العبادي .. وميراث الفساد

إن من غير المنصف أبداًً تحميل حكومة د.حيدر العبادي سوء الأوضاع في البلاد وانهيار المنظومة الخدميّة لاسيما في قطّاع الكهرباء، فتركة الفساد التي ورثها الرجل من سلفه في الحكومة (نوري المالكي) هي المسؤولة عن كل ما آلت إليه الأمور، وعلى كافة المستويات.

فهو استلم زمام الأمور وثلث أراضي العراق مستباحة لجماعات داعش الإرهابيّّة، بينما كانت خزينة الدولة خاوية كما صرح هو ـ من الكويت ـ في مؤتمر مانحي إعادة إعمار المناطق المُحررة في 22/ 2/ 2018، فقد استُنزفت ثروات البلاد على المشاريع الوهميّة والجيش الفضائي وسرقة المال العام على أيدي الفاسدين الذين شاركوا المالكي في السطو على مقدّّرات هذا الشعب المنكوب، وتقاسموا معه الكعكة والكومسيونات.

ولا يمكننا حتى مؤاخذة السيد العبادي على تلكؤه ومراوحته في مُحاسبة الفاسدين وتقديمهم للقضاء لينالوا جزاء ما اقترفوه بحق هذا البلد وشعبه، لعدة أسباب:

إقرأ ايضا: انتخابات العراق: تنافس حاد بين الكتل الشيعية وشعبية العبادي تتقدّم

1. الفساد كمنظومة أصبح أكبر وأقوى من الدولة العراقية نفسها.

2. الفساد محمي بقوّة إقليميّة أصبحت تتحكم بالعراق ـ إيران ـ حتى أكثر من الحكومة العراقية، إلى درجة قدرتها على تجنيد وتعبئة الآلاف من شباب العراق وإرسالهم للحرب خارج حدوده رغم أن الدستور العراقي يمنع من استخدام الأراضي العراقية للاعتداء على أيٍٍ من دول الجوار، فكيف باستخدام رجاله، الأمر الذي أحرج الحكومة العراقية أمام المحافل الدولية واضطر رئيسها لإعلان البراءة ممن يقاتلون في سوريا. ففي21/ 10/ 2016 قال العبادي في مؤتمر صحفي له(أن وجود مواطنين أو فصائل مسلحة عراقية تقاتل في سوريا لا يمثل موقف الحكومة والسياسة العراقية). وأضاف (إن مَن يشترك مِِن فصائل عراقية بالحشد_الشعبي عليه احترام القانون والسيادة العراقية ودول الجوار وعدم التدخل في شؤونها، ولا نريد الغرق في صراعات إقليمية أخرى).

3. إن الفساد أصبح لديه فصائل مسلحة قادرة على مواجهة الدولة، وقد صرّّح بعضهم علناًً استعدادهم للانقلاب على الدولة والاطاحة بها ما أن تصدر إليهم الأوامر من طهران..!!

وأعتقد أن الحملة الإعلامية الشعواء على السيد العبادي ـ في الفترة القريبة الماضية ـ ووصفه برئيس الجالية البريطانية في العراق والتعدي عليه ـ على خلفيّّة قصف أحد الفصائل العراقية في الأراضي السوريّة ـ بيّّن بوضوح تغوّل هؤلاء وتعاليهم على سلطة القانون، فإهانة رئيس وزراء العراق لم تواجه بأي رد قانوني، ولم ينظر لها أنها انتقاص من هيبة الدولة، بينما يرى الفاسدون وميليشياتهم تظاهر العراقيين والمطالبة بحقوقهم انتقاصاً من الدولة وتعدّياًً على هيبتها، ولذلك تجد أكثر صرعى المظاهرات الأخيرة سقطوا برصاص الميليشيات وعند أبواب مقراتها..!!

4. إن الفاسدين لا يمكن ملاحقتهم ووضعهم بين يدي القضاء لأنهم ينتشرون في كل مرافق الدولة الحساسة، فحتى وزارة العدل والداخلية وغيرها من الوزارات ينتشر فيها الفاسدون كما الغدد السرطانيّة، فمَن بعد ذلك سيُحاسبهم أو يجرؤ حتى على المطالبة بمُحاسبتهم..؟!!

هنا لدي مثال بسيط، ففي العام 2008 تعرض منزل المواطن السيد محسن الشرع ـ صدري من أهالي الرميثة ـ إلى الحرق من قبل مجموعة من الأشخاص المعروفين، ولما رفع دعوى في المحكمة الاتحاديّة بعد أن رفضت محكمة المثنى قبول شكواه، وجاء الأمر القضائي بضبط وإحضار المتهمين أمام القضاء كان رد قيادة شرطة المثنى ـ حينها ـ ما يلي:

(إن المتهمين المشار إليهم في كتابكم المرقم كذا بتاريخ كذا هم من أتباع منظمة كذا ولا يوجد لدينا قوّة كافية لاعتقالهم..!!)
ولدي نسخة من هذا الكتاب المضحك المبكي في نفس الوقت.

فإذا كان القضاء العراقي قد عجز عن جلب أربعة من المجرمين الذين اعتدوا على عائلة وأخرجوها من بيتها وهجروها وأحرقوا بيتها على ما فيه من أثاث لمُجرّّد أنهم يتبعون حزباً لديه ميليشيا فهو أعجز عن جلب كبار الفاسدين لأنهم قادة الميليشيات ومموليها..؟!!

أقول: إن حل مشكلة العراق لا يكمن بزيادة ساعات تجهيز الكهرباء، أو تبليط شارع، أو بناء مدرسة، أو تحلية مياه الشرب لمدينة، أو توظيف بضعة آلاف من الشباب، إنما هي مرهونة بإزالة رؤوس الفساد من مواقعهم الحساسة، وتقديمهم للعدالة واستنقاذ ما سرقوه من أموال العراق.

فما دام هؤلاء يتمتعون بالحصانة التي تضمنها لهم مواقعهم، وقوّة السلطة التي تمكنهم من الاستمرار في فسادهم ونهبهم للمال العام، فإن مشاكلنا لن تنتهي وستتأزم أوضاعنا يوم بعد يوم.

بعد ذلك يجب إعادة النظر بالعملية السياسية برمتها، وكتابة دستور عراقي جديد يلغي قوانين المُحاصصة الطائفية وينظر إلى العراق على أنّه وطن الجميع دون أي تمييز.

إقرأ ايضا: العراق: الكتل الشيعية غارقة في دوامة النزاعات والتحالفات

والمهم الآن هو عدم الانزلاق في فوضى عارمة تحرق الأخضر واليابس، فهذا ما يصبو إليه الفاسدون وأسيادهم من خلف الحدود، ليفلتوا من الحساب وليحوّلوا العراق إلى ساحة حرب بالنيابة لتخفيف الضغط عما يجري في الجانب الآخر من الحدود كما تعودنا في كل أزمة لهم مع أميركا.

السابق
الجمارك تضبط خضار مهربة عبر الحدود السورية
التالي
«BMW» تقدم لوحة أرضيّة من أجل شحن بطاريات السيارة