طفلة العزم

قصة عهد وقائد السرية الاسرائيلي هي قصة عبثية الاحتلال).

يوم الثلاثاء في الثالثة بعد الظهر انتظم الفتيان في النبي صالح لحدثهم اليومي. والاصطلاح الاسرائيلي هو اخلال بالنظام، رغم أنه منذ خطاب القدس لترامب، لا يوجد في النبي صالح الكثير من النظام الذي يمكن الاخلال به، والحرب هي يومية – الفتيان بالحجارة وجنود كتيبة روتم في جفعاتي بالغاز المسيل للدموع وبالعيارات المطاطية. وفي الثالثة والنصف خرج الفتيان الى الهجوم. كان هناك 20 فتى، بالحد الاقصى 30.

تقع قرية النبي صالح على قمة تلة، بارتفاع 570 متر، شمال غرب رام الله. أما مستوطنة حلميش القديمة فتقع على طول الامتداد المقابل. وبين القرية والمستوطنة يتلوى طريق 465 شريان مواصلات حيوي للطرفين. يأتي الفتيان من التلة، من شرفة الى شرفة. مهامتهم هي الاقتراب من الطريق لرجم السيارات الاسرائيلية، وربما حتى لاجتياز الطريق والوصول الى جدار المستوطنة. ومهامة الكتيبة هي صدهم في الاعلى.

اقرأ أيضاً: أنا ايضا كنت شاباً إبن 15 سنة

لقد أغلق الجيش الاسرائيلي المدخل الرئيس للقرية بكثبان من التراب. وعند المدخل يوجد برج اسمنتي، يلوح فوقه علم. الفتيان يرشقون الحجارة، الجنود يطلقون الغاز المسيل للدموع. في البداية تحمل الريح الغاز جنوبا، نحو الجنود ونحوي. الغاز يحرق العيون. وبعد ذلك تغير الريح الاتجاه. ينال الفتيان نصيبهم ولكنهم يواصلون رشق الحجارة. وبعد نصف ساعة يتفرقون. لا اصابات لقواتنا؛ لا اصابات لقواتهم. احداث كهذه تقع في 180 نقطة احتكاك في الضفة منذ خطاب ترامب. في الاسبوع الاول سجل 16 الف حادث اخلال بالنظام؛ في الاسبوع الثاني 14 الف. أما في عدد بؤر الاحتكاك فلم يطرأ تغيير.

في الاسابيع التي سبقت خطاب ترامب لم يسجل سوى بؤرتي – ثلاثة بؤر احتكاك، وعدد المشاركين في كل مظاهرة لم يرتفع عن 20 أو 30. الكلمات يمكنها أن تقتل، تقول حملة دعائية جديدة. حالة ترامب هذا صحيح. فاصداء الخطاب وصلت من البيت الابيض حتى النبي صالح: قبل خطاب ترامب سجلت هناك حادثة واحدة في الاسبوع، بشكل عام في يوم الجمعة. ومنذئذ والاحداث يومية.

ما يجلبنا الى ابناء عائلة التميمي، العائلة الاكبر في القرية. في ايلول 2015 التقيت في القرية سلام التميمي ابن التاسعة. طفل اشقر الشعر، ازرق العينين، تماما مثل شقيقته الاكبر، عهد. أخذني الى بيت العائلة. بيت كبير في اعلى القرية. لماذا اسميته سلام، سألت أباه باسم. “لسببين”، قال. “الاول، عندما ولد كنت اؤمن بانه يمكن الوصول الى سلام”.

والسبب الثاني؟ سألت

“كان عندي صديق اسمه سلام، قال التميمي. “الاسرائيليون قتلوه في زمن الانتفاضة”.

محمد التميمي، شقيق سلام ابن الـ 12، خرج في حينه مع الفتيان الى حدث يوم الجمعة. رفع ذراعه كمن يعتزم رشق حجر. فانطلق جندي نحوه؛ فأمسك به. النساء، وبينهن نريمان، ام الطفل، هجمن على الجندي. عهد، التي كانت في حينه ابنة 14 ولم تظهر كثيرا، عضته. الجندي تجلد. لم تكن هذه هي المواجهة الاولى بين عهد التميمي والجيش الاسرائيلي. فقبل ثلاث سنوات من ذلك، عندما كانت ابنة 11، التقطت لها صور وهي تصرخ على جندي.

