جيش لاجئون وإرهاب

على مدى يومين كاملين، قاد العقيد في مخابرات الجيش اللبناني ملحم حدشيتي وقائد اللواء التاسع العميد بيار ابو عساف حملة تنكيل باللاجئين السوريين في محيط قرية عرسال إلى أن أبلغت وزارة الخارجية الأميركية عبر سفارتها في بيروت السلطات اللبنانية بامتعاضها، واتصلت بقيادة الجيش اللبناني طالبة منه التوقف عن الاعتقالات العشوائية في عرسال، عندها بات العميد والعقيد يبحثان عن وفد من اللاجئين السوريين يزورهما ليبيض صفحتهما أمام السفارة الأميركية في عوكر.

في الساعة الخامسة من فجر يوم ٢٨ تشرين الثاني طوقت مدرعات اللواء التاسع في الجيش اللبناني، بمؤازرة مخابرات الجيش، ٣٠ مخيماً في محيط عرسال، معززة بمئات العناصر الذين داهموا المخيمات، وبحثوا في الخيم. كانت الحرارة صفر، والعناصر برفقة ضباطهم اخرجوا اللاجئين من خيمهم، واوقفوهم في الصقيع تسهيلا لعمليات البحث والتفتيش والتخريب في الخيم الكئيبة. “الا ان بعض العناصر تركوا اللاجئين في خيمهم، والحق يقال، ولم يخرجوهم من تحت أغطيتهم” يقول أحد الشهود قبل ان يضيف “اغلب العناصر تعرضت بالشتائم والسباب للاجئين خلال عمليات البحث، ولكن بعضهم كان بغاية التهذيب وفعل ما بوسعه لعدم تعريض النساء والأطفال للبرد والاهانة”، يضيف الشاهد الذي رفض ذكر اسمه.

اقرأ أيضاً: ليلة «حزب الله» في الجبل؟

لم يقل الجنود او ضباطهم عما يبحثون، ولا تم الاتصال بمسؤولي المخيمات (الشاويش) لإبلاغهم بأسباب المداهمات، او طلب أشخاص بالاسم، ولا قدمت مذكرات او لوائح اسمية بمطلوبين كما تنص القوانين اللبنانية، بل فقط دخلوا داهموا بحثوا واعتقلوا المئات، واقتادوا ما يقارب ٤٠٠ شخص، من أطفال (دون سن ١٨ سنة) ونساء ورجال وعجائز إلى قيادة كتيبة على إحدى تلال عرسال، قبل ان يتم الافراج عن النساء وعدد من الرجال، واقتيد الباقي الى مقر اللواء التاسع في اللبوة.

من العاشرة صباحاً وحتى الساعة الحادية عشرة ليلاً أوقف اللاجئون في العراء، دون ماء أو طعام، كلهم اقتيدوا بثياب النوم في صقيع عرسال واللبوة الصباحي، وتركوا دون السماح لهم باستخدام المرافق الصحية والمراحيض، بعضهم تعرض للضرب، ولكن لم يتم ضرب العجائز منهم، ولكن استثناء العجائز من الضرب لم يعفهم من تلقي الاهانات كما بقية المعتقلين.

“ماذا تفعلون في لبنان لحد الأن؟” هذا السؤال الاتهامي كان يتردد على مسامع المعتقلين الواقفين في البرد والممنوعين من استخدام المراحيض، كان العدد الاجمال لمن وصل إلى الثكنة يقارب ١٥٠ شخصاً، “لماذا لم تسجلوا عائلاتكم في (برنامج) العودة (الطوعية إلى سوريا)؟، لماذا لم ترجعوا إلى سوريا بعد؟ اذهبوا مباشرة للتسجيل في العودة (الطوعية)”. هذه هي الأسئلة والخطاب الوحيد الذي تلقاه اللاجئون.

عند الساعة الحادية عشرة ليلا تم الافراج عن أغلب المعتقلين، ونقل الباقي إلى ثكنة الجيش اللبناني في أبلح.

فجر يوم التاسع والعشرين من تشرين الثاني، الساعة الخامسة فجراً، ولليوم الثاني على التوالي استقرت مدرعات الجيش اللبناني في محيط ما يقارب ٣٠ مخيماً في محيط عرسال، وكرر مئات العناصر السيناريو نفسه، دخول واقتحام وتفتيش وإخراج العائلات من تحت الاغطية الشتوية، إلقاء مقتنيات اللاجئين خارج الخيم في الوحل، واعتقال المئات، واقتيد ما يقارب ٤٠٠ لاجئي من مختلف الاعمار مجدداً نحو مقر قيادة الكتيبة، ثم مجدداً تم الإفراج عن عدد من المعتقلين فيما تم نقل حوالي ٢٠٠ منهم نحو مقر قيادة اللواء التاسع في اللبوة، حيث كرر على مسامعهم الكلام نفسه حول العودة ومغادرة لبنان.

