي تتحكم بسلوكه في الحكومة وخارجها، فإنه يتعامل مع الأمور على أنه الممثل الشرعي الوحيد للمسيحيين، ويعمل على كسب فريق الممانعة لعله يدفع بحليفه حزب الله أن يمنحه الأفضلية في منافسته على رئاسة لبنان مستقبلاً، ظناً منه أن قربه من حزب الله سيكسبه تأييد النظام السوري الذي ما زال يتحكم بخيوط رئاسة لبنان.

لذلك يدرك باسيل أن لا قضية تستولدها الحال الراهنة تجعل المسيحيين عامة يجمعون على شخصه كما حصل في عهد الجميل وشمعون، لذا يحاول تعويض المارونية السياسية بخطاب تسويقي إرضاء لحليفه الإرهابي.

فالرجل الذي وصل إلى منصب وزير خارجية لبنان من دون كفاءة سياسية، فقط لكونه صهر الرئيس عون، يذهب بنظره بعيداً ولا يقبل أقل من وراثة عون.

النأي بالنفس

دائماً ما يخالف باسيل الإجماع العربي ويرفض أي قرار يصدر عنه يدين تجاوزات إيران وأذرعها في المنطقة، وعلى رأسها حزب الله، بدعوى أنه يتعارض مع منطق النأي بالنفس الذي انتهجته الحكومة اللبنانية، حتى لو عرّض ذلك لبنان لأزمة مع محيطه العربي.

وسياسة النأي بالنفس التي ينتهجها باسيل لا تطبّق إلا في حالات تكون خادمة لصالح حزب الله الإرهابي وسياسة الولي الفقيه، فهو يعمل جاهداً إعادة لبنان إلى دائرة الوصاية الإيرانية والسورية الأسدية ما يزيد من تهميشه عربياً، ويثبت يوماً بعد آخر أن السياسة الخارجية لا ترسمها الدولة اللبنانية، بل دويلة حزب الله ووزيرها باسيل الذي تربطه علاقات قوية مع ولي الفقيه عبر زياراته المتعددة إلى طهران.

ويدل ذلك على عدم الالتزام بمصلحة لبنان ومصلحة شعبه، وعدم احترام الدستور، ما يضر بمصلحة لبنان ويهدده بالخراب.

فهذه السلطة الباسيلية، التي تحكم بإشراف وهيمنة حزب الله العلنية، تشعر أنها غير مسؤولة عن أفعالها، وغير مجبرة على تقديم أي حساب لأحد عما تمارسه بحق البلاد والعباد.

هذا ما يذكرنا بمقولة جان بول سارتر: “إن المرء يشعر نفسه أكثر من مجرد إنسان حين يتمكن من فرض نفسه، ومن جعل الآخرين أدوات تطيع رغباته، ما يعطيه لذة لا تضاهى”.

فالسياسة كما يفسرها باسيل تقوم على جعل اللبنانيين يفعلون تبعاً لاختياراته، ويريد أن يقول لهم: سأفرض سياسة الأمر الواقع عليكم رغم كرهكم لها، فهذا زمن السياسة الباسيلية.

الأموال الإيرانية

لا خلاف على أن هناك علاقة وطيدة بين جبران باسيل وإيران، إذ كشف وزير العدل اللبناني السابق، اللواء أشرف ريفي من خلال مؤتمر صحفي، عن أن باسيل قد تلقى الكثير من الأموال الإيرانية مقابل تمرير صفقات مشبوهة وتوفير غطاء لحزب الله الإرهابي والإيرانيين لتنفيذ مخططاتهم الإرهابية في لبنان والمنطقة، وأن باسيل الفاسد الأول في لبنان، وهذه الأموال كانت تأتي في صناديق مساعدات كتب عليها الهلال الأحمر الإيراني.

