حزب الكتلة الوطنية

أعاد حزب الكتلة الوطنية إطلاق نفسه، قبل أيام، في إطار ورشةٍ تجديديةٍ وإصلاحيةٍ وتغييرية، ذات آفاقٍ دستورية، مدنية وعلمانية، تبتغي إحداث فارقٍ جوهريّ ونوعيّ في العمل السياسي والحزبي والوطني.
يمثّل هذا الحزب في رأيي المتواضع حاجةً ماسّة. لماذا؟ لأننانقيم في مستنقعٍ حزبيّ وسياسيّ، راكدٍ وآسن، منافٍ للديموقراطية والأنسنة والحياة المدنيّة السويّة. وهو مستنقعٌ أمّيّ، جاهليّ، عصبيّ، غرائزيّ، استنفاريّ، قطيعيّ، طائفيّ، مذهبيّ، عشائريّ، عائليّ، إقطاعيّ، استبداديّ، ومتخلّف. ولأننا بحاجةٍ إلى حزبٍ كهذا (بل أحزاب)، لتعرية ما نحن فيه من “أهوال” حزبية، حيث نفتقد أخلاقيّات هذا الحزب التاريخي وقيمه ومعاييره ومبادئه ومسلّماته، ونفتقد خصوصاً، على الصعيد العملاني والواقعي، أخلاقيّات تجربته الديموقراطية شبه الفريدة، وأخلاقيّات رجالاته وزعمائه ونوّابه ووزرائه وموظّفيه وأعضائه ومريديه، مثلما نفتقد الأخلاقيّات مطلقاً، كمقياسٍ صارمٍ لا مُعادِل له، ولا بديل منه، في حياتنا.

اقرأ أيضاً: لبنان… الأدوار المستحيلة

أفترض وأزعم، أن وجود حزبٍ كهذا، دولتيّ، علمانيّ، ديموقراطيّ، سياديّ، استقلاليّ، إنسانيّ، لا حربيّ، لا طائفيّ، مضادّ لمنطق الميليشيات والتقاسم والفساد، يمثّل ضرورةً مطلقة، لكنّ تحديات عظيمة تواجه هذا الحزب، ليس أقلّها أن يكون حزباً لما بعد عشرينات القرن الحادي والعشرين هذا، بما تقتضيه كينونة الحزب من حداثةٍ وفلسفةٍ ورؤى وخطط عمل وبرامج وهيئات ومجموعات متحرّكة ديناميّة فاعلة وأفرادٍ حزبيين. فهل حزب الكتلة الوطنية الجديد، هو كذلك؟ هل ينجح في كسر الدائرة الحزبيّة السياسيّة المغلقة، ويُحدث فجوةً في جدارها العقليّ والفكريّ السميك والعقيم؟ و… الفرسان الذين سيضطلعون بهذه المسؤوليات والمهمّات “المستحيلة”، من أعلى الهرم الحزبي إلى قاعدته، مَن هم، ومن أين يأتون، وكيف سيعملون، وأين، ومع مَن؟ وهل سيركّزون على العاصمة؟ وهل سينتشرون الجامعات؟ وبين الشباب؟ وفي عالم الأغنياء؟ وبين الفقراء والعمّال والفلاّحين؟ ومع أهل الطبقة المتوسطة المنقرضة؟ وفي المناطق والأرياف؟ أم سيكونون حزباً نخبويّاً مدنيّاً مدينيّاً للأوادم فحسب؟
تحدياتٌ – أسئلةٌ – استحقاقاتٌ من مثل: هل ستكون للحزب القدرة على تقديم رؤيةٍ سياسيةٍ ملائمة للحظة التاريخيٍة الراهنة بما يعادل المطالبة ببوليسٍ دوليّ على حدودنا الجنوبية مع العدوّ الاسرائيلي؟ هل سيملك الحزب الشجاعة والميزان الدقيق للضغط في سبيل إقرار الزواج المدني وحقّ المراة في منح الجنسية لأولادها، ولمواجهةالمسّ بحريّات الرأي والتعبير والفكر والتنوّع والاختلاف، والتصدّي لها؟ هل سيقف الحزب بالفعل في وجه نظرياتٍ، من مثل تحالف الأقليّات التي أعاد إحياءها نظام البعث الغارق في الدم مع حلفائه اللبنانيين، أكانوا من المنتفعين أم من فائضي القوّة أم من أصحاب عقد النقص الذمية؟ ماذا سيفعل الحزب حيال الأحلاف الداخليّة المعقودة مع القوى الإقليمية المتضاربة والمتصارعة، من هذه الجهة وتلك؟ هل سيعمل على الفصل بين الدين والدولة؟ هل سيتجاوز الحزب إغراءات السلطة والزعامة والـ”وان مان شو”، والمزايدات الشعبويّة التي تستخدمها الطبقة السياسيّة الحالية، بهدف تنظيم مجموعاتٍ شبابيةٍ فاعلةٍ نشيطةٍ، بهيكليةٍ حزبيةٍ حديثةٍ ومرنة تتواءم مع يوميّات شعبنا وعذاباته؟
هي تحدياتٌ عظيمة. بل استحقاقاتٌ شبه مستحيلة. لأنها تمثّل ثورةً كاملةً وشاملةً، لا مفرّ منها، لقيام الدولة.أيّاً تكن الأحوال، لحزب الكتلة الوطنية عليّ، الصداقة والحبّ والوفاء والنصح و… النقد. وله منّي، كلّ الاحتضان.

السابق
بغداد تنشد زمناً يليق ببلاد الرافدين
التالي
مخزومي من مجلس النواب: نعطي هذه الحكومة ثقتنا لستة أشهر