عهد التميمي: قدس ثانية تضيع

ظاهرة الطفلة عهد، إنما تدل إذا دلت على شيء فهو على عقم وتصحر في مستوى تفكير الكثيرين الذين لا يريدون أن يعترفوا بواقع هزيمتنا

فجأة ومن دون سابق إنذار، تحولت الطفلة الفلسطينية (2001) عهد التميمي الى الطفلة الخارقة، إلى أيقونة إنتصار، قاهرة الجيش الإسرائيلي، مستعيدة القدس ومحطمة قرار ترامب، فاضحة الحكام العرب، عنوان الإنتصار القادم، رمز الشجاعة والتحدي، هازمة جيش الإحتلال.
هذا وغيرها الكثير الكثير من المصطلحات المفقودة والمختفية والمنسية من واقعنا وحالنا، رجعت منذ أيام وبشكل مكثف (لدرجة الشبه) على صفحات التواصل الإجتماعي، حتى أن الشعور بمرارة الهزيمة والإمتعاض من تذكر ضياع القدس المنسي منذ عشرات السنين إنتهى أو كاد، فلم نعد نحتاج إلى القدس فعندنا “عهد” ولعل شعرها الأشقر حل محل قبة مسجد الصخرة وكفى الله المؤمنين شر القتال.

اقرأ أيضاً: حل الدولتين غير قابل للعيش

ماذا فعلت الطفلة عهد؟ وقفت بوجه الجندي المحتل، رفعت قبضتها النحيلة مرة، وصفعت جندي آخر في مرة ثانية حاول الدخول إلى بيت والديها ! وهي تعلم علم اليقين أنها بمأمن من أي ردة فعل على شاكلة جنود أنظمتنا العربية، وفي كل مرة كانت الكاميرا جاهزة والصور تنتشر كالنار في الهشيم، واستمرت هذه الكاميرا تلاحقها حتى داخل قاعة المحكمة!
وإن كنت لست خبيرًا بطريقة صناعة الخبر والمشهدية التي يقدمها لنا أعدائنا الصهاينة ليتحكموا من خلالها بأسلوب تفكيرنا وأخذها إلى المنحى الذي يريدون، ولا أميل إلى تضخيم نظرية المؤامرة ولو أنني أحبذها مع العدو الإسرائيلي خصوصًا، إلا أنني أستطيع أن أجزم بأن هذا العدو الذكي والمنتصر علينا، لا يمانع البتة من إعطائنا “انتصارات” وهمية سخيفة وأن يغرقنا حتى الإنتشاء في بروبوغندا إعلامية تأخذنا إلى حيث يريد هو.
فالكثيرون منا الذين انتقدوا بشدة، زج داعش للأطفال وإستغلال حزب الله والحوثيين لهم وكتبنا مطولات عن الطفولة بعد كل خبرية “استشهاد” فتى كونه لا يفقه المكان والقضية التي يقاتل من أجلها، وجدنا أنفسنا مضطرين أن نعتبر الطفلة عهد التميمي، واحدة من أعظم المفكرين المدركين لما تقوم به، وأن وعيها ونضجها وعقلها بحجم أمة وأكبر من الشعوب العربية مجتمعة، ونسينا أنها مجرد طفلة قد تكون استهوتها الصور ليس إلا.

ظاهرة الطفلة عهد، إنما تدل إذا دلت على شيء فهو على عقم وتصحر في مستوى تفكير الكثيرين الذين لا يريدون أن يعترفوا بواقع هزيمتنا لأن في إعترافهم تجدهم مضطرين أولا إلى الإقرار بأنهم كانوا ولا يزالون السبب بما نحن عليه، وثانيا عليهم البحث عن طريقة تفكير مختلفة عن ما هو سائد هم غير مؤهلين ولوج هذه التجربة.
فالحل الأبسط بالنسبة إلى هؤلاء هو إستعادة أوهام واختراع إنتصارات يختبئون خلفها ويتسترون به للتدليل أنهم كانوا ولا يزالون على الطريق الصحيح، منذ زمن صواريخ عبد الناصر الكرتونية ووصولًا إلى الإنتصارات الإلهية الحاضرة، والأهم بالنسبة إلى هؤلاء هو ما تشكله الطفلة عهد من مادة لواقعهم الإفتراضي، فيعطيهم الستاتوس من هنا أو تغريدة داعمة من هناك إرتفاع في نسبة الأدريالين النضالي، فيستريحوا لأنهم أدّوا بذلك قسطهم للعلى وكأنهم إستعادوا القدس أو حتى كل فلسطين، فينامون من جديد مطمئنين مستقرين وإن على حساب طفولة عهد الضائعة كما القدس.

السابق
مؤهل لبناني يبتز سورية جنسياً على معبر حدودي
التالي
صرخة ضد تسييس القضاء ودفاعاً عن الحريات