وذكر أشرف ريفي أن الأموال الإيرانية تصل بشكل نقدي عبر مطار بيروت ومدارج يسيطر عليها حزب الله ويمنع الدولة اللبنانية من وضعها تحت المراقبة. وكانت تلك الأموال توزع لصالح الحلفاء ومن بينهم التيار الوطني الحرّ، وأن باسيل هو الذي كان يعمل على نقل الأموال الإيرانية من المطار بسيارته الخاصة، وهذه الأموال كانت بدلاً نقدياً للمواقف السياسية التي كان يتخذها باسيل لصالح إيران والحزب على حساب لبنان ومحيطه العربي.

ومن خلال هذا التصريح يتضح أن باسيل يحصل على هذه الصفقات بغطاء من حزب الله، مقابل منح الحزب غطاء شرعياً لتنفيذ مشروعاته التخريبية في المنطقة.

ومن شأن هذا الكلام أن يسلط الضوء أكثر على مطار بيروت، الذي يبدو أن الدولة اللبنانية عاجزة عن السيطرة عليه في ظل سطوة حزب الله على المرافق العامة في البلاد.

مصلحة مشتركة

فالهدف الذي يأمل باسيل إصابته هو الرئاسة كما ذكرنا آنفاً، وكل المعركة التي يخوضها باسيل هي لخلافة عمه عون، وقرّر أن يضع كل بيضاته في سلّة حزب الله لكسب تأييده، واعتقاده أن تأييد الحزب له يسهّل مهمته، ويريد أن يبدأ معركته الرئاسية من المربّع نفسه الذي بدأ منه ميشال عون.

وبيّن باسيل أنّه لا بد للتحالف مع حزب الله أن يستمر، فالمصلحة مشتركة، مؤكداً على أنّ التيار الوطني وحزب الله على الموجة نفسها في السياسة الخارجية.

فباسيل زعيم التيار الوطني الحر الذي يُشكل غطاءً مسيحياً كبيراً لحزب الله، لا يستطيع حليف آخر تأمينه، وفي المقابل باسيل طموحه الرئاسة، ويرغب بالبقاء حليفاً لحسن نصر الله الذي يملك “فيتو” عابراً للاستحقاقات، ويمكنه من الاستحصال على ضوء أخضر من حلف المقاومة الذي ينتمي إليه، للتصرف بلبنان بما يرونه مناسباً.

التنسيق الخطابي

قال جبران باسيل “سنسقط مخطط التوطين، وسيعود الفلسطيني والسوري إلى أرضه ودولته ووطنه، وهذا هو تصميمنا وهذا هو لبنان الذي نعرفه: أرض الكرامة لكل إنسان حر وليس موطناً للتهجير ولامتهان كرامة الناس”.

وتأتي تصريحات باسيل بعد ساعات من تصريحات مشابهة لحسن نصر الله أمين عام حزب الله الإرهابي، والذي شدد فيها على ضرورة عودة اللاجئين الفلسطينيين والسوريين، متهماً الولايات المتحدة ودول الخليج بعرقلة تلك العودة لأسباب سياسية، متناسياً أن تدخل ميليشياته في سورية حوّل مدنهم وقراهم إلى خراب، وأراضيهم إلى مزارع حشيش.

“باسيل” الموالي لميليشيا حزب الله لا يترك مناسبة محلية أو دولية إلا ويطالب فيها بترحيل اللاجئين السوريين الهاربين من جحيم بشار الأسد إلى بلادهم مرة ثانية، بل ويحرض المجتمع الدولي عليهم بزعم أن مناطق تجمعات السوريين تؤوي مسلحين وإرهابيين يعملون على تفجير لبنان.

فالحملة الباسيلية العنصرية الفجة ضد السوريين والفلسطينيين، لن تتوقف ما دام رعاتها جبران باسيل وحسن نصر الله.

إذاً، لماذا لا يدعو جبران باسيل ميليشيا حزب الله للخروج أولًا من سورية وترك حربها الطائفية إلى جانب نظام الأسد؟ ألا يرى باسيل أن الميليشيا التي يؤيدها سبب رئيس في تهجير السوريين من بلادهم إلى لبنان.

