كلام غير مسؤول من مسؤول كبير

بعد انتهاء الانتخابات قام اليوم وزير الداخلية والبلديات ​نهاد المشنوق اللبنانيين يتهنئة اللبنانيين، وأشار الى ان "هذه التهنئة هي لكل لبناني صوّت، ولمن لم يصوّت فهو فقد حقه في التصويت، وفقد حقه في الاعتراض لاحقا". (ليبانون ديبايت، 10-5-2018).

يا معالي الوزير هذه إهانة للبنانيين وللفكر السياسي. في هذه العجالة:

1-الإحجام عن التصويت موقف سياسي وعلى العكس الذين لم يشاركوا في التصويت سيستمرون في اعتراضهم وإذا لم يصوتوا فذلك لأنهم معترضون وسيمعنون في المستقبل في اعتراضهم.

2-تيارات سياسية وفلسفية-سياسية كثيرة ترفض المشاركة في الانتخاب، لأنها تعتبر أن ورقة الانتخاب في لحظة معينة أو في نظام ذي علاقات انتاج رأسمالية أو إقطاعية أو طائفية أو دكتاتورية من شأنها المساهمة في مضاعفة الاستغلال والاستبداد والتخلف (هذا موقف الفيلسوف السياسي الفرنسي جوزف برودون وفلاسفة عرب ومسلمون كثيرون).

3-ربما معالي الوزير يقصد جماعة معينة تنتمي لحزب أو تيار معين ويقصد بـ”فقدوا حقهم” أن هؤلاء سوف يتلقون معاملة سيئة من الآن وصاعداً أو فقدوا حقهم بتلقي المساعدات أو في الاعتراض على سياسة التيار. إذا كان هذا المقصود “ممكن تقطع” ولكن كان ينبغي التوضيح. أما العبارة جاءت تشمل كل اللبنانيين ويُفهم منها أن كل  من لم يشارك في التصويت فقد حقه بالاعتراض وهذا ما يعتبر خطأ منهجياً في فهم الاعتراض السياسي في المجتمعات الديمقراطية.

4-وإذا كان هذا التوجه هو لفئة معينة فهذا لا يجوز من وزير داخلية. كان ينبغي إيكال هذه المهمة لأحد المسؤولين السياسيين ومن الأفضل في أدبيات الحزب أو التيار الداخلية.

5-ردة الفعل هذه الحقودة على من لم يصوت تخون صاحبها لأنها تنذر بأنه يقترب من جماعة التكليف الشرعي، فيما هو أساسا في موضع انتقادي للتكليف الشرعي الإلهي الذي ينتمي الى عالم إذا شئنا التلطيف “غير واع سياسياً”.

6-وأخيراً: نحن نتمثل بالغرب وبديمقراطيته ولو المنتقصة وأنتم مبدئياً من المعجبين بالديمقراطية الغربية ولا تشاركون جماعة أيديولوجيا المؤامرة الذين يرون في كل الغرب عن بكرة أبيه شيطانا وعدوا وبعبعاً.. ولأنك مؤيد للديمقراطية الغربية سوف أورد كمثال بلجيكا حيث المشاركة في الانتخاب ملزمة لأنه واجب وطني ومن لا يشارك يدفع غرامة (المادة 62 من الدستور البلجيكي). تنص القوانين البلجيكية على غرامات وحتى على رفض التعيين في الوظائف اذا تكرر الإحجام أربع مرات. ولكن عمليا (أنظر قيكيبيديا vote obligatoire en Belgique) لم تطبق هذه العقوبات وفي آخر تصريح لوزير العدل يقول إن الانتخاب الإلزامي لم يعد واقعياً.

إقرأ ايضا: مصادر الداخلية لـ«جنوبية»: كلام المشنوق عن العفو العام تمّ تحويره

لقد ذكرت مثال بلجيكا كي أنهي بما يلي: رغم الموقف القانوني البلجيكي من الزامية الانتخاب يستحيل أن نتصور مسؤولا بلجيكياً ينوه ولو تنويها أو يهدد بفقدان حق الاعتراض السياسي لكل من لم يصوت. حرية الرأي والاعتراض حق مقدس، “سماوي”، فيما واجب التصويت واجب أرضي، فان.

 

السابق
دفن الضحية «أبي فرج» اليوم في الشويفات
التالي
ضبط مهرّب مخدرات على ضهر البيدر