هل رصدت اسرائيل عبارة «سنحرق المنطقة» في اتصال سليماني؟

قاسم سليماني

ما إن أغلق قائد “فيلق القدس” في الحرس الثوري الإيراني اللواء قاسم سليماني، هاتفه بعد مكالمة هاتفية أجراها، ليل الإثنين، مع قيادتي “القسّام” و”سرايا القدس” في غزة، “لبحث جهوزية المقاومة للمواجهة المقبلة مع إسرائيل”، حتى ذهبت وسائل إعلام إسرائيلية إلى الربط بين المكالمة وإطلاق صواريخ من غزة في الساعات اللاحقة باتجاه البلدات الإسرائيلية.
صحيفة “معاريف” الإسرائيلية، اعتبرت أن التصعيد من قبل “الجهاد الإسلامي” و”حماس” جاء بعد تلقيهم اتصالاً من اللواء سليماني، وإعطاء الضوء الأخضر للحركتين للبدء بالتصعيد في قطاع غزة، فيما أوردت “القناة العاشرة الإسرائيلية” أن سليماني قال خلال حديثه لأحد قادة الفصائل في غزة “سنحرق المنطقة”، وذلك بما يوحي أن اسرائيل تمكنت من اعتراض المكالمة والتنصت عليها.

والواقع ان ما قالته القناة العاشرة، يندرج ضمن اطار استنتاج المحتوى، إذ ذكرت أن مصادر أمنية اسرائيلية، كشفت بأن إيران تريد توظيف المناخ الحالي لتفجير المنطقة، لكنها استخدمتها كعبارة رمزية ومختزلة، ولم تقل انه قالها حرفياً. جمعت القناة بين التحليل والاستدلالات الأمنية. فالمؤسسة الأمنية لم تعلق على الموضوع. وحاولت وسيلة إعلام اسرائيلية أن تحصل على تعليق من المؤسسة العسكرية ومكتب نتنياهو، لكنها قالت “إن المؤسسة الأمنية ترفض التعليق”. كما أن غالبية الصحف الإسرائيلية لم تؤكد رصد المكالمة، ولم تنفه.

اقرأ أيضاً: قاسم سليماني وساحة القدس الجديدة…

وأن يقول قاسم سليماني عبارة “سنحرق المنطقة” على هامش مكالمة ذات بعد عسكري، ثم تنقلها وسيلة إعلامية إسرائيلية بعد ساعات قليلة، وبسرعة، هو أمر يثير الشكوك في الواقع. ذلك أن العسكريين الإيرانيين يحرصون دوماً على عدم البوح بأية تعبيرات توحي أو تكشف ما تفكر به طهران استراتيجياً عبر هاتف قد تتمكن اسرائيل من اختراقه بناء على قدراتها التكنولوجية الفائقة.

كما أن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا المضمار: “لماذا تصل معلومة أمنية حول اعتراض اسرائيلي لمكالمة سليماني وما قاله على هامشها، بسرعة فائقة، إلى القناة العاشرة قبل تنقيحها وتحليلها لدى الأجهزة الامنية الإسرائيلية وايصالها إلى مخابرات حليفة؟ ناهيك أن اسرائيل لم تؤكد الأمر رسمياً، حتى اللحظة، سواء عبر مؤسستها العسكرية أو السياسية.

وإذا أكدت اسرائيل الأمر، فليس كل ما تعلن عنه أمنياً هو صحيح، بل هناك دوافع دعائية تهدف إلى خلط الأوراق. وخير دليل على ذلك، إعلانها، قبل أكثر من ثلاث سنوات، ضبط سفينة اسلحة إيرانية في عرض البحر الأحمر، بحجة أنها كانت آتية إلى قطاع غزة، لكن دوائر استخباراتية أوروبية كذّبت الرواية الإسرائيلية وقالت إن السفينة كانت ذاهبة إلى الحوثيين في اليمن، لا غزة.

كما أن الحرس الثوري الإيراني نفسه أعلن إجراء قائده قاسم سليماني، المكالمة المذكورة، ما يعني أنها لو كانت عسكرية لاتخذت الطابع السري، لولا أنها حملت رسائل تحدٍّ لدول الإقليم أولاً، ثم أميركا وإسرائيل، بأن محاولات لجم إيران في المنطقة لن تنجح.

ولذلك، يُجمع مراقبون ومحللون عسكريون وقادة من “حماس” و”الجهاد الإسلامي” في أحاديث لـ”المدن”، على أن ما نشرته القناة العاشرة، والربط الذي قامت به وسائل إعلام يمينية في إسرائيل في ما يتعلق بالتصعيد الأخير في غزة وما يقال إنه “الضوء الأخضر الإيراني”، لا يعدو الدعاية الإسرائيلية لتخويف السلطة الفلسطينية، بهدف تحويل جوهر الأزمة الحالية المتمثلة في تهويد القدس وقرار واشنطن إعلان القدس عاصمة للدولة العبرية، إلى مسألة فلسطينية داخلية.

وبتوظيفها لمكالمة سليماني، وتلك التي كانت بين الرئيس الإيراني ورئيس المكتب السياسي لحماس، اسماعيل هنية، توجه إسرائيل رسالة تحذيرية للدول العربية، مفادها “أن احذروا الذوبان في ردود الأفعال الغاضبة من إعلان ترامب القدس عاصمة لإسرائيل، لأن الخطر الأكبر هو استغلال إيران للمناخ القائم والفرصة المناسبة لإعادة تمدد نفوذها بشكل أكبر في المنطقة.

“حماس” و”الجهاد الإسلامي”، شددتا على الأهمية الرمزية لمكالمة اللواء قاسم سليماني أكثر من أي شيء آخر. ويقول القيادي في “الجهاد الإسلامي”، أحمد المدلل، لـ”المدن” إن المكالمة جاءت في سياق رمزي وسياسي.
والأرجح أن إسرائيل ليست وحدها التي توظف آلتها الدعائية، بل لإيران أيضاً سياسة دعائية سياسية وعسكرية تستخدمها في صراعاتها الدولية والإقليمية.

السابق
أنصار ترامب تبشيريون وصهيونيون
التالي
ومن الذي سيدافع عن الاسد؟