لم ينتهِ المسلسل العنصري الباسيلي ضد اللاجئين السوريين عند هذا الحد، بل ظهرت مواقع إلكترونية باسيلية وحسونية تربط في أخبارها بين وجود اللاجئين السوريين في لبنان، وبين جرائم كالسرقة والتحرش والاغتصاب والإرهاب، محاولة وصم اللاجئين السوريين بالجريمة المنظمة.

ويهدف باسيل من ذلك تحريض العالم للضغط على اللاجئين للعودة إلى حضن النظام السوري ليزجهم في حربه ضد أهاليهم، وذلك من باب وقوفه إلى جانب النظام السوري الذي أطلق على باسيل لقب وزير خارجية العرب في صحفه الرسمية الموالية.

فغالبية هؤلاء اللاجئين هم أناس هربوا من الحرب، وخسروا منازلهم في أرياف دمشق وحمص لصالح ميليشيات حزب الله الطائفية، والأشد قسوة في هذه المعادلة هو عودتهم المستحيلة إلى بلادهم المدمرة.

لا نتحدث عن خطاب كراهية عابر يمكن التغاضي عنه، بل هو حملة باسيلية ممنهجة ومتصاعدة، من خلال مئات اللافتات حملت عبارات شديدة القبح والامتهان وقلة الكرم.

فملف اللاجئين السوريين الذي يحمله باسيل معه أينما حل، مطالباً بعودتهم إلى ديارهم، دفع وليد جنبلاط إلى السؤال: “من الحاكم في هذا البلد، وما هو موقف رئيس الوزراء، وهل سنرحّل هؤلاء إلى التصفية في سورية؟”.

فالمقاوم باسيل لا يفوت فرصة لحضور مناسبة دون أن يتعرض للاجئين السوريين والمخيمات الفلسطينية في لبنان، رابطاً ذكرهم بالإرهاب.

الجينات اللبنانية

يريد جبران باسيل صياغة هوية لبنانية، ذات بُعد جيني، معادية للآخر، مشبعة بالأحقاد والتعبئة العنصرية ذات الخلفية الطائفية، ونافية لكثير من القيم الإنسانية.

أثارت تصريحات باسيل المسيئة بحق اللاجئين السوريين والفلسطينيين والعمالة الأجنبية في لبنان، موجات من السخرية، وبلغت تصريحاته المثيرة للجدل إلى حد التباهي بما سماه “الجينات اللبنانية”، مما وجهت له اتهامات عدة وصلت إلى العنصرية ومعاداة اللاجئين والمهاجرين والتحريض ضدهم وتعريضهم للخطر.

حتى وصل الأمر إلى توقيع مئات اللبنانيين عريضة تحت عنوان “تصريحات باسيل لا تمثلني”، مطالبين بوضع حد لخطابه الشعبوي الذي يضر بلبنان ومحيطه، ويعرض السلم الأهلي للخطر.

ولم تفلح حملات الاستياء اللبنانية بدفع باسيل نحو الاعتذار، بل قال مدافعاً عنها “من الطبيعي أن ندافع عن اليد العاملة اللبنانية بوجه أي يد عاملة أخرى أكانت سورية فلسطينية فرنسية سعودية إيرانية أو أمريكية فاللبناني قبل الكل (8/6/2019)”.

فيزعم باسيل أنه يدافع عن العمالة اللبنانية، أليس هذا تهديد لمصالح مئات آلاف اللبنانيين المنتشرين في العالم بقصد العمل؟ فلو طبقت الدول المضيفة، خصوصاً دول الخليج المبدأ الباسيلي نفسه لطردت العاملين اللبنانيين لديها، وأجورهم عشرات أضعاف العمال البسطاء من السوريين والفلسطينيين الذين لهم دور كبير لا ينكر في تطوير اقتصاد لبنان.

وما زعمه باسيل عن وجود عمالة سعودية في لبنان أمر غير صحيح، فالسعوديون يدخلون لبنان كسائحين ومستثمرين فقط وليس كعمالة.