حادثة الغض في 2015 صورت بالفيديو وبثت. جمعية “بتسيلم” او في هذه الحالة منظمات اخرى، حرصت على توفير العادات. الصور كانت قاسية، هازة. فقد فتحت جدالا مريرا في اسرائيل على ثمن الاحتلال. ورأى الفلسطينيون في عهد بطلة. أصبحت رمز الكفاح ضد الاحتلال. ابو مازن استضافها في رام الله؛ اردوغان عانقها في أنقرة. الشعر الاشقر والعينان الزرقاوان ساهما بدورهما أيضا. فالطفلات الشقراوات تذهب صورهن بعيدا.

سيكون هذا جسيما

مرت سنتان وربع السنة منذ قصة العض. عهد ابنة 16 الان، بعد قليل 17. في يوم الجمعة الماضي عادت وهاجمت جسديا قائد سرية جفعاتي، في ذات المكان، قرب جدار بيتها. وكل شيء صور بالفيديو. وكان المشهد مرة اخرى صعبا وهازا، ولكن عهد لم تعد قاصرة. وهي ستقضي في السجن لزمن طويل، قلت يوم الثلاثاء لابيها، باسم.

تحدثنا في الهاتف. كان هو في بيته، في الطرف الجنوبي – الغربي من النبي صالح، وأنا في سفح التلة. رأى سيارتي وأنا رأيت بيته. كان بيننا الجنود، الفتيان، الدخان الذي تصاعد من قنابل الغاز، وعلم اسرائيل على البرج.

التميمي، عضو في فتح، قضى محكوميتين في السجون في اسرائيل. قال: “الجيش وصل بين الثالثة والرابعة فجرا. قوة كبيرة من الجنود والمجندات، الجيش وحرس الحدود. قالوا انهم جاءوا لاعتقال ابنتي. أمروها بتغيير ملابسها. ولم يسمحوا لامها بمرافقتها.

“بعد ذلك اخذوا الكاميرات والهواتف النقالة من الجميع. اخذوا الحاسوب. اخرجوا الاثاث وقلبوا كل شيء”.

هل خططت عهد الهجوم مسبقا، سألت.

“لها ابن عم، محمد التميمي، طفل ابن 14″، قال. “الجيش اطلق عليه رصاصة مطاطية. ظنت أنه قتل، ولهذا السبب خرجت لمهاجمة الجندي. يمكنك ان تفحص: فهو ينزل الان في المستشفى في رام الله”.

اين زوجتك، سألت

“في الصباح استدعوها لشرطة بنيامين”، قال. “لم تعد بعد”.

الزوجة، ناريمان، دخلت بين ابنتها وحارس السرية. في البداية هدأت، وبعد ذلك شتمت وضربت. وهكذا ايضا ابنة العم نور، ابنة العشرين.

العقاب هذه المرة سيكون جسيما، قلت

فرد بتحدٍ. وقال: “هذه هي اخلاق الصهاينة”.

وضع راهن جديد

كانت النبي صالح قرية معادية في 2009. والقصة هي جزء من الصراع على الينابيع. صراع شبه توراتي، يدور بين المستوطنين في ظهر الجبل وسكان القرى. نبع القوس ينبع على جانب طريق 465، بين النبي صالح وحلميش. في الماضي كان يسقي قطعة الاراضي من النبي صالح ومن دير نظام. ضابط في الجيش الاسرائيلي خدم في المنطقة قال لي ما حصل: في 2009 احرق مستوطنون القطعة في إطار عمليات تدفيع الثمن. اما الفلسطينيون فابعدوا.

حاول ضباط الادارة المدنية وضع نظام: يسمح للفلسطينيين بالوصول الى النبع في ايام الاسبوع، باستثناء يوم الجمعة حين يبعدون لاسباب امنية. واثار هذا النظام حفيظة الطرفين: الفلسطينيون كانوا يرفعون علم فلسطين، يبولون على علم اسرائيل ويدمرون ما بناه المستوطنون؛ اما المستوطنون فسيجوا قطع من الاراضي الفلسطينية المفلوحة. وفي اثناء الاتصالات طلب اهالي النبي صالح استرجاع قطعهم الخاصة التي صودرت في داخل حلميش. في الادارة فحصوا: القطع كانت في قلب المستوطنة. على واحدة منها بنيت بقالة؛ على اخرى بركة سباحة. كيف سيعيدون.

وضع المستوطنون يافطة قرب النبع: “نبع مئير”، على اسم مئير سيغال، من مؤسسي المستوطنة. وهكذا نشأ وضع راهن جديد: النبع لنا واعمال الاخلال بالنظام يوم الجمعة لهم. كل طرف يعرف دوره، والجيش الاسرائيلي في الوسط.

يوم الثلاثاء من هذا الاسبوع رابطت في النبع حظيرة جنود.