في البداية سربت مصادر عسكرية ما مفاده ان المداهمات تمت بحثا عمن لا يحمل إقامة في لبنان، أو من تخلف عن تجديد بطاقة الأمن العام اللبناني للاجئين، الا ان مجابهة هذه المقولة بان ليس من صلاحيات الجيش اللبناني، ولا حتى قوى الأمن الداخلي السؤال عن بطاقة الأمن العام، إضافة إلى غضب وزارة الخارجية الأميركي، دفعت الجيش إلى تعديل سرديته نحو البحث عن المخدرات في المخيمات، وان المداهمات حصلت بسبب وجود مخدرات في المخيمات. إلا ان المداهمات بحثا عن مخدرات او مطلوبين قانونا لا تتم إلا بطلب قضائي، مع لوائح أسمية لمتهمين ومشبوهين، وبعد ابلاغ السلطات المحلية الممثلة هنا ببلدية عرسال ومخاتيرها، الذين شاهدوا استعراض اللواء التاسع مثلهم مثل غيرهم من الموجودين في المنطقة دون ان يتم اعلامهم بأي مذكرات او مداهمات.

“يريدون ان نلقي بأنفسنا في البحر، وهو أقرب إلينا من العودة إلى حكم بشار الأسد” يقول أحد المسؤولين عن المخيمات في عرسال، “ولكنهم يريدون أن نلقي بأنفسنا في البحر حتى يتمكنوا من مواصلة المتاجرة بمأساتنا، ونحن نعلم بأنهم يبحثون عن المزيد من الأموال على دمنا” يختم كلامه.

في الواقع لا يصل للمخيمات واللاجئين أكثر من ٢٠ بالمئة من مجموع المبالغ المخصصة لهم، سواء من الأمم المتحدة او من هيئات دولية أخرى كالمنظمة الدولية للتغذية، واما الباقي فيصرف ما بين نفقات تشغيل للمنظمات نفسها او يجد طريقه إلى جيوب المسؤولين اللبنانيين في مسارب الفساد والرشى.

بعد إبلاغ المفوضية العليا لشؤون للاجئين ممثلة بشخص المسؤول عن لجنة حماية اللاجئين علي نويهض، لم تعاود المفوضية الاتصال باي من الهيئات الممثلة للاجئين في عرسال او لبنان لإبلاغهم بالتطورات ولم تقدم لهم إجابة عن سؤالهم الوحيد حول سبب المداهمات العشوائية التي نفذها الجيش اللبناني.

في هذه الاثناء كان أحد السوريين الموجودين في الخارج والناشط في إطار العمل على حماية حقوق اللاجئين السوريين يتواصل مع الخارجية الأميركية ويقدم لها المعلومات حول ما يحصل في عرسال، وبدورها قامت وزارة الخارجية الأميركية بالتأكيد له بانها اتصلت عبر سفارتها في لبنان بقيادة الجيش اللبناني كما بالمسؤولين اللبنانيين وطلبت منهم توضيحات عما يحصل في عرسال وعن تصرفات الجيش اللبناني هناك، ووقف حملات المداهمة العشوائية.

في اليوم الثالث لم تتكرر المداهمات، تسأل اللاجئون عن سبب توقفها، خاصة انه لم يتم الافراج عن كل المعتقلين، وكان الجو المشحون الذي خلقه اللواء التاسع يوحي بان عملية الضغط على المخيمات للعودة إلى سوريا ستتواصل.

وتلقى مسؤولين عن المخيمات اتصالا من الناشط السوري في الغرب، الذي اتصل به الضابط في مخابرات الجيش ملحم حدشيتي، الأخير ابدى رغبته باستقبال وفد من المسؤولين عن المخيمات في مكتبه في رأس بعلبك، لم يحدد حدشيتي ما جدول الاجتماع، او ما المطلوب من الوفد، فقط ابدى رغبته بلقاء “اية جهة سورية من اللاجئين”.

النازحون وعلى لسان عدد منهم قالوا ان عودتهم إلى سوريا “قبل التسوية السياسية مستحيلة، نحن مطلوبون لنظام بشار الأسد، والموت في لبنان أسهل من العودة إلى النظام”، وأضاف اخرون ان “في الإمكان ارسالنا إلى الشمال السوري، نحن نفضل الخروج من لبنان أيضا، ولكن ليس إلى حضن النظام”.

طبعا هناك اقتراح دائم بان تقوم الأمم المتحدة بإنشاء مخيمات تحت ادارتها المباشرة في المنطقة الحدودية الفاصلة بين لبنان وسوريا، ولكن حالياً يبدو ان الأمم المتحدة خارج السمع.

السابق
عشيرة آل جعفر: نحمل المسؤولية للجيش ونعتذر عن تقبل التعازي
التالي
التعذيب شكل نهائي للبنان الإلهي القوي