طريق الحرير الى سوريا

اعادة اعمار سوريا

حين سُئل مصدر أمنى كبير هذا الاسبوع من سيعيد بناء سوريا بعد الحرب الاهلية اجاب دون تردد: الصينيون.

في السنتين الاخيرتين هذه هي الفرضية السائدة في اوساط الخبراء، ولكن عندما يدور الحديث عن استنتاج قاطع لمحافل الامن الاكثر صلاحية في اسرائيل، فان هذا لا يصبح مجرد تقدير أكاديمي. هذا يستوجب من حكومة اسرائيل ان تستعد لشرق اوسط جديد يكون فيه الصينيون لاعبين اساسيين. ان على محافل البحث والتقدير في اسرائيل من الحكومة وحتى الجيش ان تعد نفسها لأثار التواجد الصيني في سوريا على مكانة اسرائيل الاستراتيجية، ولكن في الحكومة الحالية لإسرائيل لا تتخذ القرارات الا بأثر رجعي وبشكل سطحي.

في 2015 صادقت اسرائيل لشركة صينية ان تدير ميناء حيفا على مدى 25 سنة، مع خيار لـ 15 سنة اخرى. وكان القرار اتخذ دون دراسة جدية، دون فهم كل آثار الدور الصيني على المدى البعيد في بنى تحتية استراتيجية مركزية. في وزارتي المواصلات والمالية كانوا واثقين بأنهم أذكياء وان العربة الصينية وعليها ترليونات الدولارت ستوقع علينا ايضا الفتات. غير أن الفتات الذي يسقط من العربة له ثمن سياسي، حزبي وامني تقف اسرائيل امامه اليوم منحرجة. فالأمريكيون يدعون بان الدور الصيني في ميناء حيفا هو مس بالأمن القومي الامريكي وليس بعيدا اليوم الذي تضطر فيه اسرائيل الى ان تقرر مع من تريد ان تعمل: الولايات المتحدة أم الصين. واليوم يحاولون عندنا اصلاح الختان ويفحصون امكانية تسوية مختلفة.

اما القصة الصينية في سوريا فمن شأنها أن تكون دراماتيكية ومعقدة أكثر بكثير. فأعمار سوريا هو مسيرة عشرات السنين، مع استثمارات كفيلة بان تصل الى تريليون دولار. لقد خسر الاقتصاد السوري حتى 2018 نحو 250 مليار دولار، نصف البنى التحتية دمرت، من أصل 23 مليون سوري هاجر 6 ملايين من الدولة. وأصبح 4 ملايين آخرين نازحين في دولتهم. واعادة سوريا الى وضعها في 2011 هو مشروع لـ 30 سنة. الروس غير قادرين على احتمال مثل هذا المشروع ولا يستثمرون في سوريا الا في البنى التحتية التي تحسن سيطرتهم مثل بنى تحتية معينة من الكهرباء او الاستثمارات في الجيش. اما إيران ففي وضعها الاقتصادي تحتاج قبل كل شيء لان تعيد بناء نفسها اولا. وليس للولايات المتحدة مصلحة في سوريا. والاوروبيون يتحدثون فقط وليس لدول الخليج والسعودية اي رغبة في مساعدة الاسد.

بقي الصينيون الذين يوجد لديهم سواء المال او المصلحة في اطار خطة “طريق الحرير” الذي يسعون لان يستكملوها حتى منتصف القرن. وتتضمن الخطة بناء مسارات برية وبحرية بين الصين والسوق الكبرى في اوروبا وبالتوازي خلق هيمنة صينية في مجال الاتصالات العالمية. لدى الصينيين لا فرق بين خطوة تتعلق بالأمن القومي وبين المشاريع الاقتصادية. وخطة طريق الحرير تأتي لضمان الهيمنة العالمية الصينية في مواجهة الولايات المتحدة وروسيا. وسوريا لن تتمكن ابدا من أن تسدد للحكومة الصينية الاستثمارات، وبالتالي فان ما هو متوقع ان يقع هو النموذج الافريقي – الصين تبني البنى التحتية في قسم كبير من دول افريقيا، ولما كانت هذه غير قادرة على ان تسدد الديون فان الاولى تسيطر على مقدراتها الطبيعية وبالأساس تستعبد سياستها في صالح المصالح الدينية. يشارك الصينيون اليوم في اقتصاد أكثر من 60 دولة في آسيا، افريقيا، الشرق الاوسط واوروبا، والتي بعضها مستبعد منذ الان للسياسة الصينية. عندما يصب الصينيون مئات مليارات الدولارات في سوريا، سيجلس الروس بهدوء في ميناء طرطوس وفي حميميم ويحافظوا على مصالحهم هناك. والايرانيون هم ايضا سيضطرون لان يتصرفوا على نحو جميل. اما اسرائيل فسيتعين عليها ان تتعايش مع مصالح العملاق الصيني على حدودها. فمتى يفكرون في اسرائيل لان يبدأوا بالاستعداد لذلك؟ حسب النهج الاسرائيلي – بعد يوم من حصول هذا.

السابق
ظهور «البغدادي» في تسجيل مصوّر للمرة الأولى منذ 5 سنوات
التالي
ريفي: لترسيم شبعا وكل الحدود مع سوريا وكل الدعم لمواقف جنبلاط