وتعد السعودية أكبر الداعمين للبنان على الصعد كافة المالية والعسكرية والسياسية والسياحية، وعندما يكون وزير خارجية بهذه اللا منطقية ويريد إشراك المملكة فقط في كل إساءة، هنا نقول كان الله في عون لبنان وشعبه.

فحماية اليد العاملة اللبنانية وفقاً للقانون شيء، والتحريض العنصري على أي عامل أجنبي شيء مختلف تماماً، خصوصاً أنه مشبع بفرضية سياسية وأحكام غير صحيحة.

والأمر الغريب أن باسيل لا يكف عن تمنية اللبنانيين بالاستفادة من إعادة إعمار سورية، لكنه يريد طرد السوريين، وقد احتل حزب الله اللبناني أرضهم، وقتل حلمهم بالحرية بتسليمهم لبشار، والمقاوم باسيل جزء من تحالف الأقليات الذي قرر أن يفرغ دمشق وريفها من نحو أربعة ملايين سني. ثم يريد أن يشغل اللبنانيين ويشركهم في إعمار سورية.

ألا ينتبه إلى أن هؤلاء المستضعفين سيعودون محملين بالأحقاد، وسيستعيدون يوماً زمام المبادرة، وحينها لا يحق لباسيل وحلفائه أن يشتكوا من عنصرية هم أشعلوها.

لا ينتبه باسيل في موقفه من الأسد، بأنه يُسقط صورة النضال المسيحي التي يحب أن يلبسها، عندما يذكرنا بـ 7 أغسطس 2001م، يوم قمعت أجهزة الأمن اللبنانية مئات الطلاب المتظاهرين ضد الوجود السوري، بينما نراه الآن يقفز فوق سورية الممزقة وشعبها الذي هُجِّر منه أكثر من نصفه، وقُتل منه ما لا طاقة لأحد على تعداده.

فالدبلوماسي عادة يتحلّى بالتعقل في حديثه، ويختار كلماته بعناية خشية الزج ببلاده في مأزق غير محمود، لكن الأمر يختلف لدى باسيل الذي دأب على إطلاق التصريحات المثيرة للجدل والمسيئة غير عابئ بمنصبه ودولته ليسقط فريسة الانتقادات.

السيادة الباسيلية

السيادة الباسيلية سيادة قوية وشديدة حيال الفقراء السوريين والفلسطينيين وضعيفة حيال أغنيائهم. ولا تعني المعادلة الحرص على الاقتصاد اللبناني، فهذا آخر هم الباسيلية. فالأغنياء مجنسون، أصدقاء للوزراء والرؤساء، وليسوا أصدقاء الاقتصاد اللبناني، بينما الفقراء اللاجئون والذين تُمول الأمم المتحدة أغلبهم، محط تندر السياسة الباسيلية.

فقال باسيل في تغريدته “هذه الأرض التي أثمرت أنبياء وقديسين لن يحل محلنا فيها، لا لاجئ ولا نازح ولا فاسد”، وقال مرة ثانية خلال مؤتمر صحفي في بيروت: “النزوح هو رافد أساسي لتغذية الإرهاب” فهنا الباسيلية وضعت اللاجئ والنازح بجانب الفاسد وكذلك رافدين لدعم الإرهاب!، فلا يمكن لمثل هذا الخطاب التحريضي أن يمثل الشعب اللبناني ولا سياسته الخارجية.

التفاح الكاسد

وجد وزير الخارجية اللبناني، جبران باسيل، حلًا للمزارعين اللبنانين بتصريف موسم التفاح على حساب اللاجئين السوريين الموجودين في لبنان.

باسيل غرد على حسابه في تويتر، أثناء مشاركته في اجتماع وزراء الخارجية في مقر الأمم المتحدة في نيويورك، “تكلمت مع عدة دول ومنظمات دولية سابقًا، وحاليًا خلال وجودي في الأمم المتحدة، وزادت قناعتي أن تصريف التفاح يكون بإلزام منظمات النازحين بشرائه”.