عبثية الاحتلال

في اثناء الاخلال بالنظام يوم الجمعة وقف قائد السرية قرب جدار بيت عائلة التميمي. وهو يخدم في المنطقة منذ فترة طويلة نسبيا: فهو يعرف القرية جيدا. واختار قائد السرية المكان لانه يوجد في منطقة مشرفة. قائد السرية هو شاب طويل، قوي، واثق بنفسه. جبار، يقول عنه احد قادته. عندما توجهت اليه بالصراخ عهد ونور التميمي، كان يرى الكاميرات. وحسب تحقيق الجيش الاسرائيلي فهم على الفور بان هذا استفزاز.

هذا وضع كلاسيكي من الخاسر – الخاسر. مهما عمل قائد السرية، فلن يخرج أي خير من هذا. النتيجة ليست خيرا، ولكن القصة كان يمكنها أن تنتهي بشكل اسوأ بكثير. سألت نفسي ما سأله كل من خدم ذات مرة في المناطق. كيف كنت سأتصرف لو كنت مكانه. آمل أن اكون تصرفت مثله. ومع ذلك، كنت سآكل نفسي بعد ذلك. الخطأ الاول انه كان لم يعتقل الفتاة فور صفعها وركلها له. الخطأ الثاني كان انه لم يبلغ. في الجيش لم يعرفوا بالحدث الا بعد أن نشر شريط الفيديو على الملأ، يوم الاثنين. قائد السرية لم يبلغ لانه لم يولِ للحدث اهمية خاصة. عبثية الاحتلال: هذا الدرس من الحدث هو الاخر يجب أن يبعث على القلق. الاسرائيليون يجلسون امام التلفزيون ويتذمرون على شرفنا المهان. ليس لديهم اي فكرة عما يجري على الارض.

قائد المنطقة الوسطى روني نوما أعطى قائد السرية اسنادا كاملا. والبيان الذي صدر يمتدح السلوك المهني لقائد السرية. ومع ذلك شرح لقائد السرية بانه كان ينبغي له ان يعتقل الفتاتين على الفور.

ان السياسة التي وضعها الجيش الاسرائيلي تجاه اثر ترامب كانت صحيحة: تهدئة الوضع قدر الامكان. اقل ما يكون من القتلى، اقل ما يكون من الجرحى. اسرائيل لن تربح شيئا اذا ما ولد خطاب ترامب انتفاضة جديدة. ليس صعبا التخمين ما شعر به ليبرمان حين شاهد الشريط. ماذا كان سيقول عن الجيش الاسرائيلي لو كان في المعارضة. اما الان فليبرمان هو وزير الدفاع. لو كانت لديه افكار للعقاب الجماعي، لكانت صدت في المداولات الداخلية. وفي الغداة ساند الجيش بشفتين مزمومتين.

شريط الفيديو تبنته في البداية مواقع مؤيدة للفلسطينيين. ومن دفعه الى جدول الاعمال الاسرائيلي كان موقع يميني دعا الى تحدي سياسة الجيش الاسرائيلي. ثمة شراكة مصالح بين الطرفين. حين يكون محظور لمس فتاة في بؤرة استيطانية بعد أن تصفع جنديا، بينما حين تفعل فتاة فلسطينية فيجب قتلها على الفور.

ردود الفعل في اليسار لم تكن اكثر نجاحا. فقد قال يساريو الكنبة “ضبط النفس هو قوة”. فقد قالوا هراء: ضبط النفس ليس قوة. ضبط النفس، مثل القوة، هو أداة تتطلب الاستخدام العاقل. حين يبني الاسد سرا مفاعلا ذريا، فالصحيح هو تدمير المفاعل، وليس ضبط النفس. واعتقال الفتاتين والام – ويحتمل ان يعتقل الاب ايضا – في النبي صالح مبرر تماما. نور، ابنة العم، اعتقلت بعد يوم من عهد لانه تطلب وقت للعثور على مكان سكنها.

لا توجد اي صلة بين الحدث في النبي صالح وأثر اليئور أزاريا. لا أثر أزاريا، وبالتأكيد ليس عندما يدور الحديث عن ملازم في الجيش الاسرائيلي، قائد سرية في جفعاتي. في الجيش مقتنعون بانه لا توجد ايضا صلة بين الشريط وقدرة الردع للجيش الاسرائيلي. حبذا. المؤكد هو ان هناك كان اهالي شاهدوا الشريط وقال لابنائهم: اذهبوا الى 8200، اذهبوا الى سلاح الجو، الى سلاح البحر، الى السايبر، كله الا الدخول في مشادة مع فتيات فلسطينيات على تلة نائية في الضفة.

السابق
القدس… ومآسي المدن العربية الأخرى
التالي
خسرنا فرحة فقراء