جنبلاط الى موسكو و«حزب الله» يخسر جبليّ الدروز في لبنان وسوريا؟

احمد عياش

ما زالت الطريقة التي يتعامل بها “حزب الله” مع الاحداث الدامية التي شهدها الجبل الاحد الماضي مثيرة للتساؤل. وحاول المتابعون للحزب في الايام الماضية فهم الاسباب، التي أملت ولا تزال، على موقع “العهد” الالكتروني التابع للحزب، تغطية هذه الاحداث وكأنها “ثانوية”. علما أن ذروة تطورات ذلك اليوم أدت الى قطع أهم شرايين التواصل بين بيروت وكلّ من الجنوب والبقاع، على رغم ان أكثرية عشرات الالوف ممن تقطعت بهم السبل بسبب ذلك، هم من الشيعة في المنطقتيّن. فهل من سبب وجيه يبرر هذا السلوك من الحزب؟
قبل عرض المعطيات التي بحوزة “النهار” حول ما يحيط بحسابات “حزب الله” الجديدة في لبنان وسوريا عموما ، وفي مناطق النفوذ الدرزية في البلديّن، توقف المراقبون عند المواقف التي أعلنها وزير الدولة لشؤون مجلس النواب محمود قماطي ، وهو أحد وزراء الحزب الثلاثة في الحكومة، من دارة رئيس “الحزب الديموقراطي اللبناني ” النائب طلال أرسلان في خلدة. في هذه المواقف ظهر صاحبها وكأنه سياسي آت من بلد غربي، عندما رفض “أن تكون هناك منطقة مغلقة ” مبشرا ب”إنتهاء عصر الميلشيات!”وفي الوقت نفسه، وبينما كان الوزير قماطي يصرّح بهذه المواقف عبر شاشات التلفزة، كانت إحداها تغطي وقائع توقف أرتال طويلة من السيارات علقت بسبب إضرام عناصر من حزب أرسلان النيران في الاطارات، قاطعين المرور في الاتجاهيّن على اوتستراد خلدة. وفي هذه التغطية روت سيدة شيعية معاناة الانتظار الطويل لإكثر من ثلاث ساعات فيما كانت متوجهة من الجنوب الى بيروت لتكون الى جانب والدها المريض في أحد مستشفيات العاصمة.بالطبع لم يستحق هذا المشهد أي تعليق من قماطي او من كل وسائل إعلام “حزب الله”!

اقرأ أيضاً: حزب الله ورقة إيرانية تفقد جدواها الإقليمية

في معلومات لـ”النهار” من اوساط سياسية، ان “حزب الله” دأب منذ فترة غير قصيرة على دعم خصوم رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط سواء ضمن طائفة الموحدين الدروز،أو ضمن سائر الطوائف ، وفي طليعتهم “التيار الوطني الحر”.وبعد سلسلة طويلة من الاشكالات في السياسة والامن، كان قرار الاشتراكي أخيرا ،منع رئيس التيار الوزير جبران من إكمال جولته في المناطق الدرزية من قضاء عالية.وكاد أنصار جنبلاط يتنفسون الصعداء عندما تناهى اليهم ان باسيل قرر عدم إكمال جولته بناء على تقارير أمنية. لكن هذا الارتياح سرعان ما تبخّر ،عندما وقعت سلسلة من المواجهات مع موكب وزير شؤون المهجرين صالح الغريب الذي ينضوي ضمن التكتل الوزاري الذي يترأسه باسيل.وتعترف هذه الاوساط ، ان مشهد إنسحاب باسيل من المنطقة ، كاد ان يكون مكسبا سياسيا ل”الاشتراكي”. لكن سقوط الدم الدرزي بسبب موكب الغريب، تحوّل الى مكسب سياسي لـ”التيار العوني”.
مع تسليم هذه المصادر بأن “حزب الله” شعر بأن ميزان القوى في الجبل تبدّل الاحد الماضي لمصلحة جنبلاط ، إلا انه أصرّ على عدم إنكسار حليفه أرسلان فغطاه اولا ميدانيا في قطع شريانيّ التواصل مع الجنوب والبقاع.ثم غطاه سياسيا في مطلب تحويل الملف على المجلس العدلي ما عطّل إنعقاد مجلس الوزراء الثلثاء.
في الصورة الاوسع التي رسمتها مصادر ديبلوماسية لـ”النهار”، ان نفوذ زعيم الحزب الاشتراكي فعل فعله في الفترة الاخيرة في منطقة السويداء في جنوب سوريا.وبموجب ترتيبات إستطاع جنبلاط إيجاد مخرج لإمتناع شباب جبل العرب (الدرزي) عن تأدية الخدمة العسكرية في جيش نظام بشار الاسد. وبعد سلسلة من الاتصالات، شارك فيها جنبلاط مع الجانب الروسي، تم الاتفاق على ان يؤدي الشبان هناك الخدمة في فرع الجيش الذي قامت ببنائه موسكو في موازاة الجيش الذي يقوده شقيق الاسد ماهر بدعم مطلق من إيران. وبفضل هذه الترتيبات جرى التوصل الى حل موضوع الفراغ الامني في الجنوب السوري على الحدود مع إسرائيل، ما أنهى أي وجود لقوات تابعة لإيران وفي مقدمها “حزب الله” الذي إنتهى وجوده كليا في تلك المنطقة.ولم تفت المصادر الاشارة الى ان نفوذ جبنلاط في السويداء له إمتداد جغرافي حتى جنوب لبنان الامر الذي يمثل تطورا إستراتيجيا لم يرق لـ”حزب الله” ومن ورائه طهران.
من الشائع داخليا، ان نظام بشار الاسد يقف وراء موجة التصعيد الاخيرة في جبل لبنان.ويجيب المعنيون على هذه الاشاعة بعدم إسقاطها من الحسبان. لكن هؤلاء دعوا الى النظر الى الموضوع من زاوية تطور العلاقة بين موسكو والمختارة التي شهدت برودة لإعوام خلت.لكنها سلكت في الاشهر الاخيرة مسلكا دافئا سيكون من ثمارها، قيام جنبلاط بزياة العاصمة الروسية متوّجا تحوّلا في العلاقات بين الجانبيّن ستكون له آثاره في لبنان بعدما ظهرت مفاعيلها في السويداء.
وترددت معلومات ان سفير روسيا في لبنان الكسندر زاسبكين الموجود في بلاده لقضاء الاجازة الصيفية قد لا يعود الى بيروت مجدداً، لإنه سيجري إستبداله بسفير جديد يكرس دفء العلاقات بين الكرملين والمختارة ،خلافا لما كان عليه الحال مع وجود السفير الحالي؟
بين احداث الجبل اللبناني الاحد الماضي الذي أعادت جنبلاط الى قلب المعادلة الداخلية من الباب الواسع ، الى تطورات السويداء في الاسابيع الاخيرة، لاجدال في أن البساط قد سحب من تحت إقدام “حزب الله” في مناطق الدروز في لبنان وسوريا معا. كيف سيرد الحزب على ذلك؟

السابق
من هم «الفلاشا» ولماذا يتظاهرون ويحتجون في اسرائيل؟
التالي
أقدم 20 مدينة في العالم.. والمدن اللبنانية في الصدارة!