وكان المزارعون اللبنانيون ناشدوا الحكومة اللبنانية على إيجاد أسواق خارجية لتصدير موسم التفاح بعد كساده في المخازن، إلا أنهم لم يتوقعوا أن يكون التصريف استهزاءً واستخفافًا باللاجئين الموجودين في لبنان.

فتجاوبًا مع حسن الضيافة باسيل يريد أن يطعم اللاجئين السوريين تفاح لبنان الفاسد وبقوة الأمم المتحدة!.

الوزير والهدية الملغومة

يعدّ باسيل والتيار الوطني الحر أحد أبرز حلفاء حزب الله في لبنان.

ومنذ تسلمه وزارة الخارجية اللبنانية، له سلسلة مواقف، ساهمت في إبعاد لبنان عن الحضن العربي، وقربته أكثر فأكثر من المحور الإيراني ممثلاً بحزب الله الإرهابي.

زار وزير الخارجية اللبناني، جبران باسيل، مدينة جبيل اللبنانية ذات الأكثرية المسيحية الواقعة شمال لبنان ثم عرج على قرية رأس قسطا الموالية لحزب الله، فاستقبلت الوزير المقاوم استقبالاً حاراً، وقدّم مسؤولون في حزب الله لباسيل قذيفة مستعملة كهدية تذكارية، وكُتب على القذيفة: «تحية تقدير ومحبة لمعالي الوزير المقاوم جبران باسيل»، وتم تثبيت علمي التيار الوطني الحر الماروني وحزب الله على القذيفة، وكللوا رأس باسيل المقاوم بالعلَمَين الأصفر والبرتقالي تدليلاً على شراكتهما في المقاومة المزعومة.

أثارت هدية باسيل جدلاً واسعاً في لبنان والعالم، فالوزير المقاوم تلقى هدية جميلة أهداها له حزب الله الذي يحتل لبنان خدمة للولي الفقيه، وما أسوأ المصير في بلد تمنح ميليشيات إرهابية وزراء فيه شهادات بالوطنية.

وربما قد تكون الهدية رداً من باسيل على دعوة الأمم المتحدة لنزع سلاح ميليشيا حزب الله الإرهابية، فعشية تلقي باسيل الهدية، كان الأمين العام للأمم المتحدة قد دعا الحكومة اللبنانية، إلى ضرورة احتكار الدولة اللبنانية امتلاك الأسلحة واستخدام القوة العسكرية دون سواها من أحزاب وميليشيات، مُسميا حزب الله بالاسم، ومُنبّهاً إلى خطورة دوام الحال على ما هو عليه، وضرورة احترام القرارات الدولية.

لا شك أن الحلف بين حزب الله والوزير المقاوم هو تحدٍّ للمجتمع الدولي، ومجرّد قبوله الهدية بمثابة إهانة للبنان وتعريض مصالحه الدولية للخطر، وتكريس الأمر الواقع بأن الدولة اللبنانية خادمة لدويلة حزب الله.

وعلى باسيل أن يتنبّه إلى أنه يمثل الدبلوماسية اللبنانية التي تشكّل صلة الوصل بين لبنان والعالم الذي يرى حزب الله منظمة إرهابية تعرض استقرار لبنان والمنطقة للخطر.

ختاماً، نجد أن المقاوم باسيل يحرص على أن يستيقظ اللبنانيون في معظم أيامهم على ما يذهلهم من تصريحاته، يريد أن يقول للمارونيين خصوصاً وحلفائه عموماً أنه قوي إلى حدّ يمكنه من مواجهة العالم وحده، لكن لبنان المنتهكة سيادته، والمُهدد اقتصاده، والعاجز عن ضبط ميليشيات إرهابية تعبث في مدنه وقراه، لا يرى باسيل أنها تستحق المواجهة، فالباسيلية عنده فقط قفزات صوتية في الفراغ.

السابق
تجار حسبة صيدا يشكون الكساد في بضائعهم
التالي
«البيت اللبناني»: نتضامن مع أوجاع الشعب.. ومفارقة سيادية في كلام نصرالله