أنا والعراق فرصة رجائنا

هاني فحص

أنا هاني فحص اللبناني الشيعي الذي امتلأت ذاكرته بالحرمان والتهميش، وهو إذ يشعر – كشيعي – بأنه أتيح له من خلال العلم والعمل والمشاركة، أن يمتلك مقداراً من القوة، إذا ما بالغ فيه خسره، وإن أحسن استثماره بالشراكة الوطنية وبناء الدولة الجامعة القوية والعيش المشترك وإنتاج المعرفة وتنمية الموارد والانفتاح على الأشقاء والأصدقاء والحوار مع الأعداء، لعل العداوة تتحول إلى تفاهم أو تسالم، فإنه يحول الحرمان التاريخي إلى استحقاق مستقبلي، بدل أن يحوله إلى نكد اجتماعي وسياسي يعطل الطاقات ويهدر الثروات.
أنا المسلم الذي يعاني وإن كان يشارك أحياناً في حالة الفصام والتجزئة والعنف والإرهاب وتبذير المال وتبديد المخزونات… ويخاف على المسلمين من توسيع مطامحهم فوق الممكن والمستطاع في أممية جربها غيرنا وعاد بعد فشلها إلى بناء أوطانه القومية… ويتمنى أن يعود المسلمون إلى مفهوم المواطنة التي تمر بالحدود الإقليمية وتعود إلىأوطانها لتحفظ الجميع بالجميع وطناً وشعباً.

اقرأ أيضاً: السيد هاني فحص والتشيع الكوني

وأنا أشم رائحة رغبات إمبراطورية ذات نكهات مذهبية، منها ما جربناه ونرحب بأهله إذا ما وظفوا تاريخهم وحاضرنا في سبيل نهوضهم ومشاركتنا في النهوض، ومنها ما هو أحلام إمبراطورية مستجدة تفضل القوة المادية على القوة المعنوية، وتفضل النفوذ والاختراق على الدور الذي لا يتم إلا بالتفاهم معنا، وهي في سبيل ذلك تستخدم القضايا الكبرى وأحياناً ضد أهلها وتخلط العام الإسلامي بالخاص المذهبي وإن كان ذلك ضد مصالح القوم أو أهل المذهب.
أنا العربي الذي حلم وعمل وضحى وقبل بالفقر وآثر العلم على الجهل من أجل التحرير والتحرر والتقدم والوحدة، فانتهى إلى مزيد من الجهالة والتخلف والتأخر والفقر والجهل والمرض والتبعية والتجزئة ونفاد الثروة وتهديد الكيانات بالطائفية والمذهبية والصراعات الإثنية والحزبية. بسبب فهمه الناقص والمشوه للعروبة، واستقالته من دوره الوطني من أجلها ومن دون طلب منها، واستقالته من شركائه ورفاقه في منتجاته الحضارية بالذهاب إلى العنصرية التي حولت العروبة إلى مشروع يلغي نفسه بإصراره على إلغاء الآخر المختلف الشريك.
أنا الذي كان يرى في مصر ضمانة في دورها وموقعها وهي تتحول الآن من رافعة إلى عبء… وكان ينتظر فلسطين التي ابتعدت، ويمني نفسه بالخير النفطي إذا ما هدده الفقر والخراب… فيرى النفط يتبخر بفعل الأصدقاء والأعداء وفعل القصور والتقصير في الإدارة والتنمية… ويخاف من الانقلابات التقدمية التي أدت إلى مزيد من الموت والفقر والرجعية.
لقد وجدت نفسي محاصراً باليأس والإحباط وكان همي أن لا أعدي الآخرين بيأسي، لكنهم يائسون مثلي… إن كانوا في عمري… ويخافون من تسرب اليأس إلىأحفادهم بعدما أخذ يدهم أولادهم.

اقرأ أيضاً: الشيخ والحرب.. (مع الاعتذار من همنغواي)

هذا ولم أتوقف عن البحث عن فرصة للرجاء، وفشلت أكثر من مرة، إلىأن لاح لي العراق ولو عن طريق قبلته على مضض لأنه لم يكن لي أمل في غيره… وقلنا البيت أهم من الطريق إلى البيت، على أن يكون لنا في العراق بيت… بعدما قيل لنا إن العواصم الفاعلة مستقبلاً لن تتعدى ثلاثاً: أنقرة وطهران وتل أبيب وخفنا من الثالثة، وحاولنا أن نخفف خوفنا بالطمأنينة في الأخرين وإن كنا لا نجد ضمانة أو مشجعاً على ذلك حتى الآن رغم بعض المظاهر والشعارات العظمى. إلىأن لاحت بغداد الممكنة بكل المعايير وما إن أصبحت في أيدي أبنائها الذين ضحوا من أجلها حتى بدت بعيدة جداً أو مستحيلة!
لماذا أيها السياسيون العراقيون؟ لقد انتظرناكم فإلى أين أنتم ذاهبون؟ لماذا يسير العراق على طريق الصومال؟ ألا تكمن أكثر الأسباب في عقولكم ونواياكم وأدائكم… حرام… عودوا إلى العراق.

(من كتاب في وصف الحب والحرب)

السابق
أكثر من 22 مليون زائر للامام الحسين في كربلاء!
التالي
محاولات تشويش تعرض لها موكب الرئيس سعد الحريري في بيروت قبل استقالته بأيام